عالم الجزيرة

أطفال اليابان المنسيون

أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف طفل ياباني يكبرون داخل مؤسسات ترعاها الحكومة. حلقة 1/3/2015 من برنامج “عالم الجزيرة” خاضت في هذا الموضوع الذي يعتبر عارا يُتكتم عليه.

في مجتمع يتخلى فيه الوالدان عن الطفل حتى ولو كان رضيعا ويتجاهله المجتمع، تصبح دور الرعاية الخيار الوحيد لآلاف الأطفال في اليابان. ويوضع نحو 85% من الأطفال الذين يتعرضون للإساءة والإهمال من أسرهم في مثل هذه المؤسسات، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بدولة متقدمة كاليابان. 

وهناك أيضا ثلاثة آلاف رضيع تُؤويهم مثل هذه المؤسسات في أنحاء مختلفة من البلاد، لتكون اليابان بذلك الدولة الوحيدة تقريباً التي لديها مؤسسات لأطفال رُضع في أشهرهم الأولى.

ويبقى الرضع في هذه المؤسسات لفترة تصل إلى عامين، والذين يعانون من صعوبات في النمو والتطور ويبقوْن حتى سن الخامسة. وبعضهم ينتقل من مؤسسات الرُضَّع إلى مؤسسات رعاية الأطفال. ومتوسط فترة البقاء في هذه الدار هو أربع سنوات.

وقد تمكن درو أمبروز في حلقة 1/3/2015 من برنامج "عالم الجزيرة" من النفاذ إلى المرافق التي يُحتفظ فيها بكثير من الأطفال حتى بلوغهم سن الرشد، وسمح له بالتصوير شريطة عدم الكشف عن هُويّات الأطفال.

يعيش الفتى داي إيتشي (14 عاما) منذ سنوات عدة في دار الرعاية في ولاية أوساكا بعد أن أخذته الحكومة من والدته التي كانت تعامله معاملة سيئة وتبقيه من دون طعام وتضربه ضرباً مبرحاً.

وهي الحال نفسها للمدعو كنجي (28 عاما) الذي كان قد تنقل من دار رعاية إلى أخرى عندما كان طفلاً صغيراً بينما أمه تصارع السرطان، وهو بالكاد يتذكرها حتى إنه لم يشعر بالحزن عند موتها.

ويعيش كنجي حاليا في ملجأ للمشردين على أطراف العاصمة طوكيو، وتعرض للكثير من المعاناة، وسبق له الاحتكاك بالشرطة وعصابات إقراض الأموال، ويعتقد العاملون في الملجأ أنه مصاب بحالة عصبية تجعله مضطرباً ومتوتراً بسبب وجوده وهو طفل في دار رعاية.

الموسيقي تاكايوكي واتاي تخلت عنه والدته عندما كان طفلا، ومنذ سن السادسة تربى في دار للرعاية، وهو يدرك جيداً مدى صعوبة البقاء على قيد الحياة بعد أن تتربى في دار رعاية.

يقول واتاي إن الشخص الذي يتربى في دور الرعاية لديه إحساس حادّ بالدونية، وإنه من دون علاقات أسرية في اليابان فمن الصعب أن تلتحق بالجامعة أو تحصل على عمل أو تستأجر شقة.

وتنتقد الأمم المتحدة أسلوب اليابان في تناول قضية الأطفال بدعوى أنه يخرق معاهدات حقوق الإنسان، حيث إن البقاء داخل مؤسسات الرعاية لمدد طويلة يؤخر من نمو القدرات الذهنية والاجتماعية للطفل.

كما تطالب منظمات حقوق الإنسان اليابان بإغلاق مثل هذه المراكز أو على الأقل تحديد مدة بقاء الرضيع فيها بثلاثة أشهر كحدّ أقصى.

التبني
ويولي المجتمع الياباني أهمية كبيرة لسلالة النسب (وشجرة العائلة)، ومن النادر أن يقبل والدان دخول طفل غريب إلى الأسرة. وقد بدأت الحكومة اليابانية تدرك أن دور الرعاية تلك ليست أفضل الحلول، وأن البديل هو التبني المؤقت حيث تم إيواء الأطفال في بيوت خاصة مع والديْن بالتبني مسجليْن لدى الحكومة.

في أستراليا على سبيل المثال يذهب نحو 9 من بين كل 10 أطفال يبعدون عن والديهم إلى رعاية والدين بالتبني، وفي بريطانيا والولايات المتحدة تبلغ النسبة 7 من بين كل 10، ولكن في اليابان لا تزيد النسبة عن واحد من بين كل 10. وتطمح الحكومة لأن تضاعف هذا الرقم بحلول عام 2025.

توشيو وساياكو ناغاي هما والدان بالتبني قاما برعاية نحو ثمانين طفلاً على مدى الأربعة عقود الماضية. يبلغ الزوجان السبعين من العمر، ويقولان إنهما عندما شرعا في تبني الأطفال بشكل مؤقت قبل سنوات كانا يحبّان أطفالهما, لكنهما يُضطران للتخلي عنهم لأسباب مادية، وفي هذه الأيام يتخلى الآباء عن تربية أطفالهم بشكل كامل.

يتلقى الزوجان مبلغاً شهرياً متواضعاً من الحكومة، وليس لديهما أي حقوق قانونية على الأطفال.

ولكن الكثيرين في اليابان تساورهم الشكوك بشأن الوالدين بالتبني، ويؤكد مدير إدارة الشؤون الاجتماعية المسؤول عن الإساءات في ولاية أوساكا أنهم يواجهون صعوبات في إقناع الآباء الذين لا يستطيعون تربية أطفالهم لأن يرسلوهم إلى أسر تبن مؤقتة، وهم يفضلون على ذلك دور الرعاية.