هلال رمضان.. متى يثبت فلكيا؟

A crescent moon is pictured on top of the Sultan Ismail Petra Arch, a landmark of Kota Bharu in Kelantan, Malaysia April 13, 2018. Picture taken April 13, 2018. REUTERS/Stringer
الهلال أحد الأطوار الأساسية للقمر وتختلف رؤيته من دولة لأخرى حسب دورته حول الأرض (رويترز)

هاني الضليع*

تتضارب كل عام مع اقتراب شهر رمضان المبارك حسابات الحاسبين وشهادات الشهود؛ فجميع الحسابات الفلكية صحيحة لكن تفسيرها وتحقيقها يختلف بين واحد وآخر.
فأصحاب الرؤية البصرية الخارقة أو من يعرفون بزرقاء اليمامة يثبتون رؤيتهم للهلال في أول وجوده بعد الشمس حتى لو كان قريباً منها درجة أو اثنتين، في الوقت الذي ينتظر فيه الفلكيون الحاسبون البارعون حتى اليوم التالي بدعوى أن الهلال لم يكن ليرى قبل ذلك أبداً، ولا حتى باستخدام التلسكوبات التي تفوق بقدرتها قدرة العين المجردة مئات المرات.

فإذا كان لكل قوم خطابهم، وإذا كان خطابهم مرتكزاً على حسابات فلكية رصينة، فمع من الحق إذاً؟  فالهلال جرم سماوي، وهو يسير بقوانين ونواميس كونية لا تحابي أحداً، ولا تنتمي لمذهب أو شريعة دون أخرى، فلماذا يختلف عليه المسلمون في مذاهبهم وأصولهم ومنابتهم ومواقعهم كل سنة؟

الإجابة عن هذا السؤال تأتي بكلمة واحدة هي "ولي الأمر"؛ فهو الذي يمكنه حسم هذه المعركة، ويجب أن تكون كلمته هي الفصل، فكيف ينظر أولو الأمر إلى هلال رمضان وما هي المعايير التي يتبعونها؟
 
دورة القمر
بتعريف سريع لحركة القمر، فإنه جرم سماوي كروي مظلم يعكس أشعة الشمس الساقطة دوماً على نصف منه، وهو النصف الذي يواجه الشمس. ويتخذ القمر مداراً بيضوياً حول الأرض يكمل فيه دروته من لحظة وقوعه بين الشمس والأرض إلى حين عودته إلى النقطة نفسها كل 29.5 يوماً، ولذلك نرى الشهر القمري يكتمل تارة ثلاثين يوماً وينقص تارة أخرى 29 يوماً بسبب نصف اليوم هذا.

وبانتقال القمر حول الأرض وبقاء نصفه المواجه للشمس مضاءً، يتاح لأهل الأرض أن يروا جزءاً من هذا النصف المضاء، وربما لا يرونه في آخر أيام الشهر، ويدعى الجزء المضاء من القمر المرئي من قبل سكان الأرض "طور القمر"، وهو ذاته تفسير قول الله تعالى "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"؛ فالهلال والتربيع والأحدب والبدر هي الأطوار الأساسية للقمر التي لا يختلف على تفسيرها في عصرنا الحاضر سوى من أنكر دوران الأرض وكرويتها. 

وهذه الأطوار هي التي جعلت أصحاب رسول الله يسألونه عن سبب تغيرها، فتنزل الآية الكريمة مفسرة للمغزى العام منها لا لسببها: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج). إذ لولا القمر لما عرفت البشرية الشهور، ولاجتهدت في تقسيم السنة إلى أجزاء ستختلف الحضارات في طول كل جزء منها، ولما ظهرت البروج 12، ولما عرف الناس أنواء الشمس وأسماء النجوم التي تنزل فيها. 

‪هلال شهر رمضان سيظهر الأربعاء 16 مايو/أيار بعيد خروج الشمس إلى اليسار قليلا عن موضع غروبها، وسيسطع فوقه كوكب الزهرة‬ (الفلكي على الحجري/الجزيرة)
‪هلال شهر رمضان سيظهر الأربعاء 16 مايو/أيار بعيد خروج الشمس إلى اليسار قليلا عن موضع غروبها، وسيسطع فوقه كوكب الزهرة‬ (الفلكي على الحجري/الجزيرة)

 
قمر عالمي
وحيث إن لدورة القمر حول الأرض ناموساً لا يتغير، فإن أقواماً على الأرض سيثبتون رؤية الهلال في بداية بعض الشهور، ليغيب عنهم في بدايات شهور أخرى، وليظهر عند أقوام آخرين غيرهم.

فعلى سبيل المثال، فإن هلال شهر شعبان الجاري 1439/ 2018 ظهر أول ما ظهر بالعين المجردة في سماء الأميركتين، وانحجب عن قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، لكن القمر يدور والأرض أيضاً تدور، وتتغير البداية كل شهر.

فهلال شهر رمضان لهذا العام 2018 سيكون مرئياً أول ما يرى يوم الأربعاء 16 مايو/أيار في جميع بلدان شرق آسيا، ثم تباعاً في سماء الدول العربية وأوروبا وأفريقيا وبقية العالم. وأما هلال شهر شوال (هلال العيد) فسيرى أول ما يرى بالعين المجردة في قارة أفريقيا والأميركتين، وسينحجب عن آسيا، وهكذا دواليك؛ فلا مكة المكرمة تختص ببداية شهر قمري ولا غيرها من مدن العالم وبلدانها، فالقمر للجميع، فهو عالمي الطابع، ومع ذلك طلب الدين منا التحري. 
 
تحري القمر
والتحري في المفهوم الفقهي على ضربين: الرؤية والحساب. وعليه فقد اعتمدت بعض البلدان الإسلامية فقه الحساب، كتركيا والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، اللذين اعتمدا رسمياً أن الأربعاء 16 مايو/أيار غرة شهر رمضان للعام الهجري 1439 الموافق للعام 2018. لأن القمر يتولد فلكياً يوم الثلاثاء في تمام الساعة الثالثة و48 دقيقة بتوقيت مكة المكرمة، أي قبل غروب الشمس بأربع ساعات وأربع دقائق فيها، ويمكث فوق الأفق بعد غروبها دقيقتين اثنتين فقط (في مكة المكرمة). وهاتان الدقيقتان أو حتى لو كانت عشر دقائق، مدة لا تكفي لرؤية القمر بالعين المجردة ولا بالوسائل البصرية المختلفة كالمناظير والتلسكوبات.

في حين أن معظم الدول العربية والإسلامية تعتمد الفهم الآخر لتحري الشهر، وهو إثبات رؤية الهلال، وهو في الحقيقة على ضربين من الطرق؛ فالعلم الثابت حتى عند علماء الغرب من غير المسلمين يشير إلى أن القمر لا يمكن أن يُرى هلالاً جديداً إذا كان فوق الأفق أو قريباً من الشمس مهما كانت قدرة الإنسان البصرية أو حتى قدرة التلسكوبات التي يستخدمها؛ فالغبار الأفقي ووهج أشعة الشمس كفيلان بأن يمحوا آثار هذه الإضاءة الرقيقة التي تنعكس عن هلال القمر.

معظم الدول العربية والإسلامية تعتمد الفهم الآخر لتحري الشهر وهو إثبات رؤية الهلال (رويترز-أرشيف)
معظم الدول العربية والإسلامية تعتمد الفهم الآخر لتحري الشهر وهو إثبات رؤية الهلال (رويترز-أرشيف)

وأفضل مثال يؤيد ذلك هو شروق القمر البدر من الأفق الشرقي؛ فرغم أن القمر يكون مكتملاً حينها وساطعاً، فإن بعض البلدان التي تتكدس فيها الرطوبة فوق الأفق لا ترى القمر بمجرد أن يشرق إلا بعد أن يرتفع قليلاً فوق الأفق، بل وتُختزل إضاءته في قرص باهت لا يكاد يقوى على أن يقول للناس أنا البدر المتسق، فكيف بهلال نحيل ضعيف رقيق يغيب بُعيد غروب الشمس في نفس ظروف الرؤية السيئة، وتحت وهج أشعة الشمس، فهل يعقل أن يراه بشر أو حتى تلسكوب؟

ومع ذلك، يظهر من يتخذ هذه الحالات منهجاً في الرؤية ويتحدى العلم وكل الحسابات الفلكية الرصينة ليأتينا بما مفاده أنه قادر على رؤية هذا الهلال في هذه الظروف المستحيلة. ولأن الأمر عند ولي الأمر وهو صاحب القرار، فإن الشهادة عادة ما تقبل بدعوى ثقة الشهود وعدولهم لدى القاضي الشرعي. وربما تلعب السياسة الدور الأكبر في مثل هذه الحالات بالنسبة للبلدان التي لم تثبت فيها الرؤية فتتبع هذا البلد أو ذاك.

وأما المنهج الآخر من مناهج الرؤية الذي يتفق مع "أكثر" الفلكيين فهو منهج الأحناف، الذي ينص على ضرورة رؤية الهلال عياناً بالعين المجردة أو بأية وسيلة بصرية تحقق ذلك. ويمثل هؤلاء جميع دول شرق آسيا كباكستان والهند وأفغانستان وبنغلاديش. وكذلك تفعل سلطنة عمان التي تعتمد منهجاً واضحاً وصريحاً فلا رصد إلا في يوم يمكن للهلال فيه أن يكون مرئياً فوق الأفق.

ولذلك، فرمضان في هذه البلدان سيكون على القطع يوم الخميس 17 مايو/أيار 2018، وذلك كما تظهره خريطة احتمال رؤية الهلال في العالم ليوم الأربعاء، حيث تقع أكثر بلدان العالم ضمن المنطقة الخضراء التي تشير إلى أن الراصدين سيرون الهلال بالعين المجردة بسهولة.

احتمالية رؤية هلال رمضان 2018 (محمد عودة/هاني الضليع)
احتمالية رؤية هلال رمضان 2018 (محمد عودة/هاني الضليع)

أما تلك البلدان التي غالباً تعتمد دقائق القمر بعيد غروب الشمس وتحكمها ظروف الرؤية المتقلبة فمن المحتمل أن يبدأ الشهر فيها يوم الأربعاء 16 مايو/أيار، فإن غم عليهم بسبب غبار كثيف أو غيم ولم يتقدم أحد للشهادة، فسيجتمع حينها معظم المسلمين على يوم الخميس كأول أيام الشهر الفضيل، وهو ما نرجوه. 
 
الهلال السميك
ولكن، لماذا يظن الناس أن هلال الليلة الثانية هو هلال كبير يشير إلى خطأ في الحسابات الفلكية؟ والجواب أن القمر أثناء دورانه حول الأرض يأخذ بالابتعاد عن الشمس شيئاً فشيئاً، فيزداد سمك الجزء المضاء منه. ولأن القمر -كما أسلفنا- لا يظهر كل شهر فوق المنطقة نفسها، فإنه بغيابه عنا في ليلة الرصد الأولى، سيكبر بشكل مؤكد في الليلة التالية، فإن لم يكن الشهر قد ثبت في الليلة السابقة، فإن (غير الخبراء) من الناس سيظنون بأن الشهر قد بدأ متأخراً، وأن البلد قد أخطأت في تحديد اليوم الأول منه.

وليس لذاك الكلام أي نصيب من الدقة، لأن كثيراً من الناس لا يفرقون بين مصطلحي اليوم والليلة؛ فالليل في الإسلام يبدأ مع غروب الشمس، فهو يسبق النهار، فإذا ما رأينا الهلال قلنا إن الليلة الأولى بدأت، ثم يتبعها اليوم حتى غروب الشمس لتبدأ الليلة الثانية، وعليه فسيكون القمر قد كبر أكثر ليعلن ابتداء الليلة الثانية لا اليوم الثاني. وهذا هو السر الذي يشْكل على أكثر الناس. 
 
كيف يرى الهلال
وحيث إن فرصة رؤية هلال شهر رمضان ستكون يوم الأربعاء 16 مايو/أيار مواتية لجميع سكان الكرة الأرضية، فما على المهتم إلا أن يخرج بُعيد غروب الشمس وينظر ناحية الغرب إلى اليسار قليلاً من موضع غروب الشمس ليرى هلالاً رفيعاً جميلاً يتلألأ عالياً في السماء فوق حمرة الشفق. وهي اللحظات التي يستمتع بها المصورون في التقاط صور للأفق الغربي، خاصة أن كوكب الزهرة الساطع سيكون موجوداً فوق القمر تماماً بمسافة تقل قليلاً عن ارتفاع القمر عن الأفق الغربي.
________________
* عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

المصدر : الجزيرة