موعد في المهجر / أنيس المتني
موعد في المهجر

أنيس المتني ج2

تستكمل الحلقة حوارها مع أنيس المتني، الذي وصفته الصحافة الروسية بأنه سفير لكل العرب في موسكو، نال الدكتوراة من كبرى جامعات موسكو أوائل الثمانينيات في النقد الأدبي، وعمل بالسفارة السورية بروسيا محللا سياسيا ومستشارا للسفير.

– سفير لكل العرب
– مواجهة الصهيونية في روسيا

سفير لكل العرب

[تعليق صوتي]

شاعر وناقد ومترجم ودبلوماسي ومحلل سياسي، الدكتور أنيس المتني ابن إحدى أصغر قرى الريف السوري هو الآن كما تصفه الصحافة الروسية سفير لكل العرب في موسكو أسرته التي لم يفقد جيلها الأحدث ذرة من عروبة الأب والأم لا في اللسان ولا في الطباع تتنزه بصحبة الشواء والأرجيلة على أطراف موسكو تماما كما لو كانوا في غوطة دمشق المتني يواصل الحكاية كانت الدراسة مرة ثانية هي البوابة التي دخل منها مجددا إلى موسكو فبعد أن نال الدكتوراة من كبرى جامعاتها أوائل الثمانينات في النقد الأدبي عاد إليها بعد سنوات أمضاها موظفا يداوم ثماني ساعات يوميا على مكتب بوزارة الإعلام السورية عاد ليحصل على أرفع درجة أكاديمية روسية.

"
للتصدي لوسائل الإعلام الصهيونية والحملات المسمومة التي بدأت تطعن بالعرب والإسلام اقترحنا إنشاء مجلة باللغة الروسية بقيمة 30 ألف دولار وفوجئنا بأن الجامعة العربية لا تستطيع تمويل المشروع
"

أنيس المتني- كاتب: في عام 1987 عدت إلى موسكو بدعوة من جامعة موسكو الحكومية لإعداد أطروحة والدفاع عنها لنيل شهادة الدكتوراه الدولية في موضوع الاتجاهات الحديثة في الأدب العالمي وكانت فترة متميزة من حياتي لأنني انتقلت فيها لأول مرة إلى حياة العالم الباحث ووسط العلم البحت وخلال هذه السنوات من 1987 إلى سنة 1990 كنت لا أفارق مكتبة لينين الحكومية ومكتبة جامعة موسكو إلا قليلا وانعكس ذلك طبعا على المعين الثقافي الذي تكون لدي وعلى علاقاتي أيضا بالنخبة الثقافية العلمية في روسيا في عام 1990 أقيمت علاقات دبلوماسية بين جامعة الدول العربية والاتحاد السوفيتي وكلف الأمين العام المساعد آنذاك لجامعة الدول العربية المرحوم السفير بأن يكون أول سفير للجامعة في هذا البلد وكان لي شرف العمل معه على تأسيس هذه البعثة والنهوض بمهامها خلال هذه المرحلة المصيرية من حياة روسيا وربما من حياة العالم العربي ولا شك أننا قمنا بكثير من الأعمال لكن كان بإمكاننا أن نقوم بأكثر لو كان لدى العرب استراتيجية موحدة مدروسة لكيفية استغلال الإرث القديم من الصداقة والتعاون مع هذه البلاد لكن النزعة الأحادية كانت تغلب على العمل الجماعي فسأعطي مثالين المثال الأول كيف لم نستطع أن نقوم بعمل بسيط في مجال الإعلام لتصدي للوسائل الإعلام الصهيونية والحملات المسمومة التي بدأت تطعن بالعرب والإسلام منذ ذلك الوقت وهو عبارة عن اقتراح مجموعة من الصحفيين الروس أن يقدموا لنا مجلة باللغة الروسية محترمة بما قيمته ثلاثين ألف دولار لننشر أخبار العالم العربي ورؤية العالم العربي لما يجري في العالم وبعد شهور عديدة فوجئنا بأن الجامعة العربية لا تستطيع تمويل هكذا مشروع ولا الدول العربية بقادرة على الاتفاق لتمويل هكذا مشروع المثل الآخر مغاير تماما أنه عندما علمنا بأن جمهورية إسلامية هي جمهورية أذربيجان تنوي إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتسيير رحلات جوية من باكو إلى تل أبيب، قررنا والسفير المرحوم المنصف الماي أن نذهب إلى الرئيس الأذربيجاني عياز موتاليبف فكتبنا له واستقبلنا في قصر الضيافة وبقينا هناك لمدة سبع أيام وحدث خلال هذا اللقاء أن جمع الحكومة بأكملها وقادة البرلمان وتحاور معنا على الغداء طيلة أربعة ساعات ولكنه لم ينثن عن موقفه وكان يلمح إلى أن الأمر خارج عن إرادته وأن ضغوط من موسكو وغيرها تأتيه فاستأذنت السفير وقلت للرئيس هل تسمح يا فخامة الرئيس أن أتحدث معك لا بصفة رسمية وإنما كمثقف عربي أذربيجاني؟ قال تفضل قلت لنفترض أن مشكلة كرباخ وكانت مشكلة كرباخ آنذاك في بداياتها ولم يكن قد وقع احتلال أراضي أذربيجان هي ولم تكن قد وقعت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان قلت له لنفترض أن هذا المشكل تطور وأن الأرمن استولوا على الأراضي أذربيجان فكيف ستتصرفون؟ قال سأقاوم قلت له وإذا كان هناك مؤامرة دولية وجاءت الدول الكبرى وقالت لا ولو قالت لك بأي حق هذا عمل إرهابي؟ قال أنا لا يهمني ما يحكمون به علي وإنما يهمني أن ينظر أبني في عيني ويكون مرفوع الرأس فقلت له يا فخامة الرئيس كيف تقبل لنفسك وللشعب الأذربيجاني هذا الموقف وتمنعه عن الشعب الفلسطيني المظلوم المشرد والذي تكالبت عليه كل القوى الكبرى في مؤامرة دولية والآن يتهمونه بأنه إرهابي؟ فانتفض عياز موتاليبف وضرب على الطاولة بيده وقال كفا لن نقيم علاقات دبلوماسية مع دولة معتدية على شعب شقيق كان هذا يكفيني شرفا مدى الحياة إذاً لو كنا عملنا بنفس الوتيرة كان يمكن درء كثير من الأمور التي جرت على هذه الساحة الخطيرة، جوانب كثيرة يمكن ذكرها السفير مهند درة الأستاذ الكبير والفنان العظيم لعب دور كبير في إبراز الوجه الحضاري لأمته العربية والإسلامية فكان خير مثال يتحدث بأكثر من خمس لغات ويدخل القلوب بدون مساعدة وفي كل مكان كان يظهر أن الإسلام وأن العروبة ليس فقط لا ينفصمان وإنما هما رمز التسامح ورمز التعايش ورمز التآخي وخصوصا المسيحي الإسلامي كان يكفي لسفير الجامعة العربية أن يحضر ندوة نشاط ما فاعلية ما حتى يكون الحضور في حالة انفعال وتقدير للجانب العربي فكان بإمكاننا فعلا أن نستغل هذه الطاقات وهذه الإمكانيات وكانت لدينا جالية الجالية العربية جالية كبيرة وحاولنا أن نقيم منتدى عربي يجمع هذه الفاعليات والطاقات ويرسم طريقة ما للتصدي للافتراءات التي تركبها وسائل الإعلام ضد العرب والمسلمين لكننا للأسف الشديد وجدنا أن الفردية والأنانية أكبر من الهم العام من الهم الجماعي هذه كانت دائما بالنسبة لي مأساة يومية لأنني تربيت في بيئة أخرى وعلى عقلية أخرى..

[فاصل إعلاني]

مواجهة الصهيونية في روسيا

[تعليق صوتي]

لابد أن الدكتور أنيس المتني أَصيب بخيبة أمل حينما أقامت أذربيجان علاقات كاملة مع إسرائيل في التسعينات لم يعمر انتصاره طويلا إذاً لكن لا يهم لقد علمه أبوه أن خيبات الأمل لا ينبغي أن تميت الحماس في القلب فاليأس طرف لا يمتلكه ابن فلاح فقير حتى وإن كان متوجا بالدكتوراه المتني مسلح بإتقانه الرفيع للغتين العربية والروسية وبفهمه العميق للشعب الروسي ولكيفية صنع القرار في الكرملين وبعلاقاته الصحفية والإعلامية يسعى ما وسعه السعي لمعادلة التأثير الفادح للآلة الإعلامية الإسرائيلية أو التي تحركها إسرائيل على المواقف الروسية من القضايا العربية من الذي عليه أن يقول لمائة وخمسين مليون روسي إن الأطفال الذين مزقتهم الصواريخ الإسرائيلية في غزة وفي جنوب لبنان وفي قانا ما كانوا يخططون لإلقاء إسرائيل في البح،ر من الذي ينوء بعبء تكرار نفس الفكرة يوميا باللغة الروسية في لعبة الشرق الأوسط الدامية العرب هم الضحايا وإسرائيل هي الجلاد مشعل الحرائق وهادم العمران المسلح حتى الأسنان بكل أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل إسرائيل لها مؤسسات عملاقة ونحن لنا الله ثم أنيس المتني.

"
تبقى الغربة غربة ويبقى الوطن وطنا والمسافة التي تبعد بينهما هي مسافة الألم الذي يعيشه الإنسان في المهجر
"

أنيس المتني: كان الركض وراء رغيف الخبز للأسف الشديد وحماية كرامة الأسرة هو الهم الأكبر الذي منعني ربما عن تحقيق طموحاتي العملية والأدبية ومع ذلك قمت خلال هذه الفترة بترجمة ونشر أكثر من 24 كتابا واعتقد أن من أهمهما كان على الإطلاق كتاب نشاط الصهيونيين في روسيا الذي نشرته جريدة الشرق القطرية وكتاب نساء الكرملين الذي نشرته جريدة الشرق ولم تنشره دور النشر وكتاب صراع المستشارين الحديديين وهو يتحدث عن شخصيتين تاريخيتين عن بسمارك الألماني وعن غرشاكوف الروسي وغرشاكوف كان أستاذا لبسمارك وعندما كبر بسمارك رماه وهذا الكتاب هو من تأليف أبرز الكتاب الروس في القرن العشرين بيكول وقد ترجمت له أربع روايات لكن الجميل في هذا الكتاب أنه يستعرض السياسة العالمية الصراع بين الدول الكبرى الأوروبية على خلفية الصراع الجاري في الدول وجغرافية الشعوب الأخرى بدأ من المغرب العربي مرورا بالجزائر ومصر وانتهاء بالهند والصين وآسيا الوسطى ويتحدث الكتاب عن شخصه فذة مثل الأمير عبد القادر الجزائري الذي قلد وسام النسر الأبيض الروسي من القيصر الروسي وقد حمل السفير الروسي هذا الوسام إلى الأمير عبد القادر الجزائري أثناء الاحتفالات بافتتاح قنال السويس وقلده هذا الوسام هناك في تلك الفترة وقد كتب السفير كتابة رائعة عن هذا الإنسان الذي يشع منه النور أي الأمير عبد القادر الجزائري أعتقد أنه مفيد جدا للإنسان العربي للناشئ العربي أن يتعرفوا ليس فقط على هذا الكتاب وإنما على المدارس الدبلوماسية الأساسية معروف أن هناك ثلاث مدارس كبرى المدرسة الفرنسية والمدرسة الإنجليزية والمدرسة الروسية أين نحن من هذه المدارس… إنني بعد عقدين من الزمن واحتكاكي المباشر مع أصحاب المعالي وأصحاب السعادة والسادة الدبلوماسيين أقول بكل مرارة أنه لا يوجد لدينا دبلوماسية عربية بل يوجد لدينا دبلوماسيون محترمون أمثال سامي الخالدي وسالم الجابر من الكويت ومن قطر شملان الشملان عبد الرحمن عبده من اليمن عبد السلام زند من المغرب لكن هذه الوردات الجميلة المبعثرة لا تشكل عملية دبلوماسية قادرة فعلا على أن تواجه التحديات التي تتعرض لها أمتنا العربية وهذا طبعا يترك أثره السلبي في نفسي ولا نستطيع استغلالها بشكل كاف، في عام 2000 طلبني سفير الجمهورية العربية السورية الجديد آنذاك الأستاذ وهيب فاضل وقال ما رأيك بأن تكون مساعدي للشؤون السياسية الروسية وكنت قد تركت جامعة الدول العربية لأسباب لا أريد ذكرها وبدأت أعمل في السفارة السورية كمحلل سياسي ومستشار لصاحب السعادة السفير والتحليل السياسي أصبح هو مهنتي واحترافي وشاءت الظروف طبعا أن التقي عدد من الشخصيات السورية وأن نعمل مع سعادة السفير على دفع العلاقات بين سوريا وروسيا والتي توجت بزيارة سيادة الرئيس بشار الأسد وكانت زيارة من أنجح الزيارات على الإطلاق ولا شك أن الإنسان يشعر بالارتياح عندما يعلم أنه قد وضع ولو لبنة صغيرة في هذا البناء الذي أصبح صرحا الآن بين البلدين هذا المكان الجميل له خصوصية في نفسي أولا هنا تربى أطفالي وهنا قضيت أياما برفقة أسرتي وهنا كان ملجأي للتفكير في شؤون الحياة في المشاكل التي تعرضت لها روسيا والمشاكل التي تعرض لها العالم العربي وغالبا ما كنت أخرج من البيت لأستجلي فكرة ما مع الطبيعة وكما نلاحظ الشعب الروسي شعب طيب للغاية وشعب صديق ووفي ومخلص في علاقاته خصوصا مع العرب ومن هذه الزاوية كنا لا نشعر على الإطلاق بأن هناك غربة حقيقية نعيشها في هذا البلد لكن مع ذلك تبقى الغربة غربة ويبقى الوطن وطن والمسافة التي تبعد بينهما هي مسافة الألم الذي يعيشه الإنسان في المهجر خصوصا عندما يجد أنه لم يحقق كل الطموحات التي كان يرنو إليها ربما أنه لو قدر لي أن أعمل في أرض الوطن بكل الإمكانيات والطاقات المتوفرة لقدمت أكثر ولكن هذا شأن القدر وشأن الظروف ومع ذلك لا أتحسر ولا أندم فالحياة في موسكو وفي روسيا الواسعة قدمت لي الكثير.. الكثير وخصوصا من المعارف التعرّف على شخصيات سياسية وأدبية وفكرية وعلمية كبيرة هذا البلد بلد غني بالعلم وغني بالمعرفة وبالتالي الإنسان الذي ينزع إلى المعرفة يجد فيه الوسط الحقيقي الذي يتمنى العيش فيه.

[تعليق صوتي]

روسيا التي هي مائة ضعف مساحة سوريا منحت الدكتور أنيس كل ما ينعم به الآن في حياته وهي تستحق أن يمتن لها وأن يعتبرها وطنا لا مهجرا ولا أرض غربة يتحمس للشطرنج لعبتها الأولى ويرسم طبيعتها الخلابة فراشته على قماش لوحاته ولكن المتني يعرف أن مشاعره الحقيقية أكثر تعقيدا من ذلك بكثير فروسيا على اتساعها الهائل تضيق بالرجل أحيانا ليحن إلى الأرض التي جبل من ترابها والتي يحمل همومها راضيا عبء ثقيلا على كتفيه رغم أننا تركناه يحارب وحده على الجبهة الروسية الشاسعة وبخلت عليه جامعة الدول العربية بحفنة من الدولارات لإصدار مجلة بالروسية تقربنا ممن كانوا قبل أربعين عاما أوثق أصدقاء العرب في العالم كانوا ولكن تذكر.. تذكر يا أنيس ما تقوله عينا أبيك يا ولد أترك اليأس للمترفين كتب علينا نحن الفقراء المستضعفين أن لا نكف عن العمل يوما وأن لا نفقد الأمل أبداً.