موعد في المهجر ( مروان قصاب باشي ) - صورة عامة
موعد في المهجر

مروان قصاب باشي

يستضيف البرنامج الرسام التشكيلي السوري المقيم في برلين مروان قصاب باشي الذي توج إبداعه التشكيلي باعتراف عالمي واسع وبالعديد من الجوائز الرفيعة.

– مسحورا بالألوان، أبحر إلى برلين
– رحلة الأصالة في فضاءات الإبداع

مسحورا بالألوان، أبحر إلى برلين

 مروان قصاب باشي
 مروان قصاب باشي

مروان قصاب باشي: طبعا هذه الصورة بالنسبة لي كانت محركا للوحات أقدمت استمريت فيها سنة أو أكثر من سنة جدا جميلة، كيف التاريخ يعيد نفسه، بمرسمي القديم كانت كلها معلقة على الحيط بفييتنام الاضطهاد، بفلسطين.


المعلق: هذه برلين أم دمشق؟ بأي سحر يحتفظ مروان قصاب باشي بروحه طفلة كاملة الطفولة هكذا قادرة كل لحظة على إعادة اكتشاف العالم بضربات الفرشاة الخشنة ومراكمة الألوان الكثيفة طبقات فوق طبقات. هذا عجوز يخطو نحو الخامسة والسبعين أم مراهق انسكبت الألوان الزيتية في عينيه بغتة فصعِق؟ وكيف تسلمه الوجوه جغرافيتها السرية على قماش لوحاته؟ ولماذا لا يستطيع أحد غيره فضح حقيقتها الكامنة؟ يضجر أستاذ الرسم بالمعهد العالي للفنون الجميلة في برلين من تصنيفات النقاد الأكاديميين لأعماله التي يصفها بعضهم بالتعبيرية الوحشية، ولا يلقي بالا لتصنيفه مع الإسباني فرانشيسكو غويا والنرويجي إدوارد مانش. السوري المقيم في برلين منذ نصف قرن يرى الفرادة شرط الفن الأصيل ويرى نفسه فريدا بما يكاد لا يقبل التصنيف وهو يمتلك الإجابات؟ نعم هذه دمشقه في قلب برلينه، وهو ينفض غبار السنين كل يوم عن روحه فلا يبقى منه إلا الطفل ويظل يصارع وجوهه بعزم من حديد لتمنحه شفراتها المخبوءة. ونعم هو ما يزال مصعوقا وكأنه يرى الألوان للمرة الأولى.


عندما أردت الدراسة في الغرب كان اختياري لباريس  لأنها كانت في ذلك الوقت كعبة للفنون

مروان قصاب باشي: بأتصور سنة بدها تكون 1946 ربما أو 1945 زرت بيت صديق لي كان أبوه رساما نساخا يعني هو كان كاتبا في متجر ولكن هوايته كانت الرسم، دخلت البيت لغرفة دمشقية يدخلها نور خافت من الشارع ومنتصب فيه حامل يعني هذا اللي يقولوا عنه السيبة وعليه لوحة صغيرة نسخة لبحر الشمال من مونيه وكانت الـ Palette حاملة الألوان أو كما يقول مائدة الألوان عليها هضاب اللون الأصفر الأحمر الأخضر مع رائحة البخور من التربنتين Turpentine فشعرت بسحر عظيم في تلك الغرفة بذلك النور الساحر إلى الألوان إلى تلك اللوحة مع الصخرة والبحر شعرت بشعور آيروسي عجيب وقلت لنفسي أتمنى أن أموت تلك اللحظة لأني سوف لا أمر بتلك السعادة مرة أخرى، فقلت يا عمو منين بيشتروا هذه الألوان؟ فقال لي يا ابني هذه بيشتروها من مكتبة الكزبري على طرف نهر بردى. أخذت الخرجية وركضت اشتريت، قال لي الرجل بتحتاج للأزرق والأصفر والأحمر والأبيض ومن هالألوان الثلاثة بتخلق الألوان الأصفر مع الأزرق يأتي الأخضر والبنفسجي إلى آخره، أخذت الخرجية واشتريت فرشايتين للألوان ومن ذلك التاريخ لم أقف حتى اليوم عن الرسم. يعني كان القرار عندي واضحا بدي أدرس في الغرب وكان اختياري مدينة باريس أو باريس بالضبط لأنها كانت في ذلك الوقت هي كعبة الفنون يعني من أميركا من اسكندنافيا من كل البلاد اللي عندهم رغبة الرؤية الفنية وأن يعيش الفن أو الإبداع كانت باريس، طبعا هالشيء كان أيضا بالنسبة لي هو الفكرة الأساسية باريس، لكن مثل ما منعرف سنة الـ 1956 صارت حرب القنال الدول العربية قطعوا علاقاتهم الدبلوماسية مع فرنسا وإنجلترا أصبح انقطع علي الطريق أذهب لفرنسا. انتظرت مدة من الزمن لـ 1957 فقال لي صديق بيدرس في برلين Architect هندسة تعال يا مروان لبرلين ربما من برلين تحسن تروح على طريق ملتوي إلى باريس. في 23 آب سنة 1957 جئت على باخرة مايكل أنجلو لبيروت على الشواطئ اللبنانية وبجيبتي خيطت لي أختي رقية مائتي دولار وبعض اللوحات اللي احتفظت فيها منشان برلين اللوحات الدمشقية والباقي ما بقي أهديتهم لأصدقائي ذكرى الصداقة الخالدة. وصلت برلين 10 أيلول وكانت أول جهودي أن صديقي سأل عن أكاديمية الفنون في برلين وكان هناك أستاذ طليعي مشهور جدا وله اطلاع هائل على الحضارات العربية ويتكلم سبع لغات اسمه هانيتريا يتكلم من الفارسية إلى الإنجليزية الإسبانية إلى آخره وكان يملك نصيبا رائعا من الثقافة، رأى أعمالي وقال يا مروان تستطيع أن تدخل إلى صفي مباشرة فأخذني بدون.. لازم يكون فصلين تدريب، بدون تدريب رأسا بصفه وبدأت رحلتي إلى ألمانيا. إذا بننظر الفرق الآن بين باريس وبرلين بالمستقبل فيما يتعلق بمصيري الفني بأقول إن هذا القدر كان طيبا معي لأن دمشق باريس في بعض التشابه لأنه حوض البحر الأبيض المتوسط، أما لما بتيجي من دمشق إلى برلين بدأت أوروبا الشمالية يعني صارت برلين ودمشق قطبين متناظرين فأنا أحمل الشرق والآن في شمال أوروبا. بدأت الدراسة في الجامعة وكانت بالنسبة لي موقفا مليئا بالفرح بس أيضا السؤال من أنا؟ لأن الفرق كبير عندما آتي من دمشق إلى برلين أو عندما تذهب من باريس إلى برلين لأن باريس وبرلين يحملان نفس الحضارة المتشابهة إلى آخره خاصة بالتاريخ الفني، بس كان السؤال المحرج دائما والمطروح أنا عربي فما هو مصيري كفنان عربي ماذا أرسم؟ ذلك السؤال الذي كنا نحمله. مضت سنوات الدراسة الأولى والثانية والثالثة فكانت تجاربي مطروحة عن هذا السؤال وتجارب موجودة مخلوطة مع المادة، بتلك الفترة بالستينات كانت الغالب اللي اسمها Informal يعني أو ما نسميها بالعربية ربما البقعية يعني الانتشار الجسدي مع الحماس على بقع القماش بسرعة إلى آخر الأشياء اللي بأشوفها وكانت المدرسة الدارجة يعني أجت من أميركا موجودة بباريس ودخلت إلى ألمانيا وكان الطالب اللي يحمل الفراشي الكبيرة يقف عبقري أمام اللوحات أن هذا إنسان هائل كأنه عبقري العالم.


المعلق: ومروان يشعر حقا بأنه عبقري العالم ما إن يكون في مرسمه مشهرا فرشاته ممارسا الخلق الفني، وهو رغم ما يرتسم على وجهه الوسيم من براءة لا يكف لحظة من لحظات صحوه عن الصراع العنيد مع شيء ما، ذكرى وجه رائحة بخور وصمغ لوحة لا تريد أن تسفر عن شكلها. هو لا يكف عن الضغط على ما يعترضه حتى يذللـه تماما وبعض لوحاته استغرق منه سنوات من العمل والتأمل والتجارب اللونية التي تكاد لا تنتهي، حتى الاكتمال الذي يتحقق في داخل نفسه أولا صاعدا من أعماقه ليستقر في اللوحة وهو ذات العناد الذي جعله وهو ابن تاجر دمشقي ميسور يعمل في أول رحلة مهجره إلى أوروبا في دباغة الجلود ليكسب ما يمكنه من متابعة الدراسة والإبداع.

[فاصل إعلاني]

رحلة الأصالة في فضاءات الإبداع


مروان قصاب باشي: لي صديق لعب دورا هاما في تلك المسألة رسام أكثر من أخ اسمه نذير نبعة، قلت له يا نذير رح أجيب كارين ويزن ورح نبقى في دمشق، تطلع علي بعيون ألماسية مثل الجواهر عم تلمع وعم تدمع عانقني حتى آلمني وقال لي يا مروان نحن منحبك كثير كثير أكثر مما تصور ولأننا منحبك كثير كثير لازم ترجع لبرلين، فهمت أنا رسالته هي شبيهة بتضحية سيدنا إبراهيم بابنه يعني عم بيضحي بالصديق بالبعد لحتى أنعرف، وأدركت أنا الرسالة أنه أنا إذا صرت رساما كبيرا بألمانيا بالغرب مشهور أفيد وطني أكثر بكثير مما أكون أنا رسام في سوريا. وهذا اللي حدث رجعت لألمانيا لبرلين بنفسية مختلفة يعني عقدة الذنب اللي عندي أني أنا تركت أمي تركت وطني تركت أصدقائي تخليت عنها لأني صار عندي قناعة إذا قدمت شيئا أنا في أوروبا فيما يتعلق بالحضارة الفنية بوجود فنان عربي أصيل حسن.. طبعا هذاك الوقت ما كان عندي أي تصور أنه أنا.. تصوري كان جدا متواضع، أفيد وطني كاسم عربي كاسم.. أكثر من هذا، فرجعت بقناعات جديدة تغيرت نفسيتي وكان بهذيك الفترة فترة ما يسمى التشخيص [كلمة أجنبية]. استمرت حتى يعني 1973، بهذه الفترة عندي كم وفير من الدراسات التخطيطات إن كان يعني Drawings أو Design، البحث في قنوات الرسم في القنوات المجهولة يعني أنت في عندك الفكرة في عندك الخيال وفي عندك التحقيق بالمادة وهناك دائما فرق بين الخيال وبين المادة، هناك كم وفير تقريبا ملكي بيعادلوا ثمانمائة رسمة تخطيط تقريبا أو أكثر أو أقل ما معروفين ففي بالنسبة لمتاحف ألمانية اكتشفتهم وقرروا يساووا معرضا خاصا بهم بدأ سنة 2005 وانتهى بالمتحف الأخير متحف برلين للفن الحديث 2006 لـ 2007 اسمه مع كاتالوج كبير خدوج، لأن في لوحة من لوحاتي سميتها خدوج، خدوج أول الأعمال اللامعروفة من مروان وهذه يعني بعد ما كانت أشياء خاصة بالنسبة فيها الـ [كلمة أجنبية] الخاصية فيها للبحث صارت الآن ملك الآخرين لأنه أثبت الزمن بعد أربعين سنة أو خمسين سنة أهمية هالقسوة بهذه الأعمال وصار لها يعني مثل ما تقول جدار ثابت في إبداعي الفني.


متاحف أوروبا تتهافت على اقتناء لوحات القصاب 

المعلق: رحلته الممتدة مع الإبداع التشكيلي تُوجت باعتراف عالمي واسع وبالعديد من الجوائز الرفيعة كما أن متاحف أوروبا تتهافت على اقتناء لوحاته، وقد كرمه الرئيس الألماني عام 2005 بمناسبة إتمامه سبعين عاما من العمر مانحا إياه وسام الاستحقاق من الفئة الأولى وسماه روح ألمانيا. ولكن السوري مروان قصاب يضع كل ذلك في كفة وجملة كتبها عنه صديق عمره الروائي عبد الرحمن منيف في الكفة الأخرى، كتب منيف "ينتمي مروان لنوع نادر من الفنانين الذين يؤمنون بأن الفن ليس مجرد جمال سابح في الفراغ بل هو فعل أخلاقي يربط المتعة والفرح بالحقيقة". ومروان لم يضيع قطرة واحدة من موهبته على زخرفة العدم بل كافح نصف قرن ليرى جوهر الناس والحياة وليرينا إياه.


مروان قصاب باشي: بهذه الفترة في تشخيصات رؤوسها بعضهم كبيرة حاملها جسد في تساؤل في المجازات في الغيبية، بفترة راحة بمرسمي الأول اللي هو كان قاعة كبيرة عندي ببيتي بالأولاند شراسيه، بفترة بعد الظهر عم أستريح مستلقي حضر لي أن رأسي وجهي هو منظر هو مجاز أرضي هو أمي ولكي لا أضيع الفكرة نهضت وعملت التخطيطات السريعة بسرعة وجه أفقي مليء باللوحة العرضية بعدت العيون عن بعضها وصارت سمات الوجه الموجودة اللي أخذتها طبعا أنا مني كأنها هي سمات أرض، سميتها مناظر وجهية يعني صار الرأس أو الوجه اللي كنت أسميها وجوها صارت وجوها بس بنفس الوقت منظر وهو ما فيه الحذاقة الفنية أو اللعب أو التلاعب وإنما فيه المزج الأنا الهوية بالأرض بالعودة لها وكانت هذه البداية الجديدة اللي بأحسن أقول إنها كانت الفصل الثاني ربما أو الثالث في حياتي الفنية إجا، ساوت حياتي الفنية فصول، ربما الفصل الثالث يعني الانتقال، يعني عندك المرحلة الدمشقية مرحلة التشخيصات البرلينية الأولى وهلق بتيجي المرحلة الثالثة مرحلة الوجوه اللي ما تزال مستمرة تغيرت صار اسمها الرؤوس. فهذه استمرت تقريبا هالفترة هذه الوجوه المنظرية حتى عام 1976، بهذه الفترة هذه بالـ 1976 للـ 1978 قدرت أنا وعرفت أن كل شيء ممكن أقوله في هذا المجال قلته وأي لوحة زيادة بتكون كذبة فنية. فتلك الفترة وقفت شوي ولفت انتباهي ساويت طبيعة صامتة لفترة، الملاحظ بالطبيعة الصامتة إذا بتتفرج عليها الآن بتلاقي ما هي إلا موجز أو مجاز آخر للارتباط بذكرى الأم، يعني بذكرى الرحم، الطبيعة الصامتة أصبحت تشبه أكثر المنظر، إذا بتتأملها في بعض اللوحات بتشوف فيها الوقفة على السطح على المشرقة بالبيت العربي والبيوت الترابية الميالة للون البرتقالي لون التراب لون الطين حتى السماء الفيروزية ففي عندك حركة مستمرة عم تشوفها كطبيعة صامتة بس بنفس الوقت بتنسى بيأخذك منظر لأنه طبيعة دمشقية. عندي هذه الدمية إجتني هدية وحطيتها على طاولتي مثل هلق بمرسمي القديم ظلت تقريبا سنوات وكنت أحط على الطاولة رغيف الخبز اللي أجيبه أو التفاحة أو البرتقالة وتبقى أيام أحيانا، بلحظة من اللحظات بعد سنوات أصبحت هذه الطاولة بما موجود عليها وخاصة الدمية جزء مرتبط بالرؤية اليومية بحياتي اليومية، فقلت لنفسي ممكن أعملها صورة لوحة كطبيعة صامتة. لما بدأت أول لوحة لقيت فيها الإمكانية كما حدث في الوجوه التكرار أن ممكن أرسمها مرة ثانية بشكل كذا فبدأت المرحلة ظليت من سنة 1979 بقيت حتى 1981 أرسم ذات الـ Marionette بأوضاع مختلفة. التكرار اللي عم نقول التكرار باللغة كلمة صعبة لأنه ما هو تكرار للإعادة وإنما إعادة برؤية جديدة وهذا يعود إلى سحر الشرق أن ترى الشيء باستمرار في عين جديدة في رؤية جديدة. في الفترات اللاحقة من رسم الدمية تحرك في داخلي وجدان جديد برؤية للرأس رسم الرأس، لم أعد أقل وجها وإنما رأس، فظهر بالنسبة لي أن الرأس كأنه شجرة ثابتة عمرها آلاف السنين جذرها في الأرض في التراب وصاعدة نحو السماء وعلى جذعها وعلى ندبات الزمن قصة الزمن حديث الزمن هالشجرة، وهو الرأس. قد يكون المصدر الأول للوحة فيه الشاعرية وفيه الأدبية ولكن عندما تبدأ يجب أن تأخذ اللوحة قضية الفكرة الفنية والقصد الفني للصورة ما القصد الأدبي والصحفي للصورة. كانت تجارب تخطيطات صغيرة عن هذا الوجه حتى بدأت عام 1983 بأولى هاللوحات، سميتها  الرؤوس. قد تبدو اللوحات متشابهة في الفترة الأولى ولكن عند التأمل بتلاقي حركة بسيطة مستمرة مع الزمن كأنها جدول بدأت فيها وأنت طفل بقرى سوريا أو لما يروحوا أهلنا على السيارين كيف الجدول كيف الخضرة وكانت ينابيع الماء وكيف أنت سرت بهذا الجدول من دمشق إلى شواطئ لبنان إلى جاناوا لوصلت إلى برلين وبعدين كيف أنه لما كنت أنت طفلا وشابا صغيرا في الفترة الأولى عندك الأمل بس ما عندك صورة لحياتك للـ Biography الفنية اللي صارت، والإنسان الآن بعمري بيتطلع للخلف من بدايات الجدول ومسيرة هذا الجدول أو هذه الساقية أو هذا النهر كيف إجا بالفسحات بالسهول كيف مع الجبال انعرج عنها حتى وصل وبتشوف مراحلها وبتشعر بنوع من الفرح أو بعض الرضا وبنفس الوقت ببعض الحزن لما عم توصل من هالقارات البعيدة هاللي مشي النهر ليصل للشاطئ الأخير للمصب للبحر.


المعلق: فلسفته بسيطة، الفرادة والإصرار والعناد والإبداع أهم ألف مرة من حفظ ألف مصطلح فني وإتقان أساليب ألف رسام. وسيضرب لك مثلا ببيتين قالهما امرؤ القيس قبل ألفي سنة

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه

وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا

فقلت له لا تبك عيناك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنُعذَرا

أينبغي أن يدهشنا تمثّل مروان قصاب بهذين البيتين لأمير شعراء ما قبل الإسلام؟ أو بقصيدة يحفظها عن ظهر قلب لابن زريق الأندلسي؟ ربما، إذ كيف استطاع أن يبقي جذوره المغروسة في الثقافة العربية حية هكذا وهو الذي أمضى سنواته الخمسين الأخيرة في أوروبا؟ إنه تكوينه النفسي السوي الصلب الذي منعه من الاضمحلال في أوروبا، وهم أصدقاؤه عبد الرحمن منيف وأدونيس وجمال الغيطاني وغيرهم من كبار مثقفي ومبدعي العربية، ثم هي قدرته الفذة على استحضار وطنه بكل تفاصيل الألوان والروائح والأصوات والعيش فيه متى شاء.