الخط العربي بين الورق والإنترنت

زائر يتفرج على إحدى اللوحات المعروضة في مهرجان الخط العربي في بغداد أكتوبر 2015
الخط العربي يتميز بجمالياته وتنوع رسمه لكنه يفتقر لهذا التنوع عندما ينتقل إلى الإنترنت (الجزيرة-أرشيف)

أمين علوان

على الرغم من عراقة الخط العربي وتميزه على العديد من الخطوط العالمية بجماله وروعته، واعتباره أحد أهم فنون الحضارة العربية، فلقد بقي هذا الجمال حبيس الورق ولم يمتد إلى الإنترنت، حيث تكاد تكون معظم المواقع العربية نسخا متشابهة في أنواع الخطوط المستخدمة فيها، فحتى تلك المواقع التي تحاول استخدام خطوط عربية مميزة تواجه العديد من التحديات لضمان ظهور الخط العربي بطريقة صحيحة في برامج تصفح الإنترنت المختلفة وعلى جميع أنواع أجهزة الهاتف والحاسوب.

وهنا لا بد من التنويه إلى أن برامج التصميم مثل الفوتوشوب وغيره تحتوي على عشرات الخطوط العربية المختلفة، لكن هذه البرامج متخصصة في إنتاج الصور حصرا وليس النصوص المخصصة للقراءة.

فعدد الخطوط العربية الرقمية الحالية لا يتجاوز الخمسمئة خط، معظمها غير صالح للاستخدام على الإنترنت، وبالمقابل هنالك ما يزيد عن عشرات الآلاف من أنواع الخطوط اللاتينية المستخدمة على الإنترنت. فما أسباب قلة الخطوط العربية على الإنترنت؟ وهل الخطوط العربية لها حقوق ملكية؟ وهل تستطيع المواقع العربية الصغيرة استخدام خطوط مميزة محفوظة الحقوق؟ ما هي التقنية الجديدة "خط الويب" (webfont)؟ وهل يمكن أن تساهم في تنويع الخطوط العربية المستخدمة على الإنترنت؟

لا يتردد العديد من مصممي المواقع في الدخول إلى أي موقع ذي خط جميل وتحميل الخط واستخدامه في مواقعهم مع قناعة تامة أن ما فعلوه لا يشكل أي خطأ أو تجاوز

أبرز التحديات
يعتبر رسم خط عربي متقن وكامل مع مختلف علامات الترقيم والتشكيل مهمة صعبة ومكلفة، ويصعب على أي موقع تحملها.

كما أن الثقافة السائدة التي لا تعترف بحقوق الملكية لاستخدام الخطوط العربية على شبكة الإنترنت تؤثر سلبا أيضا، فلا يتردد العديد من مصممي المواقع في الدخول إلى أي موقع ذي خط جميل والقيام بتحميل الخط واستخدامه في مواقعهم مع قناعة تامة أن ما فعلوه لا يشكل أي خطأ أو تجاوز، مما يقلل فرص قيام استثمارات حقيقية في مجال تطوير الخطوط العربية، أو حتى حصول رسّامي الخط العربي على أي مردود مادي أو حتى تقديري.

يذكر أيضا أن أهم منصات تصميم المواقع العالمية مثل "وورد برس"، و"ويكس" و"ويبلي" وغيرها لا تدعم أي خط عربي ضمن إعداداتها الافتراضية، ولكن الخط الذي يظهر للقارئ يعتمد على إعدادات جهازه المستخدم في القراءة، فيمكن أن يظهر النص بنوع خط يختلف عند تصفح الموقع من جهاز لآخر أو عند التصفح من تطبيقات مختلفة على نفس الجهاز. وهي حال معظم المواقع العربية، مما يجعل القارئ يرى نفس نوع الخط في معظم المواقع.
 
فوائد الخطوط الاحترافية العربية:
تكمن أهمية الخطوط الاحترافية في تسهيل عملية القراءة وزيادة نسبة المقروئية ودرجة وضوح النصوص بالإضافة إلى الناحية الجمالية، فهي جزء أساسي من تصميم الموقع ومظهره وطابعه العام. وتعكس حسّا ثقافيا عربيا خالصا واهتماما وتقديرا للغة العربية.

كما أن استخدام نوع الخط المناسب والمقترن بالحجم المناسب يساعد على ظهور النص بالحجم المناسب الذي يتغير حسب الجهاز المستخدم ليتلاءم مع حجم الشاشة ودقتها وغيرها من التفاصيل.

ويساعد نوع الخط على عكس المزاج المناسب لموضوع النص، فلربما يناسب الخط الكوفي كتابة عنوان حدث معين، وقد يناسب خط الثلث أو الخط الأندلسي وما يشابهما كتابةَ قصيدة شعرية، ولكنها جميعا وبالتأكيد لا تناسب كتابة طرفة أو قصة للأطفال.

تقنية "خط الويب" وهي تقنية تساعد المواقع الإلكترونية المختلفة على تطبيق نوع الخط المختار، مع الاحتفاظ بحقوق ملكية الخط لصاحبه

تقنية "خط الويب"
كل هذه الفوائد ساهمت في دفع المهتمّين باللغة العربية لتبني تقنية "خط الويب"، وهي تقنية تساعد المواقع الإلكترونية المختلفة على تطبيق نوع الخط المختار، مع الاحتفاظ بحقوق ملكية الخط لصاحبه، وهي تقوم أساسا على استعارة أو استئجار نوع الخط لفترة معينة.

وقد طرحت شركة غوغل منصّة مجانية بهذه التقنية، ولكنها لا تزال تحتوي ثلاثة أنواع من الخطوط العربية فقط، وهي خطوط تشابه خط النسخ إلى حد ما. بالاضافة للموقعين "تيبوتيك.كوم" و"فونتس.كوم"، وهما منصتان عالميتان للخطوط اللاتينية، وتقومان بطرح عدد محدود من الخطوط العربية والهندية والصينية وغيرها من اللغات.

كما ظهرت أول منصة عربية للخطوط المحفوظة الحقوق وتدعى "تايب ستيج" والتي طرحت خلال السنتين الأخيرتين ثمانية خطوط عربية ذات صبغة جمالية حديثة وسهولة في القراءة. وتتيح هذه المنصات فرصة تطبيق نوع الخط المراد على الموقع بشكل تجريبي لأي مستخدم ومساعدته على اختيار نوع الخط الملائم للموقع.

تحولت مصادر المعلومات خلال العشرين سنة الأخيرة من الكتب والمجلات والجرائد المطبوعة إلى المواقع الإخبارية والمعرفية والمنشورات الاجتماعية، ولكن كل هذه التغيرات لم تغير من واقع اعتماد اللغة على الأحرف المرسومة.

ويبقى رسم الحرف العربي على الإنترنت تحدياً لا بد من مواجهته، فالأحرف التي رسمت بها كلمات القرآن الكريم، وارتبطت بالزخرفة العربية وتحدث بها أكثر من 240 مليون شخص، لتكون اللغة العالمية الخامسة الانتشار (حسب إحصائية لصحيفة إندبندنت البريطانية لعام 2015)، تشكل جميعها دافعا لتطوير رسم الخط العربي على الإنترنت، ليصبح ركيزة يمكن أن يرتكز عليها المحتوى العربي على الإنترنت، والبالغ 3% فقط من إجمالي المحتوى العالمي، وهو ما يؤهل هذه اللغة لتحظى بالمزيد من الاهتمام منا جميعا لترسيخ مكانتها وتطوير رسم حروفها على الإنترنت كما على الورق.

المصدر : الجزيرة