هل يمكن الاعتماد كليا على الطاقات المتجددة؟

The Robert W Scherer Power Plant, a coal-fired electricity plant operated by Georgia Power, a subsidiary of the Southern Company, in Juliette, Georgia, U.S. April 1, 2017. Picture taken April 1, 2017. REUTERS/Chris Aluka Berry To match Analysis USA-TRUMP/CLIMATE-POWER
محطات إنتاج الطاقة التقليدية ستظل تشكل المصدر الأول للطاقة في العالم لفترة طويلة (رويترز)

*الصغير الغربي

سجل قطاع الطاقات المتجددة نموا مهما خلال السنوات الماضية، مستفيدا من التطور التقني الذي أسهم في انخفاض كلفة إنتاجها، ومن الوعي العالمي بضرورة التخلي عن المصادر الطاقية الملوثة للبيئة، وهذا النمو يغذي الأمل في الوصول إلى الاعتماد كليا على الطاقات المتجددة في المستقبل. فهل أصبح هذا الهدف واقعيا أم ما زال بعيد المنال؟

تسجل الطاقات المتجددة أرقاما قياسية جديدة سنويا؛ فوفقا لتقرير "شبكة سياسة الطاقات المتجددة للقرن 21″، وهي شبكة دولية تضم حكومات ومنظمات غير ربحية ومراكز بحث، يوجد مقرها في باريس، سجلت الطاقة المتجددة المركزة حديثا -بجميع أنواعها بما في ذلك الطاقة الكهرومائية- رقما قياسيا جديدا في عام 2016، بتوفير 161 غيغاواطا إضافية، تمثل زيادة في الإنتاج العالمي بنسبة 9% تقريبا مقارنة بعام 2015، لتتخطى بذلك حاجز ألفي غيغاواط.

وكانت الطاقة الشمسية الكهروضوئية هي الأكثر تطورا في السنة الماضية، حيث شكلت نحو 47% من إجمالي الإضافات، تليها طاقة الرياح بنسبة 34%، والطاقة الكهرومائية بنسبة 15.5%.

ومع هذا النمو، بدأت تتشكل ملامح انقلاب للموازين لفائدة الطاقات المتجددة على حساب الطاقات التقليدية، إذ إن نمو الطاقات المتجددة أصبح أكبر من نمو الطاقات التقليدية، لتشكل نسبة وصلت إلى 24.5% من مجموع الطاقة المنتجة في العالم في السنة المنقضية مقابل 19.3% عام 2015.

كما تواصل كلفة الطاقات النظيفة الانخفاض، وأصبحت من بين الخيارات الأقل تكلفة بعد أن تراجع سعر الكيلوواط ساعة في بعض الدول إلى نحو 0.05 دولار، وهو دون سعر الكهرباء المولدة من الطاقة الأحفورية أو من الطاقة النووية.

من ناحية أخرى، ترافق هذا النمو مع دحض أفكار مثل تلك التي تقول إن الدول المتقدمة أو الغنية وحدها قادرة على تركيز الطاقات النظيفة، بعد أن شهدت السنوات القليلة الماضية تركيز العديد من البلدان النامية على مشاريع إنتاج طاقات نظيفة لفائدة القرى والتجمعات المعزولة، كما هي الحال في بنغلاديش، وإنشاء محطات لتوليد الطاقة من الرياح والشمس على غرار المغرب.

‪الاحتباس الحراري الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري يزيد ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي‬ (أسوشيتد برس)
‪الاحتباس الحراري الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري يزيد ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي‬ (أسوشيتد برس)

كما دحض هذا النمو فكرة عدم إمكانية الاعتماد على الطاقات المتجددة وحدها بسبب عدم انتظامها الذي يسبب فائضا في الإنتاج أو نقصا فيه عند زيادة الاستهلاك بعد أن سجلت كل من الدانمارك وألمانيا نجاحا غير مسبوق في إدارة ذروة الإنتاج خلال السنة الماضية، التي بلغت نسبة 140٪ و86.3٪ على التوالي من توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، دون الحاجة إلى تخزين إضافي.

ما سبق ذكره يراه البعض مؤشرا على أن الوصول إلى مرحلة الاعتماد الكلي على الطاقات المتجددة أصبح ممكنا على المدى المتوسط، لا سيما أن الكثير من المجتمعات المحلية كالقرى والمدن الصغيرة قد وصلت إلى هذا الهدف فعلا؛ ففي اليابان -على سبيل المثال- أصبح مئة مجتمع محلي تعتمد كليا على الطاقات النظيفة.

وكان قادة 48 دولة أكدوا خلال مؤتمر المناخ الذي انعقد في مراكش بالمغرب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي التزامهم بالعمل على الوصول إلى هدف الاعتماد الكلي على الطاقة المتجددة في دولهم، كما وضعت بعض الدول جدولا زمنيا لذلك، على غرار فرنسا والدانمارك اللتين وضعتا برامج مفصلة للوصول إلى هذا الهدف بحلول عام 2050.

ولا تعمل الدول فقط للوصول إلى هذا الهدف، بل تسعى كذلك الشركات الكبرى في العالم إلى تحقيقه؛ فقد أطلقت عام 2014 وخلال مؤتمر المناخ بنيويورك مبادرة عالمية تحت اسم "آر إي 100" لتشجيع الشركات العملاقة على اعتماد الطاقات النظيفة، وتضم هذه المبادرة اليوم 96 شركة عالمية، من بينها شركة غوغل التي تعمل على الوصول إلى هدف الاعتماد كليا على الطاقات النظيفة بنهاية العام الحالي، و"آبل" في، 2020 بينما بلغت مايكروسوفت هذا الهدف منذ عام 2014.

لكن، ورغم هذه الجهود فما زالت نسبة الطاقات المتجددة من جملة مصادر الطاقة المتوفرة محدودة؛ فهي لا تشكل سوى أقل من الربع (24.5%) خلال عام 2016 وبزيادة 5% فقط عن السنة التي سبقتها (19.3%). ويتطلب الوصول إلى الاعتماد كليا على الطاقات النظيفة بذل جهود مضاعفة على مدى عقود طويلة، خاصة مع النمو السريع للطلب العالمي على الطاقة، الذي قد يجعل من المستحيل بلوغ هذا الهدف.

‪يتزايد الاعتماد على الطاقة الشمسية كمصدر طاقة بديل للوقود الأحفوري‬ (غيتي)
‪يتزايد الاعتماد على الطاقة الشمسية كمصدر طاقة بديل للوقود الأحفوري‬ (غيتي)

واختلف الخبراء من ناحيتهم بشأن واقعية هدف الاعتماد كليا على الطاقات النظيفة على مستوى العالم، فحسب استبيان أورده تقرير "شبكة سياسة الطاقات المتجددة في القرن 21" الصادر في أبريل/نيسان الماضي، فإن غالبية خبراء الطاقة (71%) يوافقون على أن هدف الوصول إلى 100% من مصادر الطاقة المتجددة على المستوى العالمي قابل للتحقيق وواقعي، بينما رأى 17% منهم عكس ذلك، واحتفظ الباقون (12%) برأيهم.

ولئن اتفق الخبراء الأوروبيون والاستراليون والذين ينتمون للمنظمات الدولية المشاركين في الاستبيان على أن الاعتماد كليا على الطاقة المتجددة مُجدٍ من الناحيتين التقنية والاقتصادية، فإن نظراءهم الأميركيين واليابانيين يرون أن هناك جدوى اقتصادية وتوقعوا استمرار المشاكل التقنية، خاصة في ما يتعلق بتكنولوجيا التخزين والنقل.

لكن اعتقاد الخبراء بكون الاعتماد على الطاقات النظيفة أمر واقعي لا يعني أن ذلك سيصبح ممكنا بعد عقد أو عقدين أو حتى منتصف القرن الحالي؛ إذ لا يتوقع سوى 8% من الخبراء الوصول إلى هذا الهدف أو الاقتراب منه بحلول عام 2050، بينما يرى أغلبهم 56% أن نسبة الاعتماد على مصادر الطاقة ستتراوح بين 40 و70 %.

في المقابل، ترى منظمة "غرينبيس" (السلام الأخضر) في تقريرها الصادر منذ سنتين أن الوصول إلى الاعتماد الكلي على الطاقات المتجددة بحلول منتصف القرن أمر ممكن إذا تمت مواجهة ما أسمته "لوبي صناعات الوقود الأحفورية".

ويبدو الهدف واقعيا لأغلب العارفين بمجال الطاقات المتجددة، لكن يبقى السؤال: كم من الوقت يلزم لبلوغه؟
________________
* إعلامي تونسي متخصص في الشؤون العلمية

المصدر : الجزيرة