موعد في المهجر

فواز إسماعيل

فواز إسماعيل.. ذهابه إلى أميركا وما عاناه من تمييز، وبداية عمله وإصراره على النجاح وأسباب نجاحه فيه، مشاعره نحو فلسطين وشعور أبنائه تجاه أصولهم العربية, وذكرياته عن أيام نشأته في عمان في (تلة) حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقوم بتدريباتها.

مقدم الحلقة:

متغيــر

ضيف الحلقة:

فواز إسماعيل: رجل أعمال

تاريخ الحلقة:

25/01/2002

– ذهابه إلى أميركا وما عاناه من تمييز
– بداية عمله وإصراره على النجاح

– أسباب نجاحه في العمل

– مشاعره نحو فلسطين وشعور أبنائه تجاه أصولهم العربية

ذهابه إلى أميركا وما عاناه من تمييز

undefined

فواز إسماعيل: جاء أبي إلى الولايات المتحدة عام 66، وتركنا في عَمَّان وفي الأردن، لم يكن يفهم الإنجليزية بتاتاً، في اليوم التالي لمجيئه خرج إلى الشوارع يبحث عن عمل، واحتاج منه الأمر أربعة أعوام للحصول على مورد ثابت، وبعدها استطاع أن يحضرنا إلى الولايات المتحدة، كان ذلك في السبعينات ذكرياتي عن نشأتي في عمان خليط حسنة وسيئة، نشأت في (تلة) حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقوم بتدريباتها.

في أيلول الأسود كنت مختبئاً في المنطقة التي حدث فيها القتال، كانوا يدربوننا ويعلموننا تعليماً مدرسياً في نفس الوقت، أن يرى المرء وهو في السابعة أو الثامنة إطلاق النار من المدافع الرشاشة أمر لا ينسى أبداً ثم جئنا إلى هنا.

خلال نشأتي في بلدة (ماسكت) الصغيرة في (تكساس) تعرضت لبعض التمييز ضدي، كنت أمهر لاعب في فريق الكرة الأميركية الذي كنت ألعب معه، حطمت رقماً قياسياً، كنت سريعاً جداً لأنني كنت ألعب كرة القدم أيضاً، لكن المدربين لم يتيحوا لي أن أستخدم مهارتي كاملة، وكان هذا طبعاً أمراً مؤلماً حتى الآن، كل من حولي كان يدرك تلك الحقيقة حتى بقية اللاعبين الذين يتساءلون: لماذا لا يلعب فواز؟ لكن في كرة القدم كان الوضع مختلفاً.

الأسلوب الوحيد لعربي للاندماج في المجتمع هو التواجد في مدينة، في الريف مستحيل، هناك إحساس مفرط بالاعتزاز بكونهم أميركيين، فإذا لم تتقن التحدث الإنجليزية أو تحدثها بلكنة انتهى الأمر.

أولادي ليس لديهم أية مشكلة، توجه إليهم بعض الأسئلة أحياناً لأنهم مسلمون فقط، أصدقاؤهم الأعزاء من السود أو الصينيين، في هذه المنطقة لا تتعرض للتمييز كثيراً، لأن واشنطن مدينة متنوعة يأتي إليها أناس من جميع أنحاء العالم من دبلوماسيين ورجال أعمال وغير ذلك، وبالتالي فمدارس الأولاد فيها خليط، وليس كمدرسة بلدة صغيرة في (تكساس) كل من فيها ، وبالتالي لا يتعرض الأولاد كثيراً للتمييز ضدهم.

بداية عمله وإصراره على النجاح

بدأت عملي هذا في عام 85. والدي كان بائعاً، كان يذهب للأسواق العامة حيث الأشياء زهيدة الثمن، كان يبيع المطرزات من تركيا، ثم تدرجنا لبيع أعلام (تكساس)والولايات المتحدة، وقد راجت هذه، فكنت أعاون والدي في عمله حين كنت في المرحلة الثانوية من دراستي. أثناء دراستي الجامعية، وحين كنت أسافر في أنحاء البلاد كنت أبيع الأعلام على ناصية الطريق.

في (المسيسبي)كنت أبيع أعلام الجنوب، في نيويورك أبيع أعلاماً إيطالية وإيرلندية وأيضاً بولندية، كذلك في شيكاغو، عندئذ أدركت أن أميركا بوتقة تصهر الجميع، فيها أُناس من جميع أنحاء العالم.

ليس هناك من هو بالفعل أميركي، الأميركي هو الهندي الأحمر، أو الهنود الأميركيون ما عداهم فهم مهاجرون أجانب من جيل أول أو ثان أو سادس أصبحوا أميركيين، هنا أدركت أن هذا هو البلد الوحيد في العالم الذي يأتي إليه الناس وبعد عدة سنوات بعد أن يحصلوا على الجنسية يُعتبرون أميركيين. بيع الأعلام تجارة مربحة، في السويد مثلاً تستطيع أن تبيع العلم السويدي، ولكن لا تستطيع أن تبيع النرويجي، لأنه لا يوجد النرويجيون كثيرون في السويد، ولكن في الولايات المتحدة تستطيع بيع الأعلام السويدية والنرويجية وغيرها.

كنت أعمل أيام الجامعة في عطلة نهاية الأسبوع فقط، وكانت زوجتي تعمل وتساعدني، في أحد الأيام الحارة رايت والدي يجلس تحت أشعة شمس (تكساس) الحارقة، يغطي رأسه بفوطة من شدة الحر، نظرت إليه وأخذت أبكي، قلت له: لا أريد أبداً أن نقضي بقية حياتنا هكذا، غادر الرجل فلسطين وهو في الحادية عشرة من عمره، وأنجب سبعة أبناء، وعمل طوال حياته دون أن يتمتع بيوم إجازة واحد، شعرت بالحزن وقررت أن عليِّ أن أفعل شيئاً مختلفاً، حينئذ قررت أن أجوب البلاد، ثم خطر لي أن أفتح محلاً بدلاً من البيع في العراء، وكان هذا في (دالاس) ونجح نجاحاً كبيراً. في السابق حين كنت تريد علماً، كنت ترسل طلبك بالبريد، أنا أحضرت تجارة الإعلام إلى المناطق السياحية، فأينما وجد السياح وجدت، وبالتالي لم يعودوا ينتظرون، الناس في أميركا وطنيون جداً، يعشقون تراثهم، الأيرلندي فخور بكونه أيرلندي، الإيطالي بكونه إيطالياً، أنا فلسطيني وأحب العلم الفلسطيني، وهكذا لكل شخص يحب علمه، هناك من يعشق أعلمه أكثر من غيره، لدينا أعلام لثمان وعشرين دولة، ويشتد الإقبال، على بعضها أكثر من البعض الآخر، العلم الفلسطيني هو أكثر علم من منطقة الشرق الأوسط يشتد عليه الإقبال: لا أقول هذا لأنني فلسطيني، ولكن لأنه حقيقة لا أعتقد أن هناك تناقضاً بين كوني فلسطينياً وبيعي للأعلام الأميركية، العلم الأميركي جميل، أنا أحب ذلك العلم، لو تصفحت كتاباً للأعلام ونظرت للأميركي ترى أنه يمثل أموراً حسنة، هو يمثل سياسة خارجية سيئة، لكن أنا أحاول أن أنظر للأمور الحسنة، وهي حرية الحياة، والتعبير، وممارسة شعائر الدين ،هذا شيء مهم بالنسبة لي كإنسان. أميركا لديها أمور حسنة كثيرة، عشت هنا ثلاثة وثلاثين عاماً، لابد أن توافيهم حقهم بالقول إنك تعيش في بلد تشعر فيه بالحرية، هنا تمنح لك الفرصة لتحقيق ما تريد، لا، ليس تناقضاً أن أبيع العلم الأميركي، نبيع أعلاماً لجميع الدول، لا نميز ضد أحد، زبائني متنوعون، هناك ابن البلد الذي يريد أن يرفع علماً أمام منزله ليدلل على وطنيته، هناك شركات خاصة، هناك فنادق ،وهناك الحكومة الاتحادية، أنا أزود جزيرة (بلاو) بالأعلام، سكانها خمسة عشر ألف نسمة، عندي ملصقات وقبعات وكل شيء، أنا أبيع جميع الأعلام. عملي تجارة وهواية، طبعاً الحياة يسر وعسر، لكن في معظم الأحيان، أنا أشعر بالسعادة بالقدوم إلى العمل، أنا محظوظ لأنني ألتقي بأناس من جميع أنحاء العالم، ومن جميع الاتجاهات في الحياة. عندما يكون علينا أن نركب سارية لعلم، أفضل دائماً أن أكون هناك، أتحدث إلى الشركات والمسؤولين حتى أعرف أين سيوضع العلم بالضبط على ارتفاع 20 أو 100 قدم مثلاً.

تثبيت السارية يساعدني على الاحتفاظ بلياقتي الصحية، أنا أذهب وأحضر الحفرة بيدي، بإمكاني أن أرسل عمالاً ليقوموا بذلك، لكنني أفضل أن أقوم به بنفسي، أحب أن أعمل بجد، أن أرهق نفسي، ثم أذهب إلى المكتب لكي أرد على الهاتف بنفسي، بإمكاني أن أبقى هناك طوال الوقت، سبب نجاح عملنا هو أنني أحرص على الالتقاء بزبائني، وضمان تلبية احتياجاتهم كاملة.

التفكير في حالنا في الماضي والآن يصيبني بالصدمة، كما أخبرتكم عندما رأيت والدي والفوطة على رأسه في حر( تكساس)، قلت: لا أريد هذه الحياة، كان كل همنا أيامها أن نستطيع تسديد الفواتير، وشراء وقوت العائلة، بالمقارنة بذلك فأنا الآن في وضع أفضل بكثير والحمد لله، فلدي من يقوم بتسديد الفواتير عني، هذه نعمة كبرى وترجع بقدر كبير إلى العمل الشاق، أنا لم أستخدم أموال أحد لتحقيق ما حققته وإنما حققته بأموالي.

أسباب نجاحه في العمل

هي أولاً رضا الله ورضا والديَّ، ثم هناك زوجتي ..زوجتي التي خرجت للعمل بينما كنت في الجامعة فهي في الحقيقة ساعدتني كثيراً، تزوجت منذ نحو عشرين عاماً، وأشكر الله لأنها امرأة عظيمة، وقد اعتنقت الإسلام منذ ذلك الحين واسمها الآن إيمان، وهي تجيد القراءة والكتابة والتحدث باللغة العربية وعلَّمت ذلك للأولاد. هي أميركية وهي نادرة بالفعل ولذا فأنا محظوظ جداً.

مشاعره نحو فلسطين وشعور أبنائه تجاه أصولهم العربية

أول مرة ذهبت فيها إلى فلسطين كنت متأثراً جداً جداً لأوضاع الناس هناك، وخلال السنوات الاثنتين والثلاثين التي عشتها في أميركا لا يمر يوم واحد دون أن نشاهد التليفزيون بحثاً عن الأخبار حول ما يجري هناك، ولكن يوماً ما عندما يتحقق السلام الدائم في فلسطين سأعود إلى وطني أصحب أبنائي إلى فلسطين كل سنة وأطلعهم على المنزل الذي بناه جدهم ويعيش فيه اليوم ثلاثة إسرائيليين من بولندا، أقول لأبنائي: هذا بيتكم ويجب أن لا تنسوا أبداً أنكم فلسطينيون.

زوجتي أميركية، ونظراً إلى أن دمهم 50% عربي و50% أميركي فمن الإنصاف أن أقول لهم: إنهم عرب أميركيون. أن تكون رجل أعمال ناجحاً أمر جيد، لكنني في أعماقي لست سعيداً، هذا يعود بشكل كبير إلى ما يحدث في الشرق الأوسط في القضية الفلسطينية، هناك مشاكل كثيرة عموماً، لكن بشكل خاص في بلد أمي وأبي، كل ليلة نشاهد التليفزيون لنرى ما حدث وكله سلبي، هناك السياسة الخارجية الأميركية وهي بشعة حقيقة، هم لا يفهمون ما نفكر به وبأننا نحب أطفالنا وأننا نريد السلام. حين يقوم شاب بوضع حزام من القنابل حول جسده ويفجر نفسه على العالم أن يفهم أن هناك أمراً خاطئاً، إنه لا يريد الموت، حين تعامل كالكلب طوال حياتك ماذا تفعل؟ أنت تثور، عليك أن تنتصر لما تؤمن به. أبناء شعبي يعانون هناك فكيف أكون سعيداً؟ كيف أكون سعيداً وشعبي الفلسطيني يعاني؟ هناك الكثيرون من العرب الأميركيين أعضاء في الكونجرس، في مجلس النواب، هم هناك يحاولون أن يُعرِّفوا الناس بأننا لسنا إرهابيين، إننا بشر. علينا أن نُعلِّم الناس، سيستغرق ذلك بعض الوقت، لكن بإمكاننا فعله، علينا أن نعلم الجمهور الأميركي، لأنه من المهم أن يعرفوا أننا ساهمنا كثيراً في المجتمع الذي يعيشون فيه الآن.

في الحادي عشر من أيلول سبتمبر فتحت التليفزيون، وكل محطة كانت تتحدث عن الطائرة التي تحطمت في البرجين، جمعت العاملين لدي وقلت لهم: أغلقوا المحل واذهبوا إلى بيوتكم. مكثنا في البيت يومين فقط نشاهد الأخبار، كنا في صدمة، رأينا الناس يقفزون من البنايات هناك، أنت تشعر بالأسى على أولئك الذين ذهبوا للعمل ولم يعودوا أبداً، لا سياسة هنا أبداً. ما أؤمن به شخصياً عما يحدث هناك لشعبي الفلسطيني الذي يمر بظروف صعبة أمر وأن ترى هذا الشيء بعد أن عشت في هذا البلد طوال لهذه المدة أمر آخر، أن ترى هذه البنايات الضخمة تتهاوى، كان صدمة كبرى. كنا ندرك أن الإقبال علينا سيشتد بجنون كان الجراج مزدحماً بالسيارات، أصحابها يطلبون شراء الأعلام، أنا لا أؤيد أي شخص يقوم بهذا العمل، هذا خطأ، لا يجوز أن يقتل أبرياء باسم الإسلام، لا أعتقد ذلك. الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، أثر على عملي، من قبل كنا نعمل جيداً، لكن عادة بعد أيلول/ سبتمبر يخف الإقبال على عملنا بسبب افتتاح المدارس، ثم يعود الإقبال قبل أعياد رأس السنة، لكن منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وحتى الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، تضاعف عملنا بنسبة 3000%، كان الناس يصطفون في طوابير لمدة ساعات حول المحل، في بعض الأيام كان علينا أن نبقي المحل مفتوحاً أربعاً وعشرين ساعة، لقد أثرت الأحداث على جاليتان هنا، أحدهم نشر تقريراً عن فلسطيني يبيع الأعلام الأميركية، وأن ذلك الفلسطيني يملك أكبر شركة للأعلام في الولايات المتحدة، والجميع أرادوا أن يكتبوا عنه، جاءوا من جميع أنحاء العالم، كان ذلك مفاجئاً لي، لأنني لم أتعود على ذلك، أنا متعود على الذهاب للعمل، ومراعاة شؤون محلاتي، والعاملين لدي فقط، فجأة كان هناك أناس على الهاتف يتصلون طوال الليل والنهار. نحن نقوم بالتصنيع بأنفسنا فاستطعنا أن نزود زبائننا ومحلاتنا في أنحاء البلاد. الحياة في الولايات المتحدة كانت إيجابية جداً بالنسبة لي، الحلم الأميركي حقيقة، بإمكان أي شخص أن يأتي هنا وأن يحقق أحلامه، لا نملك إلا أن نشكر الله، لأننا نعيش في نعمة في هذا البلد، أنا لا أقلق على ثمن قوتي، لكن -إن شاء الله- ما أستطيع أن أفعله هو أن أساعد الآخرين، ربما طفل في مخيم، أو أي شخص في حاجة إلى مساعدة سأساعده، لأن هذا هو ما خلقنا الله من أجله، يختبرنا ليرى ما نفعل، وكيف نساعد الآخرين.