كيف ستغير إنترنت الأشياء حياتنا؟

A robot demonstrates a smart home system inside an exhibition venue during Alibaba Group's 11.11 Singles' Day global shopping festival in Shenzhen, China November 11, 2016. REUTERS/Bobby Yip
في المستقبل ستنشر المنازل الذكية التي تتصل معظم الأجهزة فيها بالإنترنت مثل الثلاجة والإنارة والتكييف (رويترز)

الصغير محمد الغربي*

إنترنت الأشياء هي واحدة من أهم التكنولوجيات المستقبلية التي من المتوقع أن تحدث تغييرا كبيرا في العالم من حولنا بإتاحة التواصل بين الآلات والتجهيزات والأشياء التي نستعملها في حياتنا وتجعلها تقوم بجل الأنشطة اليومية بدلا عن البشر، فإلى أين تتجه هذه التقنية؟

في يوم ما بعد عقد من الآن ستستيقظ من نومك كعادتك كل صباح وتفتح ستارة نافذة غرفة نومك قبل أن تغادر سريرك من خلال هاتفك الجوال، ومنه ستشغل جهاز القهوة ليعد لك قهوة الصباح، وأثناء ممارسة رياضتك الصباحية ستقوم ساعتك الذكية في معصمك بقياس نبضات قلبك وتشخيص حالتك الصحية بعد تحليل عرقك وإرسال النتيجة إلى طبيبك الخاص.

وأنت تغادر منزلك نحو مقر عملك ستختار سيارتك ذاتية القيادة أقل الطرق اكتظاظا بعد تحليل المعطيات عن حالة الطرق التي ستستقيها من خلال التواصل مع سيارات أخرى، وعند الوصول إلى مقر عملك لن تحتاج إلى ركنها بل ستتكفل هي بإيجاد المكان المناسب لانتظارك، وفي غيابك ستقوم السيارة بتشخيص ذاتها لكشف أي عطل محتمل قبل وقوعه وتتصل بالمصنع لأخذ موعد لتغيير القطع التالفة.

وستعاين ثلاجتك ما تحتويه من أطعمة وتتصل بالمتجر للتزود بما تحتاجه من المواد حسب احتياجاتك، وسيتلقى هاتفك الذكي رسائل من أجهزة منزلك ومن سيارتك عند الحاجة للصيانة أو لإبلاغك بكل طارئ وسيكون بإمكانك التحكم بها جميعا من خلال تطبيقات هاتفك.

ثلاجة ذكية متصلة بالإنترنت لشركة إل جي (رويترز)
ثلاجة ذكية متصلة بالإنترنت لشركة إل جي (رويترز)

هذه بعض مظاهر حياتنا اليومية في ظل إنترنت الأشياء وتطبيقاتها التي ستنفذ إلى أبسط الأشياء في حياتنا المستقبلية، ويعتقد الكثيرون أننا حاليا في مرحلة مبكرة من عصر سترسم ملامحه بعض التكنولوجيات المتطورة مثل الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء، ويشبهون أيامنا هذه بفترة العصر الحجري التي سبقت تطور الحضارات البشرية.

ورغم أن مصطلح إنترنت الأشياء يعود إلى حوالي عقدين من الزمن فإن التقنيات التي تعتمد عليها لم تظهر إلا خلال السنوات القليلة الماضية، فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة عام 1999 عنوانا لمحاضرة قام بها خبير التكنولوجيا والأستاذ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا كيفن آشتون وصف فيها استعمال رقاقات راديو لاسلكية (RFID) في نظام التزود عبر الإنترنت الذي اعتمدته "شركة بروتكتر آند غمبل".

ولخص آشتون رؤيته آنذاك في أن الحواسيب سيكون بإمكانها استقاء المعطيات دون مساعدة مباشرة من البشر وتحويلها إلى معلومات مفيدة، وسيكون ذلك ممكنا عبر المستشعرات ورقاقات راديو لاسلكية، وهو ما سيتيح للحواسيب مراقبة العالم والتعرف على ما حولها.

الموجة الثالثة
وفي العام الماضي صدر كتاب للرئيس التنفيذي السابق لشركة "أي أو أل" ستيف كيس بعنوان "الموجة الثالثة" حدد فيه بدقة مراحل تطور الشبكة العنكبوتية، وقال إن إنترنت الأشياء تمثل الموجة الثالثة في تاريخ الإنترنت.

من المنتظر أن يقفز عدد الأشياء المرتبطة بالإنترنت من حوالي ثمانية مليارات حاليا -حسب مؤسسة غاتنر-إلى خمسين مليارا بحلول عام 2020

وذكر الكاتب أن الموجة الأولى بدأت في مطلع التسعينيات من القرن العشرين مع ظهور تقنية الويب وانتشار الإنترنت عالميا، أما الموجة الثانية فقد انطلقت في مستهل القرن الـ21 بتطوير محركات بحث قوية لمساعدة المستخدمين على تصفح مليارات صفحات الويب المفهرسة وظهور شبكات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية، وفي وقت لاحق ظهرت الأجهزة الذكية التي أتاحت إمكانية الارتباط بالشبكة دون الحاجة للحواسيب.

أما الموجة الثالثة والتي نعيش بداياتها منذ سنوات قليلة فقد أتاحت ربط الأجهزة والأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية كالأجهزة المنزلية والسيارات ومكونات المنزل والمكتب بالإنترنت بهدف جمع بيانات عنها والتحكم فيها آليا.

ويبدو أن الموجة الثالثة ليست سوى بداية لعصر جديد سيحدث ثورة حقيقية في حياتنا، إذ تتوقع دراسات علمية أنه سيكون بالإمكان تأمين 80% من أنشطتنا اليومية بواسطة إنترنت الأشياء خلال العقود القادمة.

ومن المنتظر أن يقفز عدد الأشياء المرتبطة بالإنترنت من حوالي ثمانية مليارات حاليا -حسب مؤسسة غاتنر- إلى خمسين مليارا بحلول عام 2020، وهو ما يشير إلى أن هذه التكنولوجيا ستكتسح مجالات جديدة بقيت إلى وقت قريب من اختصاص البشر، كمجالات الصحة والصناعة والزراعة.

إنترنت الأشياء والصحة
ففي المجال الصحي -على سبيل المثال- تجري حاليا تجربة العديد من التقنيات التي تعتمد على إنترنت الأشياء لمتابعة حالة مرضى السكر والبنكرياس والقلب، ومن هذه التقنيات الجديدة منظومة البنكرياس الصناعية التي تعتمد على إنترنت الأشياء وتمت تجربتها على عشرات الأشخاص في الولايات المتحدة، وبإمكان هذا الجهاز إمداد الجسم بالكمية المناسبة له من الأنسولين بفضل حاسوب مصغر يعمل على تعديل هذه الكميات بشكل متواصل بعد تحليل المعطيات الخاصة بكميات السكر في الدم عبر مستشعرات خاصة، ولا يتطلب عمل هذا الجهاز أي تدخل بشري.

وما تجدر الإشارة إليه هو أن أغلب هذه التقنيات يجري تطويرها بالتعاون بين شركات مختصة في تصنيع الأدوية وشركات تعمل في مجال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات، من ذلك منظومة "بلو سكاي" التي تعمل كل من شركة "آي بي أم" ومختبرات "فايزر" على تطويرها، ومن المتوقع طرحها في الأسواق بحلول عام 2019، ومشروع العدسات الذكية الذي تطوره مختبرات "نوفارتيس" بالتعاون مع شركة غوغل لمراقبة مستوى السكر في الدم من خلال تحليل الدموع.

إنترنت الأشياء الصناعية
في مجال الصناعة يتحدث الكثير من الخبراء عن ثورة صناعية جديدة بفضل إنترنت الأشياء التي ستكون إلى جانب تكنولوجيات أخرى كالذكاء الصناعي من مكونات العصر الصناعي الرابع، وهذا المصطلح الأخير يطلق عليه كذلك اسم عصر إنترنت الأشياء الصناعية وسيمكن من خلق ثروة قد تصل قيمتها عالميا إلى 11 تريليون دولار بحلول عام 2025.

وحسب الخبراء، فإن العصر الصناعي الجديد سيمكن من مضاعفة المردودية في العمل وخفض تكلفة الإنتاج بحوالي 30% وزيادة مدة صلاحية المنتجات بحوالي 30% كذلك.

إنترنت الأشياء ستغزو المصانع وستزيد مردودية العمل مع خفض تكلفة الإنتاج (رويترز)
إنترنت الأشياء ستغزو المصانع وستزيد مردودية العمل مع خفض تكلفة الإنتاج (رويترز)

ويرى الكثير منهم أن أيام توقف المصانع عن العمل نتيجة الأعطال أصبحت معدودة بفضل إنترنت الأشياء، إذ لن تكتفي المستشعرات المدمجة في آلات التصنيع في المستقبل بمراقبتها واكتشاف مواطن الضعف فيها قبل حصول العطل فحسب بل ستتمكن هذه الآلات كذلك من القيام بعمليات الصيانة الذاتية كما يؤكد الباحثون في مشروع ساليوس العلمي الذي تشارك فيه مجموعة من المؤسسات العلمية الأوروبية والمصنعين، من بينهم شركة فورد.

ويجمع المهتمون بتكنولوجيا إنترنت الأشياء على أن أهميتها ستزداد في المستقبل وستواصل انتشارها السريع في مجالات مختلفة، وهي تسير حثيثا لتصبح "إنترنت كل شيء".

لكن هناك عقبات كثيرة تقف في طريقها وتكشف نقاط ضعفها، أهمها مسألة السلامة، فالثغرات الأمنية على الشبكة ليست قليلة، وخير دليل على ذلك الهجوم الكبير على العديد من المواقع الأميركية الذي حصل خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتبين التحقيقات أن القراصنة استغلوا أجهزة متصلة بالإنترنت لتمرير برمجيات خبيثة داخلها.
_______________
*إعلامي تونسي متخصص في الشؤون العلمية

المصدر : الجزيرة