تحقيقات الجزيرة

كينيا.. إسلاميون أمام فرق الموت

تنتشر مزاعم بكينيا عن وجود برنامج لمكافحة الإرهاب تديره الحكومة ويستهدف “المتطرفين”، وتمكنت الجزيرة من خلال الوثائقي “كينيا.. فرق الموت” من التواصل مع أمنيين يعملون في فريق اغتيالات تشرف عليه الحكومة.

منذ سنوات تنتشر المزاعم في كينيا بوجود برنامج سري لمكافحة الإرهاب تديره الحكومة، ويستهدف المشتبه بهم من المتطرفين.

وقد تمكنت وحدة تحقيقات الجزيرة عبر الفيلم الوثائقي "كينيا.. فرق الموت" من التواصل مع رجال شرطة يعملون ضمن فرق اغتيالات تشغلها وتشرف عليها الحكومة.

ولخشيتهم من أن يكون حديثهم تهديدا لحياتهم فقد وافقت الجزيرة على إخفاء هوياتهم.

وتحققت الجزيرة من دور كل فرد منهم ضمن جهاز الأمن الكيني، وهم ينتمون لوحدات مختلفة، لكنهم يعملون معا في تنفيذ عمليات الاغتيال.

الشرطي والمغوار والجاسوس والمسلح
هؤلاء هم "الشرطي" عضو في وحدة مكافحة الإرهاب، و"المغوار" من وحدة "كوماندس" اسمها سرية "آر إي سي سي إي" من وحدة الخدمات العامة التابعة للشرطة، وهي مجموعة شبه عسكرية تتلقى تدريبات خاصة بها، والهدف هو أن تقتل قبل أن تُقتل، و"الجاسوس" من الأمن الوطني وجهاز المخابرات الذي يمرر المعلومات المناسبة إلى المصدر المناسب بغية إجراء الإجراء اللازم، بالإضافة إلى "المسلح" من وحدة الإشعاع، وهي عبارة عن فريق استجابة سريعة داخل الشرطة الكينية.

يقول "الجاسوس" "نتحرك بشكل تكتيكي لنفهم ما الذي يجري على الأرض، ونجمع المعلومات ثم نقدمها للمصدر المناسب لاتخاذ إجراء بشأنها".

أما "المسلح"، فذكر أنه "عندما نتلقى المعلومات بأن فلانا ينظم مجموعة معينة يحتمل أن تمارس الإرهاب ضد الناس، فأول من نتخلص منه هو زعيمها، وقد نستخدم شخصا ما لإحضار الشخص المستهدف لمكان محدد فنصفيه ثم نذهب".

كان "ماكابوري" -لقب أبو بكر شريف أحمد- رجل دين صاحب كاريزما من مدينة مونباسا، وقد أخبر الجزيرة أن المسلمين في كينيا يواجهون تعسفا حكوميا واسع النطاق.

جلب ماكابوري إلى المحكمة في مناسبات عديدة، حيث وجهت إليه التهم بموجب قانون الإرهاب الكيني إلا أنه لم يدن على الإطلاق.

(الجزيرة)
(الجزيرة)

تصفية ماكابوري
في مساء الأول من أبريل/نيسان 2014 كان ماكابوري متوجها إلى المنزل بعدما زار المحكمة مرة أخرى، أطلقت النار عليه وهو يغادر قاعة المحكمة، وأصبح ثالث رجل دين مسلم بارز يُقتل في كينيا خلال العامين الماضيين.

جميعهم أطلقت عليهم النيران وقتلوا أمام شهود، وجميعهم ظلت قضاياهم معلقة.

ماكابوري كان يعتقد خلال مقابلة مع الجزيرة قبل شهور بأنه يعرف مصيره، ومن الذي سيضغط على الزناد، وقال إن فريق "آر إي سي سي إي" هو الذي يقوم بأعمال القتل في كل أرجاء كينيا، وقد مُنح الحصانة ضد المساءلة والمحاسبة.

وسلطت مجموعات حقوق الإنسان الضوء على 18 حالة أخرى قامت فيها الشرطة بتصفية من تشتبه في أنهم إسلاميون متطرفون على مدى العامين الماضيين.

يؤكد "المغوار" أن الحكومة هي التي قتلت ماكابوري، قائلا "هذا الشخص يأتي بالمشاكل إلى هنا، فلنصفه حتى ننعم بالسلام".

في عام 2006، قامت إثيوبيا بمساعدة من الولايات المتحدة بغزو الصومال والإطاحة بحكومتها الإسلامية، وبعد خمسة أعوام باتت كينيا بشكل مباشر في الصراع إثر إرسالها آلاف الجنود إلى هناك.

اجتاحت كينيا الصومالَ للقضاء على حركة الشباب الإسلامية متعاظمة القوة، ومنذ غزو الصومال وقعت عدة هجمات للشباب داخل كينيا.

مسجد موسى
يشكل المسلمون اليوم على الأقل 10% من سكان كينيا، وتزعم الحكومة أن الخطب في مسجد موسى في مونباسا تحرض على العنف ضد الدولة الكينية، وفي فبراير/شباط 2014 تعرض المسجد للمداهمة من قبل الشرطة، وأسفر ذلك عن مقتل ثمانية أشخاص، واعتقال ما يزيد على 120 من المصلين، ولا يُعرف مصيرهم، وقد يكونون في عداد الموتى.

صبيحة ذات يوم من أغسطس/آب 2012، وبعد سبعة شهور على  خروجه من المحكمة حرا طليقا، كان رجل الدين المسلم عبود روغو يأخذ زوجته إلى المستشفى بسيارته عندما تعرض لطلق ناري كان يستهدفه تحديدا، واضعا حدا لحياته.

بحسب أفراد الشرطة الذين تحدثت معهم الجزيرة، تصدر الأوامر باغتيال رجال الدين المسلمين من كيان متنفذ في قلب الحكومة الكينية، المتمثل في مجلس الأمن القومي، الذي يتكون من الرئيس ونائب الرئيس وقائد القوات المسلحة والمفتش العام للشرطة ووزير الدولة للشؤون الداخلية، بالإضافة إلى أمين عام الداخلية.

لكن مسعود موسى الناطق باسم جهاز الشرطة الوطني ذكر للجزيرة أنه -حسب علمه- لا يظن أنه يوجد أي برنامج في جهاز الشرطة الوطني يستخدم أسلوب التصفية.

وفي مقابل هذا الإنكار، يعتقد "المسلح" أن عدد التصفيات التي نفذتها وحدته (الاستجابة السريعة) خلال الأعوام الماضية بلغت ثمانية، بينما يؤكد "المغوار" من سرية الاستطلاع أنه منذ تاريخ توظيفه قتل ما يزيد على خمسين شخصا، ويفتخر بذلك قائلا "إنني صفيت بعض المشاكل".

ويرى حسين خالد -من المجموعة الأفريقية لحقوق الإنسان- أن عمليات القتل التي تجري خارج سلطة القانون هي تتم بمعدلات مذهلة حتى بات الناس يعتبرونها كأي فعل آخر.

لكن هذا الإحساس بالحصانة ضد المساءلة والعقوبة يعني أن عمليات القتل خارج سلطة القانون لا تقتصر على من يشتبه بأنهم إسلاميون متطرفون.

وقد أعد المقرر الخاص السابق في الأمم المتحدة فيليب آلستون تقريرا عن عمليات القتل خارج سلطة القانون في كينيا، وتتبع تقريره مئات الحالات من القتل خارج سلطة القانون بعد انتخابات 2007 وخلص التقرير إلى إدانة الشرطة الكينية.

ولم يفلح تحقيق الأمم المتحدة في تغيير الثقافة السائدة داخل الشرطة الكينية، هذه الشرطة هي نفسها التي تلعب دورا الآن في الحرب مع الشباب.

ويندر أن يُجرى تحقيق في عمليات القتل التي تقوم بها الشرطة في كينيا من جهة مستقلة.

الغرب وإسرائيل
لقد زودت الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كينيا بما تقدر قيمته بمئات الملايين من الدولارات منذ عام 2009 تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

ولإسرائيل أيضا روابط استخباراتية قوية مع كينيا، وسُربت للجزيرة وثائق سرية لجهاز الشرطة، ويبدو أنها تزود المخابرات الإسرائيلية بمعلومات حول الأخطار التي تهدد مصالح إسرائيل في كينيا.

معلومات كهذه من شأنها أن تسمح لإسرائيل بممارسة نفوذ مطرد على إستراتيجية كينيا لمكافحة الإرهاب.

إلا أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قالت "إن التصفيات ليست في أي حال من الأحوال جزءا من أي تدريب يقدمه الخبراء الإسرائيليون للكينيين"، بينما قالت وزارة الخارجية البريطانية إنها على علم بالمزاعم المتعلقة بعمليات القتل خارج سلطة القانون التي تجري في كينيا، وإنها تأخذ تلك المزاعم على محمل الجد، وتعبر للسلطات الكينية عن قلقها تجاهها.

ورغم استمرار سقوط الضحايا لا توجد مؤشرات تدل على أي تغير في هذه الإستراتيجية سواء من قبل الحكومة الكينية أو من الدول الغربية التي تدعمها.