تسارع الكون والطاقة المظلمة

An undated handout picture made available by NASA on 08 September 2014 shows a NASA and European Space Agency (ESA) Hubble Space Telescope image of a spiral galaxy known as PGC 54493, located in the constellation of Serpens (The Serpent). This galaxy is part of a galaxy cluster that has been studied by astronomers exploring an intriguing phenomenon known as weak gravitational lensing. This effect, caused by the uneven distribution of matter (including dark matter) throu
نحو 95% من الكون مؤلف من مادة مظلمة وطاقة مظلمة وكلاهما مسمى لمكونات مجهولة حتى الآن (الأوروبية)

*أ.د محمد باسل الطائي

كانت نظرية الانفجار العظيم (Big Bang) قد تنبأت بأن معدل درجة حرارة الفضاء الكوني الآن في حدود ثلاث درجات فوق الصفر المطلق أي 270 درجة تحت الصفر المئوي. هذه الحرارة ناتجة عن إشعاعات نشأت أساسا بعد ولادة الكون بحوالي 380 ألف سنة حيث انطلقت هذه الإشعاعات في لحظة اجتماع الإلكترونات الشاردة الحرة مع نوى الذرات، وبالأخص نوى ذرات الهيدروجين والهيليوم والليثوم. فكانت كل ذرة قد أصدرت قدرا من الطاقة شكل فيما بعد حماما حراريا عند درجة حرارة ثلاثة آلاف درجة مطلقة شمل الكون كله.

وبسبب توسع الكون هبطت درجة حرارته حتى صارت الآن في حدود ثلاث درجات مطلقة. هذه الحرارة التي تحف الكون كله بشكل متجانس من جميع جوانبه سميت إشعاع الخلفية الكونية المايكروية (Cosmic Microwave Background Radiation) وقد اكتشفها المهندسان آرنو بنزياس وروبرت ولسن في مختبرات بل في الولايات المتحدة الأميركية عام 1965. 

لقد قادت نتائج أرصاد الخلفية الكونية المايكروية علماء الكونيات إلى القول بأن الكون بجملته العظمى مسطَّح مكانيا (Spatially Flat). وجاء هذا الاكتشاف عندما تم رصد الإشعاع من ثلاث نقاط حيث تم التحقق من أنها تؤلف مثلثا مجموع زواياه 180 درجة. ولو كان مجموع الزوايا يزيد على 180 درجة لعلمنا أن الكون محدب مكانيا بتحدب موجب ولو كان مجموع الزوايا أقل من 180 درجة لقلنا إن الكون محدب مكانيا بتحدب سلبي كما مبين في الشكل التالي:

undefined
 

وإذا كان الكون مسطح مكانيا فهذا معناه أن الكون يمتلك معدل كثافة يساوي مقدارا معينا يسمى الكثافة الحرجة. لذلك وقع علماء الكونيات في بداية التسعينيات من القرن الماضي في حيرة، وذلك لأن المادة المنظورة في الكون لا تتعدى 4% فقط من كمية المادة اللازمة لكي يبلغ الكون الكثافة الحرجة ويصبح مسطح مكانيا. إذن أين الكمية الباقية من المادة وهي 96% من محتوى الكون. قالوا في البداية إنها مادة مظلمة (Dark Matter).

لكن بعض علماء الكونيات شكك في مقدار ثابت هابل (Hubble Constant) المستعمل في الحساب، وقالوا إن قياس المسافات الكونية غير مضبوط فنحن لا نمتلك وسيلة قياسية لضبط هذه المسافات. ولذلك فإن علينا قبل القرار بشأن كثافة المادة أن نقرر وسيلة دقيقة لقياس المسافات. ووجد علماء الكونيات ضالتهم في المستعرات العظمى أو سوبرنوفا (Super Nova) وهي النجوم المتفجرة، إذ اكتشفوا أن نوعا منها يمكن أن يصلح دليلا للمسافة. فهذا النوع من المستعرات يطلق كمية كبيرة من الطاقة لحظة انفجاره يسطع بها لمدة محدودة.

وبالتالي يمكن أن تكون هذه المستعرات بمثابة مصابيح أو "شموع قياسية" (Standard Candles) كما تسمى الآن. فلو استطعنا رصد هذه الشموع وقت انفجارها وتمكنا من قياس سطوعها الظاهري لتمكنا من حساب بُعدها عنا باستخدام قانون التربيع العكسي الذي يقرر أن سطوع النجم يتخافت مع مربع المسافة. ولما كان سطوعها في مواقعها (أي نورانيتها) معروف نظريا فإن قياس سطوعها عمليا سيؤدي إلى معرفة بعدها عنا.

‪انفجارات السوبرنوفا تساعد على قياس بعد تلك النجوم عنا وبالتالي معرفة المسافات الكونية على نحو أفضل‬ (الأوروبية)
‪انفجارات السوبرنوفا تساعد على قياس بعد تلك النجوم عنا وبالتالي معرفة المسافات الكونية على نحو أفضل‬ (الأوروبية)
بهذه الطريقة نتمكن من معرفة أبعاد التكوينات المجرية التي تنتمي إليها تلك النجوم المتفجرة؛ وبالتالي نتمكن من معرفة المسافات الكونية على نحو أفضل، ونستطيع عندها استخدام قانون هابل على نحو دقيق، لنستطيع من خلال هذه الأرصاد حساب ثابت هابل حسابا دقيقا.

وهكذا توجهت تلسكوبات العالم لرصد انفجارات السوبرنوفا وتمكنت المراصد الفلكية عبر العالم من تنسيق أعمالها لتحصيل أفضل الأرصاد. ومن تحليل هذه الأرصاد اكتشف علماء الكونيات أن الكون يتوسع بتسارع وليس على نحو متباطئ كما كان متوقعا. وقد منحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2012 لهذا الاكتشاف. وهكذا صار على النظريين أن يفسروا ذلك التسارع.

إن مثل هذا التسارع لا يمكن أن يحصل ما لم تتوفر في الكون طاقة من نوع ما تكسب المجرات هذه السرعة العالية وتجعلها تتنافر. هنا ابتدع علماء الكونيات مصطلحا جديدا هو "الطاقة المظلمة" (Dark Energy). هذه الطاقة الافتراضية، التي لم تعرف ماهيتها على وجه الدقة، يفترض علماء الكونيات أنها تملأ الكون في كل جنباته وهي التي تدفع بالمجرات في الهروب المتسارع لبعضها من بعض.

وبموجب تقديرات تحليل الخلفية الكونية المايكروية فإن حالة الكون حاليا يمكن وصفها بأنها تتألف من مادة عادية (تسمى باريونية) تشكل حدود 4.6% وهي المرئية و23% منه مادة مظلمة و72% طاقة مظلمة. وفي كل الأحوال يبقى ما نعرفه عن الكون حتى الآن هو المادة المرئية فقط أما المادة المظلمة والطاقة المظلمة فكلاهما مسمى لمكونات مجهولة حتى الآن. 

 
________________
*أستاذ الفيزياء الكونية في جامعة اليرموك الأردنية

المصدر : الجزيرة