موعد في المهجر-صورة عامة
موعد في المهجر

مدثر عبد الرحيم

تستضيف الحلقة رئيس قسم الإسلام والحداثة في المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة بماليزيا مدثر عبد الرحيم ليتحدث عن نشأته ورحلته من قريته في دامر المجذوب بشمال السودان وصولا إلى ماليزيا.

– من القرية الصغيرة إلى القرية الكبيرة
– باحث متبحر ودبلوماسي بارع

من القرية الصغيرة إلى القرية الكبيرة

مدثر عبد الرحيم
مدثر عبد الرحيم

المعلق: ستظنونه كهلا في أربعينياته ولن يخطر ببالكم قط أن الدكتور مدثر عبد الرحيم رئيس قسم الإسلام والحداثة في المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة بماليزيا لن يخطر ببالكم أنه في منتصف السبعينيات من عمره الثري الحافل الذي بدأ في الدامر حاضرة شمال السودان ومدينة ولي الله المجذوب وتنقل به في أنحاء الأرض طالب علم طوال الوقت ثم محاضرا جامعيا حتى قبل أن ينال درجة الدكتوراة من جامعة مانشستر الإنجليزية وخبيرا في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، وهو معدود الآن من بين أبرز فلاسفة السياسة الإسلامية في العالم.


مدثر عبد الرحيم: الدرس، البحث، النظر في الأمور المتعلقة بـ أو المتصلة بالعلاقات الإنسانية حياة المجتمعات البشرية الحضارات الإنسانية لا سيما الجوانب المتعلقة أو الخاصة بالعلاقات السياسية والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية عامة ثقافية فكرية كانت دائما منذ نشأتي الأولى الشغل الشاغل بالنسبة لي. يبدو أن ربنا وفق وفي سنة 1955 والسودان على مشارف الاستقلال بدأت فكرة انتقاء بعض الطلاب المتميزين في تقدير الأساتذة وإعطائهم بعثات الدراسات العليا في جامعات مختلفة وكان لي نصيب من هذا ولذلك توجهت إلى إنجلترا بعد أن درست أصلا في جامعة الخرطوم وبداية جامعة الخرطوم كانت كلية الخرطوم الجامعية فرع من جامعة لندن. في مرحلة معينة أعلن عن وظيفة أستاذ محاضر في جامعة مانشستر في العلوم السياسية اهتماما مع الاهتمام خاصة بسياسات الشرق الأوسط وأفريقيا وقدمت لهذه الوظيفة وأُجيزت يعني طلبي وأصبحت أستاذا هنالك لخمس سنوات وكانت تجربة غنية جدا ومفيدة لي في بداية اشتغالي بالتدريس وبالبحث. اسمي مدثر عبد الرحيم الطيب من السودان مولدي كان في مدينة اسمها الدامر تقع حوالي ثلاثمائة كيلو متر شمال الخرطوم، ومن ذكريات الطفولة التي لا أنساها أبدا أن الريف كان دائما قريب لنا منزل جدي وكانت دارا كبيرة جدا رحبة فيها عدد من المنازل فيها أشجار كثيرة باسقة، لما نصحو الصبح قبل أن نفتح عيوننا نسمع أصوات العصافير والطيور المختلفة ونشم رائحة الأزهار والنوار. هنالك شاعر مشهور جدا أحب الدامر ووصفها بأنها

أيا دامر المجذوب ألا أنت

قرية بداوتها تبدو ولا أنت بندر

هكذا قال. فيما يتصل بالعوامل التي بلورت شخصية المرء وقادته آخر الأمر لأن يختار البحث العلمي والتدريس الجامعي وما إلى ذلك يبدو لي أن هنالك ثلاثة أبعاد رئيسية ممكن تُذكر، الأول يتصل بالبيئة الاجتماعية والثقافية الأولى التي نشأت فيها وولدت وترعرت وظللت أعود إليها مرة بعد مرة إلى الآن الدامر موطني الأول وموطن آبائي من قبل، هذه البيئة يعني تميزت بأشياء مختلفة من أبرزها وأهمها كونها مركزا للدراسات العربية والإسلامية منذ قرون، البعد الثاني يتصل بالأسرة نفسها ولا سيما حياة وشخصية الوالد عليه رحمة الله أولا هو كان كما ذكرت تعلم أو أخذ بقسط أو أقساط من التعليم الحديث، لغته الإنجليزية كانت جيدة والعربية كذلك وعنده مكتبة في المنزل ما أذكر أن كان في القرية كان في عدد من الأسر الكثير فيها مكتبات، الشيء الآخر المتصل بالوالد وأحببت أن أذكره الآن مكمل لهذا هو أن لأنه كان موظفا كان مرة ينقل أو ينتقل من الدامر إلى العاصمة الخرطوم وأحيانا لمناطق أخرى منها جنوب السودان جوبا وطبعا الالتقاء بأنماط مختلفة من البشر في الدامر أو في العاصمة الخرطوم أو في جنوب السودان كان بداية تبعتها وانبثقت عنها بصورة تلقائية وبدرجات متتابعة زيارات استكشافية في الخيال وفي العقل ثم بالتجربة الذاتية في أنحاء مختلفة من العالم في الغرب أميركا وأوروبا واسكندنافيا وإنجلترا طبعا وإيطاليا و.. وفي الشرق بما في ذلك في المراحل الأخيرة من العمر العشرين سنة الأخيرة، الهند، الصين، اليابان، تايلاند، أندونيسيا وما إلى ذلك، فأصبح في نوع من التكامل في الأبعاد الإنسانية المختلفة هذه وهذه غذت بدون شك اهتمامي بالدراسات الاجتماعية عامة والتخصص الذي اخترته بصورة خاصة العلوم السياسية والعلاقات بين الحضارات والثقافات الإنسانية والمجتمعات الإنسانية بصورة عامة. من أجل أن أدرّس في جامعة الخرطوم استقلت بعد خمس سنوات من مانشستر ولكن الأوضاع السياسية بعد أن استقررت يعني تم لي الاستقرار في جامعة الخرطوم وإنشاء أول قسم فيها للعلوم السياسية. حدثت انقلابات عسكرية انقلاب جعفر النميري، نتج من النواحي الإيجابية عن هذه الأوضاع غير المستقرة في السودان أن كانت لي سلسة من تجارب بالتدريس في جامعات عديدة خارج السودان خلاف مانشستر، منها في الثمانينات تمبل في فيلادلفيا في الولايات المتحدة ومنها لفترة معينة جامعة أوبسالا في السويد الجامعة العريقة في أوبسالا مثل أكسفورد في إنجلترا وهارفرد في أميركا ومنها أيضا ماكروري الجامعة العريقة في شرق أفريقيا في أوغندا بالذات وفي زامبيا ومنها أيضا وليست وهذه ما كانت تدريس ولكن عمل قريب من التدريس لأنه متصل بالبحث في هذه الأمور التي كانت تهمني يوما وما زالت. منظمة اليونسكو والوظيفة اللي عينوني فيها كانت تحمل لقبا كنت أحسب أنه وما زلت أحسب أنه كان فيه شيء كثير من النفخة، خبير أول في الدراسات الاجتماعية والإدارية، بعد قليل جاءت اتصالات خلاصتها أنه يراد مني أن أكون الممثل السوداني الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك ويكون في هذا نوع من الاستغفار عما حدث وإعادة الاختبار وكذا، وافقت ولكن أيضا حصلت بعض الأمور انتهت بأني أصبحت سفيرا للسودان في الدول الاسكندنافية مش في نيويورك، مقيم في السويد ولكني معتمد في الدنمارك وفي النرويج وفي فنلندة، وكانت هذه فترة أيضا ممتعة جدا من حيث الممارسة الدبلوماسية في بلاد أحسب أنها من أرقى بلاد العالم في نواحي كثيرة ومن أجملها حقيقة.

[فاصل إعلاني]

باحث متبحر ودبلوماسي بارع


المعلق: رزئ السودان منذ استقلاله عام 1956 بعشرة انقلابات عسكرية كان أكثرها تأثيرا انقلاب العميد جعفر النميري عام 1969 الذي بدأ مسيرة حكمه متحالفا مع الشيوعيين وقام بضرب استقلال المؤسستين اللتين طالما باهى السودان باستقلالهما، القضاء والجامعة، مما أدى إلى هروب العشرات من ألمع العقول السودانية في هذين المجالين إلى خارج السودان، وكان الدكتور مدثر من بين الفارين باستقلالهم الفكري من تخبط النظام.


مدثر عبد الرحيم: أنا لما رجعت في مرحلة أخرى للسودان طلب إلي وأنا في جامعة الخرطوم أصلا أن أكون مديرا أو رئيسا لجامعة أم درمان الإسلامية، ففي جامعة أم درمان الإسلامية أو جامعة أم درمان الإسلامية كانت في الأصل على النمط الأزهري فيها اهتمام بالدراسات الإسلامية التقليدية، الفقه وكذا إلى آخره إلى آخره، وأنا قلت هذا لا بأس به أبدا ونحاول جهدنا أن نرفع المستوى ما استطعنا بالتعاون مع الأخوة القائمين فيها من قبلي وبالتعاون مع مراكز مثل الأزهر وغير الأزهر لكن مع هذا وبالإضافة إلى هذا اقترحت إنشاء كليات للعلوم الحديثة كالطب والهندسة، العلوم الاجتماعية والاقتصادية إلى الاتصال والإعلام وكان هناك جذور وأسس في هذه من قبل والعلوم الطبيعة بصورة عامة. بعد نقاش طويل قال هؤلاء المشايخ، الحمد لله يعني على كل حال اتفقنا، جائز إذاً إنشاء هذه الكليات في الجامعة الإسلامية ولكنه جواز على الكراهية. لما دعيت إلى ماليزيا لأول مرة دعيت من أجل المشاركة في مؤتمر عن حقوق الإنسان كان هذا في 1984، في أثناء ذلك العام امتدت حبال الصلة والاتصال بيني وبين عدد من الأساتذة الماليزيين والعاملين في ماليزيا من غير أهلها بما في ذلك دعوة وجهها إلي أستاذ سوداني في الواقع، البروفسور مالك بدري، لحضور محاضرة كان يقدمها كل سبت اسمها محاضرة السبت، مساء السبت، البروفسور محمد نجيب العطاس الذي أسس هذا المعهد العالمي للفكر والحضارة الإسلامية بصورة اكتملت فيها الأبعاد التي سبق أن أشرت إليها فيما محاولتي في جامعة أم درمان الإسلامية دراسة الحضارة الإسلامية من جذورها في الأعماق في إطار الحضارة العالمية القائمة الآن ومع تمام العناية والاهتمام والانفتاح على الحضارات الإنسانية الأخرى ولما نظرت في تفاصيل المنهج القائم عليه العمل والبحث في هذا المعهد الواقع أعجبتني كثيرا، هذه مسألة ما كانت في الحسبان إطلاقا بالنسبة لي وكنت أحسب أنها ستكون لي سنتين أو ثلاث لكن الآن 14 عاما وكأنما أصبحت ماليزيا بالنسبة لي هي الوطن الثاني. وأنا بدأت هنا على وجه التحديد يوم 10 أكتوبر سنة 1995، اهتماماتي الأساسية وكلها بحثية متصلة بأبحاث أقوم بها أنا شخصيا ويقوم بها من الطلاب من يدرسون معي في هذه المجالات، المجالات التي اهتموا بها في التدريس والبحث أولا العلاقات الدولية وثانيا حقوق الإنسان وثالثا نظم الحكم مقارنة إسلامية وغير إسلامية وكل هذا في إطار الدراسات الحضارية الإسلامية وغير الإسلامية وأنا مشغول بهذا الموضوع منذ زمن طويل، فهذه هي أربع محاور أساسية أشير إليها باختصار. زوجتي الأولى، هو أنا تزوجت مرتين، كانت زميلة في جامعة نوتنغهام، وخلافا لما كنت أظن في أي يوم من الأيام وجدت نفسي ووجدت هي نفسها بنتحدث عن أنه يعني هذه الصلة هذه المودة هذه الصداقة يجب أن تبقى فقررنا مويرا وأنا أن نتزوج، تم عقد القران في المسجد وفي الكنيسة أيضا في يوليو 1958، بعد عام ونصف تقريبا رزقت ابنتي الكبيرة سامية ثم بعد ذلك أربعة أبناء ذكور بعضهم ولدوا في السودان وبعضهم ولدوا فيما بعد في إنجلترا لما كنت محاضرا في مانشستر، ولكن للأسف الشديد يعني تعثرت وتعثرت الحياة اضطررنا لأن نفترق بالطلاق ولكن العلاقة بيني وبين أبنائي من مويرا ومعها هي أيضا الحمد لله علاقة طيبة. بعد حين تزوجت أم فاتح من السودان من أسرة مشهورة ومعروفة وهي سيدة فاضلة ورزقت أيضا منها أربعة أطفال. أبنائي من مويرا سامية، رشيد، خالد، عمر وهذا رزئناه بالأسف، وحسن فأصبح في ثلاثة صبيان وبنت، من زينت الأستاذة زينب بدري رزقت أربعة أطفال هم عمر وسارة ومحمد الفاتح وسلمى، ابنان وبنتان.


المعلق: لعل أهم إنتاج فكري يعكف الدكتور مدثر الآن على بلورته هو مشروع كتاب عن الحكم الرشيد في التجربة الإسلامية مع المقارنة بتجارب الحكم الرشيد المؤدي إلى النهضة الحضارية الشاملة في الغرب والشرق وهو كتاب ينبغي أن لا يترقبه الأكاديميون وحدهم لأننا جميعا نحن العرب والمسلمين نحتاجه احتياجا ماسا.


مدثر عبد الرحيم: معظم الدراسات التي نشرتها كتب أو مقالات علمية في مجالات متخصصة في دائرة تخصصي، العلاقات الدولية والدراسات المتعلقة بنظم الحكم المقارنة وبحقوق الإنسان وبالقضايا الإقليمية والعالمية في إطار العلاقات الدولية القائمة حاليا والسابقة تاريخيا، فمن أول الكتب التي نشرت باللغة الإنجليزية كتاب عن التطورات الدستورية والسياسية في السودان، نشر هذا سنة 1969 في دار كلاريندون أوكسفورد وترجم إلى العربية من قبل دار النهار البيروتية وأعيد نشره مرات ومرات ومرات باللغتين، وآخر كتاب قدر لي أن أكتبه كان حول حقوق الإنسان في مبادئ الإسلام وتراث المسلمين، بين الاثنين سنة 1969 و2005 تيسر لي أن أنشر عددا من الكتب إما مستقلا بنفسي أو بالتعاون مع آخرين، الآن أعمل وأعد لنشر كتاب أحسب أنه سيكون على قدر من الأهمية في الواقع بدأت العمل فيه منذ سنوات هو عبارة عن عودة لموضوع الأقليات، الأقليات في بلاد الشرق الأوسط مثلا الكبير كما يقال بالمقارنة مع أوضاع الأقليات في المجتمعات الغربية.


إبراهيم محمد زين/ رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة: أنا جئت أولا إلى ماليزيا وسعدت كثيرا حينما عرفت أنه له الرغبة في المجيء إلى ماليزيا، يعني بعد حوالي سنتين أظن، كان قد جاء إلى ماليزيا وقرر يعني البقاء هنا وأنا يعني الآن سعيد جدا أن نعمل سوية في نفس المعهد وكثيرا ما نستأنس يعني برأيه وخبرته وعلمه في كثير من الأشياء الأكاديمية وغير الأكاديمية كذلك. أنا كنت دائما أقول يعني البروفسور مدثر من القلائل في العالم العربي اللي أثاروا قضية حقوق الإنسان وكتبوا عنها منذ الستينات، والبروفسور مدثر رغما عن أنه مقل في الكتابة إلى أنه حينما يكتب يعني يكتب بصورة بارعة ويتقن صنعة الكتابة، يعني الكتب القليلة التي أصدرها هي من أروع ما كتب في مجالها فهو يعني مدرسة كاملة في شأن دراسة دولة ما بعد الاستعمار، هو مدرسة كاملة في شأن الحديث عن حقوق الإنسان من منطلق إسلامي وهو مدرسة كذلك في شأن الحديث عن صلة الإسلام أو مبادئ الإسلام بمسائل القانون الدولي وبمسائل السياسة الدولية. على المستوى الشخصي هو يعني دبلوماسي بارع.


مدثر عبد الرحيم: الحمد لله أنا يعني غرم شديد جدا بل افتتان شديد جدا بالرياضة البدنية وأعتقد أن الحياة العقلية والثقافية والفكرية التي هي مربط الفرس بالنسبة لي المدار الأول والأخير لاهتماماتي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحياة والرياضة البدنية. فكرة التقاعد هذه بالنسبة لي غير واردة لأسباب كثيرة أهمها أن مسألة البحث والتفكر والنظر في المواضيع المهمة فكرا ونظما إلى آخره بالنسبة لي مش يعني عمل ومصدر رزق ومهنة فقط، هي كذلك ولكنها أيضا هواية وغرام محب، فأنا أقرأ وأبحث وأكتب ليل نهار إلا في ساعات النوم الضروري والرياضة والاجتماعات والأعمال اللازمة فبالنسبة لي هذا يعني شيء لا ينتهي حتى ينتهي العمر.


المعلق: هؤلاء الذين يعرفون الدكتور مدثر جيدا يلمحون بين ثنايا شخصيته الأكاديمية الوقورة مجذوبا صوفيا خبيئا ولكنه قوي الحضور، إنه انجذاب خلا من عتمة الخرافات وتحرر من ترف الانصراف عن شؤون الدنيا، انجذاب مدثر هو انجذاب العالم المتبحر الذي يعرف أن الحياة قصيرة قصرا مؤلما بالنسبة لطالب العلم، وهو كذلك انجذاب رجل قلبه مشغول بهموم أمته ويقدح زناد فكره ليل نهار لطرح الحلول لمشاكلها السياسية المزمنة، أنعم به من مجذوب إذاً.