الكولتان.. خام طبيعي هام لصناعة الأجهزة الحديثة

BERLIN, GERMANY - AUGUST 28: A chunk of tantalite ore, from which tantalum, a substance used in mobile phones, is derived, lies on a table at a press conference for a German government intiative to recycle mobile phones on August 28, 2012 in Berlin, Germany. The initiative, which is called: 'The Resources Expidition: Discover, What's In Your Mobile Phone!' ('Die Rohstoff Expidition: Entdecke, was in [d]einem Handy steckt!') will furnish schools nationwide with learning materials and a box of mineral samples in an effort to encourage schoolschildren to recycle their old mobile phones.
الكولتان يضم عنصر التانتالوم الذي يستخدم في صناعة الإلكترونيات الحديثة كالهواتف النقالة (غيتي إيميجز)

المهندس أمجد قاسم

يعرف الخام المعدني الطبيعي لعنصري النيوبيوم (Niobium) والتانتالوم (Tantalum) في أفريقيا باسم الكولتان، وقد تسبب هذا الخام في تأجيج كثير من الصراعات في الكونغو الديمقراطية -التي يوجد فيها أكبر مخزون في العالم- ورواندا، وحصد كثير من الأرواح في حروب طاحنة للسيطرة على أماكن التنقيب عن هذا الخام المعدني الهام للغاية في عدد كبير من الصناعات التكنولوجية الحديثة.

ويعود اكتشاف خام كل من عنصري النيوبيوم والتانتالوم إلى القرن الـ17، حيث عثر في منطقة حوض نهر كولومبيا في أميركا الشمالية على حجر معدني ثقيل أسود اللون، ونظرا لغرابته، نقل إلى المتحف البريطاني وعرض كأحد خامات الحديد، وفي العام 1801 أعلن الكيميائي البريطاني شارلز هاتشيت أن هذا الحجر عبارة عن خام لفلز جديد أطلق عليه كولومبيوم نسبة إلى نهر كولومبيا، وفي العام 1802 أعلن العالم السويدي أنديرز إكبرغ عن اكتشاف فلز جديد أطلق عليه التانتالوم نسبة إلى "تنتالوس" أحد الشخصيات في الأساطير الإغريقية، وتلا ذلك في العام 1820 استخلاصه بشكل نقي.

إلا أن التشابه الكبير بين الكولومبيوم والتانتالوم قاد إلى جدل كبير في الأوساط العلمية حول طبيعة كل من العنصرين، وهل هما مسميان للعنصر نفسه؟ وقد حسم هذا الأمر في العام 1846 العالم الألماني هنرخ روز الذي بين أن الكولومبيوم والتانتالوم عنصران مختلفان وأنهما يتشابهان في كثير من خواصهما، واقترح إطلاق اسم نيوبيوم بدلا من كولومبيوم نسبة إلى "نيوب" ابنة "تنتالوس" في أساطير الإغريق.

درجة انصهار النيوبيوم تبلغ 2468 درجة مئوية (غيتي إيميجز)
درجة انصهار النيوبيوم تبلغ 2468 درجة مئوية (غيتي إيميجز)

صفات متميزة
"النيوبيوم" و"التانتالوم" عنصران فلزان توأمان يوجدان في الغالب في نفس الخامات الطبيعية، وهما ينتميان إلى مجموعة العناصر الانتقالية في المجموعة الخامسة من الجدول الدوري.

ويتميزان بكثافتهما العالية ودرجة انصهارهما الحرارية المرتفعة التي تبلغ 2468 درجة مئوية للنيوبيوم (Nb) ذي اللون الرمادي، و2996 درجة مئوية للتانتالوم (Ta) ذي اللون الأزرق الرمادي.

كما يتميزان بالقابلية للطرق والسحب والصلادة العالية والتي تشبه صلادة الألماس، ويقاومان الحوامض وعوامل التآكل.

هذه المميزات الهامة للعنصرين شجعت الكثير من الشركات العالمية والدول على البحث عن خاماتهما في القشرة الأرضية، حيث تبين وجودهما في الصخور النارية الناتجة من الصهير الغرانيتي، وهذه الخامات موجودة -في الواقع- في عدد قليل من الدول، من أهمها الكونغو ورواندا وأستراليا -المنتج الرئيس للتانتالوم حاليا- وكندا والبرازيل والصين وتايلند وماليزيا، كما اكتشفت بعض الخامات في إثيوبيا ونيجيريا وموزمبيق وجنوب أفريقيا ومصر.

يذكر أن عملية استخلاص كل من العنصرين من خاماتهما الطبيعية وفصلهما عن بعضهما، يتطلب استخدام طرق متعددة من المعالجات الكيميائية، تبدأ بصهر الخام المعدني مع "كبريتات البوتاسيوم" ثم إجراء معالجة للناتج بحامض "الهيدروفلوريك" و"فلوريد البوتاسيوم" ثم إجراء عملية الاستخلاص عن طريق استخدام بعض المذيبات أو التحليل الكهربائي.

استخدامات هامة
نظرا للخصائص المتميزة لعنصري النيوبيوم والتانتالوم، صنفا من المعادن الإستراتيجية عالية الأهمية، حيث يستخدمان في كثير من الصناعات المدنية والعسكرية.

فعند خلط 0.05% من النيوبيوم مع الفولاذ، تنتج سبائك معدنية مقاومة للتآكل وتتحمل درجات حرارة عالية، وهذه السبائك تستخدم في صناعة عوادم الطائرات ومراوح المحركات النفاثة وبعض أجزاء الصواريخ والأسلحة الحديثة، كما تستعمل سبائك النيوبيوم والتانتالوم في صناعة المركبات الفضائية والأقمار الصناعية ومحركات الدفع النفاثة ومحركات الاحتراق عالية الأداء.

لصلادتهما الفائقة يستخدم النيوبيوم والتانتالوم بصناعة المركبات الفضائية (الأوروبية)
لصلادتهما الفائقة يستخدم النيوبيوم والتانتالوم بصناعة المركبات الفضائية (الأوروبية)

أما "كربيد النيوبيوم" و"كربيد التانتالوم" فهما من أكثر المواد صلادة، وهما يشبهان الألماس في ذلك، ويستخدمان في معدات قطع المعادن وآلات الحفر في أعماق الأرض للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والمياه الجوفية، كما يستعملان في صناعة بعض أجزاء المفاعلات النووية والمسارعات الذرية.

ومن الاستعمالات الهامة للنيوبيوم والتانتالوم أيضا استخدامهما في صناعة المكثفات الكهربائية وأجهزة التكنولوجيا المتقدمة، كالهواتف المحمولة والذكية وألعاب البلايستيشن والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة ومشغلات الأقراص المدمجة وأجهزة الاتصال بواسطة الأقمار الصناعية وأجهزة تحديد المواقع وغيرها الكثير من الأجهزة الحديثة التي غزت أسواق العالم، مما أدى إلى زيادة الطلب على "التانتالوم" وبالتالي ارتفاع سعره بشكل كبير، كما يستخدم "النيوبيوم" في صناعة المواد والمغانط فائقة التوصيل والمستخدمة في أجهزة الرنين المغناطيسي والماسحات الضوئية.

كذلك تستخدم مركبات هذين العنصرين في المجالات الطبية، وذلك نظرا لعدم تأثرها بالأوساط الحيوية في الجسم والسوائل المختلفة ومقاومتهما للتآكل، إذ تستخدم في صناعة أجزاء الجسم التعويضية، كالركبة والمفاصل وصمامات القلب، كما تستعمل في صناعة مسامير وقضبان تجبير العظام والمعدات الطبية الجراحية وأجهزة تنظيم دقات القلب والأنسولين وغيرها.

طلب متزايد
منذ العام 2000 وحتى الآن، تزايد الطلب العالمي على عنصري النيوبيوم والتانتالوم، مما أدى إلى ازدهار التجارة غير الشرعية لهما، وقد طالب مركز دراسات التانتالوم والنيوبيوم الدولي في بلجيكا بضرورة أن تتحرى الدول المستوردة لخامات هذين العنصرين عن مصادرهما وشرعية الاتجار بهما وتجنب خام الكولتان الذي يتم الحصول عليه من مناطق الصراعات، حيث تهرب كميات هائلة بشكل غير مشروع.
_______________
* كاتب علمي متخصص في هندسة تكنولوجيا الصناعات الكيميائية

المصدر : الجزيرة