استخدام البكتيريا لزيادة إنتاج النفط

FILE - In this Jan. 18, 2012 file photo, the Hovensa oil refinery in St. Croix, U.S. Virgin Islands. The government of the U.S. Virgin Islands is suing a major oil company over pollution leaking from a now-shuttered refinery that was once among the world’s largest. The complaint filed Monday alleges a decades-long pattern of misconduct by top executives at U.S.-based Hess Corporation. The Hovensa refinery on St. Croix was a joint venture between Hess and Venezuela's state-owned oil company. It closed in January 2012 following years of weak demand, high operating costs and environmental problems. (AP Photo/Jason Bronis, File)
مصفاة نفط أميركية في الجزر العذراء (أسوشيتد برس)
المهندس أمجد قاسم*

رغم التطور الكبير الذي تحقق في مجال استكشاف واستخراج النفط الخام من باطن الأرض، فإن جزءا كبيرا من هذه الثروة الطبيعية المكتشفة تبقى دون استخراج بسبب لزوجتها العالية والتصاقها بالصخور والتجاويف السفلية.

ويقدر أن نصف كمية النفط المكتشفة تبقى في آبار النفط ويتعذر استخراجها بالطرق التقليدية والاستفادة منها. وقد طورت عدة تقنيات للاستخلاص المعزز للنفط ولرفع الضغط في الآبار، ومن هذه الطرق المعالجة الحرارية وضخ الماء وبخاره وإضافة بعض المواد الكيميائية، وهي تهدف إلى تقليل لزوجة النفط الخام المتبقي في البئر. وقد أثبتت هذه الطرق نجاحها وقدرتها على زيادة الإنتاجية.

ميكروبات واعدة
رغم أهمية وفعالية الطرق السابقة المعززة لاستخراج النفط الخام، فإنه تتبقى كميات ضخمة من النفط الخام في الآبار يتعذر استخراجها، وهذا شجع الباحثين على البحث عن طرق جديدة لتعزيز الإنتاجية واستخراج النفط الثقيل والنفط الشديد الثقل اللذين يتميزان بلزوجتهما العالية، كما هو الحال في بعض الآبار في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وفي ألبرتا الكندية وحزام أورينوكو الفنزويلي وفي بعض حقول النفط بالشرق الأوسط.

الباحثون يلجؤون إلى تشجيع نمو تلك البكتيريا في مختبرات خاصة، ثم تحقن في بئر النفط مع ماء الحقن المزود بالعناصر الغذائية اللازمة لنمو تلك الكائنات المجهرية والأوكسجين

ومن الطرق الحديثة المعززة لاستخراج النفط الخام والتي حظيت باهتمام كبير، استخدام بعض سلالات البكتيريا، حيث يتم استغلال نشاط هذه الميكروبات لتحرير النفط الثقيل العالق بالصخور وتقليل لزوجته، مما يؤدي إلى استئناف ضخ النفط من الآبار التي توقف إنتاجها.

وفي العادة، تستخدم بعض سلالات البكتيريا الموجودة في الأوحال النفطية المترسبة في أعماق الأرض، أو يتم استنباط أنواع جديدة من البكتيريا المعدلة وراثيا، وهي تعمل على تحلل النفط الثقيل أو النفط الشديد الثقل العالي اللزوجة لتحويله إلى نفط أقل لزوجة يمكن استخراجه من الآبار بسهولة.

ويلجأ الباحثون إلى تشجيع نمو تلك البكتيريا في مختبرات خاصة، ثم تحقن في بئر النفط مع ماء الحقن المزود بالعناصر الغذائية اللازمة لنمو تلك الكائنات المجهرية والأوكسجين في بعض الأحيان، ثم يقفل البئر لعدة أيام وقد تمتد إلى عدة أسابيع، وخلال تلك الفترة تتكاثر البكتيريا على سطوح الصخور وفي المسامات والشقوق الدقيقة العالق فيها النفط الثقيل. كما تفرز تلك الكائنات الدقيقة بعض الأحماض العضوية والغازات التي تختلط مع زيت البترول، مما يؤدي إلى تقليل لزوجة النفط الثقيل، وهذا يسهل حركته وخروجه من طبقة المصدر إلى طبقة المستودع لاستخراجه من البئر.

هذا، وتستخدم في العادة طريقتان لتعزيز إنتاجية النفط باستخدام البكتيريا: الأولى عن طريق حقن البكتيريا في المكمن مع محاليل المواد المغذية لكي تنمو في طبقة المصدر وتنتج المواد الحيوية التي تعمل على دفع النفط الثقيل نحو البئر، والثانية بحقن المحاليل التي نمت فيها البكتيريا بشكل جيد داخل المكمن لاستخلاص النفط الخام.

لقد أجريت عدة تجارب منذ ستينيات القرن الماضي، وقد استخدم في بعضها بكتيريا لاهوائية، وفي البعض الآخر بكتيريا هوائية مع مواد حمضية مائية. وهذه التجارب أجريت في أميركا وهولندا، وقد توصل الباحثون إلى أنه بعد ستة أشهر من الحقن، حدثت زيادة واضحة في الإنتاجية في عدد من الآبار.

ظروف قاسية
وتعد طريقة استخدام الميكروبات لتعزيز إنتاج النفط (أم.إي.أو.آر) من أحدث الطرق المتبعة حاليا لزيادة إنتاجية الآبار التي قل إنتاجها بشكل كبير، أو التي تم هجرها من قبل الشركات المستخرجة للنفط.

تقنية استخدام البكتيريا لتعزيز إنتاج النفط الخام تتميز بكونها آمنة حيث لا تستخدم فيها مواد كيميائية ضارة كما في بعض الطرق الأخرى الخاصة بتعزيز الإنتاجية

ويرتبط نجاح هذه التقنية الحيوية على مدى قدرة الهندسة الوراثية على تعديل بعض سلالات البكتيريا لتصبح قادرة على تحسين ورفع إنتاجية آبار النفط، ومدى قدرة تلك الكائنات المجهرية على تحمل درجات الحرارة العالية في الأعماق والضغط المرتفع والملوحة العالية داخل الآبار، وهذا يستدعي من الباحثين تزويد تلك الكائنات بجينات خاصة تمكنها من تحمل تلك الظروف القاسية.

هذا، وتتميز تقنية استخدام البكتيريا لتعزيز إنتاج النفط الخام بأنها آمنة حيث لا تستخدم فيها مواد كيميائية ضارة كما في بعض الطرق الأخرى الخاصة بتعزيز الإنتاجية، إذ إن تلك المواد المستخدمة قد تشكل خطرا على القائمين على صناعة استخراج النفط، وقد تلحق أضرارا كبيرة بمعدات الحفر والأنابيب والبيئة.

لقد أثبتت التجارب التي أجريت على عدة أنواع من بكتيريا الأوحال النفطية قدرتها على زيادة إنتاجية آبار النفط القديمة، إلا أن نجاح هذه الطريقة مرتبط -وبشكل وثيق- بمدى قدرة الخبراء على توفير الظروف المناسبة لنمو وتكاثر تلك الكائنات المجهرية داخل الآبار.

يذكر أن استخدام تقنية "أم.إي.أو.آر" لتحسين إنتاجية آبار النفط يتم بعد انخفاض ضغط البئر بشكل كبير إثر استخراج نحو 50% من النفط الموجود فيها بطريقة تقليدية، وبعد تطبيق المعالجة الثانوية كالحقن بالماء أو الغاز الطبيعي أو غاز ثاني أكسيد الكربون وغيرها.

إن التقدم الكبير في مجال استخدام التقنية الحيوية في مجال الصناعة النفطية لا يقتصر حاليا على تعزيز الإنتاجية وحسب، بل تم اللجوء إلى هذه التقنية الواعدة في مجال الكشف عن مكامن النفط الخام، وإزالة الملوثات النفطية، وتحسين جودة المنتجات النفطية، وإنتاج بدائل طاقة غير تقليدية.

هذا، ويتوقع الخبراء حاليا أن يشهد الثلث الأول من القرن الحالي زيادة في كميات النفط المتدفقة إلى الأسواق في ظل اكتشاف مزيد من احتياطياته وتطوير طرق جديدة ومتقدمة لاستخراج مزيد من النفط من باطن الأرض بواسطة تقنيات كيميائية أو حرارية أو بيولوجية يتم تطويرها ودراستها حاليا، فما زال هناك كميات ضخمة من هذه الثروة سواء كنفط خفيف أو ثقيل أو زيت صخري وغيرها تنتظر من يستخرجها ولو بعد حين.
______________________
* كاتب علمي متخصص في هندسة تقنية الصناعات الكيميائية

المصدر : الجزيرة