القوة الناعمة للحليف الأول.. سوريا تتحدث الروسية

إعلان في شوارع دمشق لتعليم اللغة الروسية
إعلان في شوارع دمشق لتعليم اللغة الروسية (الجزيرة نت)

سلافة جبور-دمشق

مع اقتراب بداية العام الدراسي الجديد في سوريا، ينتاب رائدة طحان (18 عاما) القلق حيال ما ستدرسه في جامعة دمشق بعد حصولها على الشهادة الثانوية، وتنتظر إعلان معدلات القبول كي تختار بين فرعي اللغة الروسية أو اللغة الإنجليزية في كلية الآداب.

"اللغة الروسية تتطلب معدلا لا يقل عن كليات علمية مثل الهندسة والعلوم، في حين أن اللغة الإنجليزية تتطلب فقط معدلا مرتفعا في مادة الاختصاص، وأخشى ألا تسمح لي علاماتي التي حصلت عليها في الثانوية بدراسة اللغة الروسية في الجامعة رغم رغبتي الشديدة في ذلك"، تقول رائدة في حديث للجزيرة نت.

وتشير الفتاة إلى إقبالها على تعلم هذه اللغة في أحد المعاهد الخاصة منذ أكثر من عام، إيمانا منها بأهمية لغة الحليف الأول لسوريا، والدور الكبير الذي ستلعبه ثقافة هذا البلد بالنسبة للسوريين خلال الأعوام المقبلة.

استحداث قسم لتدريس اللغة الروسية بكلية الآداب في جامعة دمشق منذ أربعة أعوام لم يكن أول أو آخر فصول "الغزو الثقافي" الروسي لسوريا، حيث لم تكتفِ روسيا بالتدخل العسكري لصالح النظام السوري منذ ثلاثة أعوام، بل توجه اهتمامها لما يمكن أن يكون له أثر أكبر وأكثر استدامة داخل المجتمع السوري.

بعد الوجود العسكري الروسي في سوريا، جاء دور الوجود الثقافي(الجزيرة نت)
بعد الوجود العسكري الروسي في سوريا، جاء دور الوجود الثقافي(الجزيرة نت)

وآخر هذه التوجهات الروسية للتغلغل في المجتمع السوري، افتتاح أول مدرسة روسية في الشرق الأوسط بدمشق الشهر المقبل، حيث أعلنت وسائل إعلام روسية الأسبوع الماضي عن "أحد أهم الأحداث في التعاون الروسي السوري الإنساني في مجال التعليم مع بناء مدرسة روسية تحت إشراف الرئيس السوري بشار الأسد والجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية في روسيا، وباتباع مناهج روسية مترجمة إلى العربية".

يأتي ذلك -وفق حديث الإعلام الروسي- مع تزايد اهتمام السوريين بالتعليم العالي الروسي، وارتفاع شعبية اللغة الروسية في سوريا، حيث يتعلمها اليوم نحو 15 ألف شخص في أماكن مختلفة.

ومنذ ثلاثة أعوام، أدرجت وزارة التربية السورية اللغة الروسية في مناهجها كلغة أجنبية ثانية إلى جانب الإنجليزية، وبديلا اختياريا عن الفرنسية ذات التاريخ العريق في المدارس السورية. ووفق تصريحات لمسؤولين بالوزارة لوسائل إعلام سورية، فقد بلغ عدد المدارس التي تدرّس اللغة الروسية العام الماضي 170 مدرسة متوزعة على معظم المدن السورية، وذلك بالاستعانة بنحو مئة مدرس ومدرسة من سوريا ممن يتقنون اللغة، مع توقعات بازدياد العدد العام المقبل الذي سيبدأ مطلع سبتمبر/أيلول القادم.

كما افتتحت وزارة التعليم العالي السورية العام الماضي مركزا روسيا في جامعة دمشق لتنسيق التعاون بين الجانبين الروسي والسوري في مجال تعليم اللغة الروسية للطلاب السوريين.

إضافة إلى ذلك، توجهت العديد من مراكز ومعاهد اللغات الخاصة في مدن عديدة مثل دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس لتدريس اللغة الروسية بالاستعانة بمدرسين من روسيا أو محليين ممن يتقنون اللغة. ومن اللافت للنظر أن أحد تلك المراكز يقع في أحياء جنوب العاصمة التي عادت منذ ثلاثة أشهر فقط إلى سيطرة النظام السوري بعد سنوات من تواجد مقاتلي المعارضة المسلحة فيها، وذلك وفق ما نقلته شبكة "صوت العاصمة" من بلدة ببيلا منتصف يوليو/تموز المنصرم.

وزارة التعليم العالي السورية افتتحت العام الماضي مركزا روسيا في جامعة دمشق لتنسيق التعاون بين الجانبين(الجزيرة نت)
وزارة التعليم العالي السورية افتتحت العام الماضي مركزا روسيا في جامعة دمشق لتنسيق التعاون بين الجانبين(الجزيرة نت)

القوة الناعمة الروسية
المدرّس المتقاعد من كلية علم الاجتماع بدمشق عبد الحكيم م. يرى في كل ما سبق مؤشرا على الاهتمام المتزايد لروسيا بسوريا على المدى البعيد في مختلف المجالات، وليس فقط فيما يخص الوجود العسكري والميداني.

وتسعى روسيا -وفق حديث المدرس الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا- إلى استخدام ما يسمى "القوة الناعمة" في سوريا، حيث تضغط بوسائل مختلفة بعيدا عن الإكراه أو العنف لجذب أكبر عدد من السوريين إلى صفها، وطرح نفسها على أنها الحليف الأكبر للنظام عسكريا وسلميا.

ويرى أن الجانبين يسعيان لتبادل المنافع في مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية، فروسيا ضرورية لبقاء النظام السوري، ودمشق واحدة من الأوراق التي تلعبها موسكو في محاولتها لفرض نفسها كلاعب على المستوى الدولي لا يقل قوة عن الدول الكبرى الأخرى.

أما أحمد مفتاح (45 عاما) الذي يدرس اللغة الروسية في أحد المعاهد الخاصة بدمشق فله رأي مغاير، حيث لا يعتقد بوجود تدخل مباشر من روسيا لفرض لغتها داخل سوريا، وإنما هو توجه عام من سوريين أحبوا لغة حليف بلادهم وقرروا تعلمها بمبادرات فردية، خاصة مع ازدياد فرص ومنح الدراسة الجامعية في روسيا.

ويشير مفتاح في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذا الإقبال أتاح له -وهو خريج إحدى كليات الهندسة الروسية- العثور على عمل بدخل لائق، ورغم صعوبة تعليم اللغة للناطقين بغيرها فإن الشغف الذي يجده عند الطلاب يسهل من هذه المهمة، على حد تعبيره.

المصدر : الجزيرة