الأسد وروسيا في درعا.. فتش عن إسرائيل

An old military vehicle can be seen positioned on the Israeli side of the border with Syria, near the Druze village of Majdal Shams in the Israeli-occupied Golan Heights, Israel February 11, 2018. REUTERS/Ammar Awad
إسرائيل لعبت دورا رئيسيا في السماح بعودة قوات النظام للجنوب السوري (رويترز-أرشيف)

محمد النجار

وراء عربات حملت رجال أمن سوريين تقدموا بحماية الشرطة العسكرية الروسية نحو معبر نصيب الحدودي مع الأردن تختفي تفاصيل اتفاق كانت إسرائيل اللاعب الرئيسي فيه عقد في الخفاء بين "أعداء" وأطراف متناقضة يقضي بسيطرة قوات النظام السوري على الحدود مع الأردن والجولان المحتل.

وسلمت قوات المعارضة السورية أمس الجمعة المعبر الحدودي مع الأردن إلى شرطة مدنية سورية تنفيذا لاتفاق عقدته مع الجانب الروسي، على أن تستمر مراحل تنفيذ الاتفاق حتى بسط قوات بشار الأسد سيطرتها على كامل الشريط الحدودي مع الأردن.

وفي مرحلة لاحقة سيبدأ الروس مرحلة التفاوض وربما المواجهة مع قوات المعارضة الموجودة بالقرب من الحدود مع الجولان المحتل، وهذه قوات تتبع أغلبيتها لهيئة تحرير الشام "النصرة سابقا"، ومنطقة حوض نهر اليرموك التي يسيطر عليها "جيش خالد بن الوليد" الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية.

ضوء أخضر إسرائيلي
وبينما انتهت معارك الجنوب السوري بـ"هزيمة" قوات المعارضة كما قال المتحدث باسم غرفة العمليات المركزية في الجنوب إبراهيم الجيباوي للجزيرة مساء الجمعة يبدو أن "انتصار" قوات النظام السوري قد حدث هذه المرة بضوء أخضر إسرائيلي.

ومن المقرر أن تستكمل محادثات ستعقد هذا الأسبوع في موسكو بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وضع أسس اتفاق دائم شاركت فيه بشكل مباشر أو غير مباشر الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا وروسيا وإيران.

وزيارة نتنياهو هي الثانية في أقل من شهرين لموسكو، وبينهما زيارات قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان وقائد الشرطة العسكرية الروسية التي تتولى عملية التفاوض مع المعارضة السورية وتهيئة الأرض لسيطرة قوات النظام السوري على المناطق التي خسرتها منذ عام 2011.

وخلال المعارك -التي شهدتها درعا في الأيام القليلة الماضية- أبلغت إسرائيل نظام الأسد عبر روسيا والولايات المتحدة أنها توافق على انتشار قوات الجيش السوري في المنطقة الحدودية مع الجولان المحتل.

خطوط حمراء
وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي إن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزيف دانفورد نقل رسالة من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت إلى النظام السوري رسمت "خطوط إسرائيل الحمراء فيما يتعلق بالمعارك الجارية في منطقة درعا".

وهذه "الخطوط الحمراء" تتعلق برفض إسرائيل المطلق وجود قوات تابعة لإيران أو حزب الله اللبناني جنوب سوريا، والتزاما تاما من نظام الأسد باتفاقية فصل القوات لعام 1974، وبالبنود التي تحدد طبيعة الأسلحة والقوات السورية التي يمكن لها دخول المنطقة الحدودية.

إسرائيل لن ترد
وبحسب هآرتس، فإن الجيش الإسرائيلي أكد أنه "لن يرد على كل تحرك لدبابة سورية هنا أو هناك، لكنه يتوقع التزاما سوريا باتفاقية فصل القوات لعام 1974 مثلما كان الوضع منذ توقيعها"، وأنه سيراقب المنطقة ويسعى لمعرفة هوية القوات العاملة باسم الجيش السوري فيها.

ويؤكد خبراء ومحللون أن الضوء الأخضر الإسرائيلي ساهم في تغير الموقفين الروسي والأميركي من تقدم قوات النظام السوري للسيطرة على الجنوب السوري الذي كان ضمن مناطق خفض التصعيد بناء على الاتفاق الذي تم برعاية أردنية روسية أميركية في يوليو/تموز 2017، فحتى مايو/أيار الماضي كانت الولايات المتحدة تحذر من أي تحرك سوري نحو مناطق خفض التصعيد في الجنوب السوري، كما كانت القوات الروسية تمنع تقدم قوات النظام نحو درعا وجنوب سوريا.

هكذا تغيرت المواقف
لكن موقف البلدين تغير بشكل جذري بفعل تغير الموقف الإسرائيلي، وشرح المحلل العسكري والإستراتيجي الدكتور فايز الدويري للجزيرة خطوات التغير في المواقف:

أولا: إسرائيل كانت تتحدث عن رفضها وجود أي مليشيات إيرانية أو حزب الله على مسافة ثمانين كيلومترا من الحدود مع الجولان المحتل.

ثانيا: بعد زيارة قائد الشرطة العسكرية الروسية لإسرائيل مؤخرا تم الاتفاق على أن تنتشر قوات النظام السوري وفقا لاتفاقية الفصل بين القوات عام 1974، وأن على الميلشيات الإيرانية وحزب الله الابتعاد عن حدودها مسافة أربعين كيلومترا.

ثالثا: التغير في الموقف الإسرائيلي تبعه تغير مباشر في الموقف الأميركي الذي انتقل من التهديد الخشن لروسيا والنظام السوري إلى التحذير من أي عملية عسكرية في الجنوب وصولا للتخلي التام عن المعارضة الجنوبية.

رابعا: تبع ذلك تغير جذري في الموقف الروسي، من ضبابية موقفه من المشاركة أو عدمها في معارك الجنوب إلى المشاركة الفاعلة المدمرة وصولا لإعلان إلغاء مصطلح "خفض التصعيد".

مرحلي.. وإستراتيجي
وبرأي المحلل العسكري والإستراتيجي، فإن إسرائيل تراقب الآن الوضع، وقد يكون هناك اتفاق قريب يسمح بمشاركة قوات حزب الله والمليشيات الإيرانية في معركة السيطرة على الجزء الغربي من الجنوب السوري المحاذي للجولان المحتل، على أن تنسحب هذه القوات لمسافة تبعد أربعين كيلومترا عن خط الهدنة في الجولان بعد انتهاء معارك الجنوب.

وقال الدويري إن إسرائيل تستفيد من الوضع الحالي في سوريا، وإنها ستبقى على قرارها بمنع وجود إيران في سوريا، معتبرا أن الاتفاق الحالي "مرحلي"، وأن القرار الإستراتيجي الإسرائيلي هو منع أي وجود إيراني في "سوريا الأسد".

ولا يخفي المحلل السياسي والدبلوماسي الروسي السابق فاتشيسلاف ماتوزوف أن الروس سمعوا من مسؤولين إسرائيليين موافقة تل أبيب على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة ضمن خطة مع روسيا تمنح قواته السيطرة على كامل سوريا.

وفيما يرفع جنود الأسد صوره أثناء دخول قواتهم البلدات المدمرة تظهر روسيا بصفة صانعة للحرب والسلام، لكنها في جنوب سوريا تفعل ذلك وفق مقاس إسرائيل التي تضع الخطوط الحمراء والخضراء التي يلتزم بها الأسد حرفيا، في الوقت ذاته الذي يروج فيه إعلامه أن عودة قواته إلى الجنوب تمثل انتصارا لـ"حلف الممانعة والمقاومة" على الصهيونية.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الإسرائيلية