أزمة آل السبسي والشاهد والنهضة.. السرّ برئاسيات 2019

epa05453080 Tunisia's newly appointed prime minister Youssef Chahed speaks to media after being appointed by the Tunisian president at Carthage Palace in Carthage, Tunis,Tunisia, 03 August 2016. EPA/MOHAMED MESSARA
الشاهد مطالب بالاستقالة من طرف الرئيس السبسي ونجله حافظ، والنهضة تشترط عدم ترشحه للرئاسيات لدعمه (الأوروبية)

يزداد الغموض بشأن مصير حكومة رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بعد مطالبة الرئيس الباجي قايد السبسي له بالاستقالة أو طلب ثقة البرلمان، منضما بذلك إلى نجله حافظ الذي يدعو من مدة إلى تغيير الحكومة بسبب فشلها الاقتصادي، كما اشترطت حركة النهضة على الشاهد إعلان عدم الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2019 مقابل مواصلة دعم بقائه على رأس الحكومة.

ويرى مراقبون أن الشاهد يسعى لكسب الوقت قبل الاستقالة والتفرغ لمشروعه الرئاسي، فحتى دعوة السبسي لم تجد منه آذانا صاغية، وهو الذي يخوض معركة كسر عظام طاحنة في حزب نداء تونس ضد رئيس الحزب نجل الرئيس التونسي حافظ قايد السبسي.

وقد أصبح الصراع على السلطة بين الشاهد وحافظ قايد السبسي -بعد تقاربهما داخل حزب نداء تونس الفائز بانتخابات 2014- على أشده بعد طرح مسألة إقالته، مما دفع الشاهد لإعلان الحرب عليه بعد خطابه نهاية مايو/أيار الماضي الذي اتهم فيه ابن الرئيس بتدمير الحزب وتصدير أزمته إلى مؤسسات الدولة.

وقد كان البعض يعتقد أن هناك "أجندة خفية" بين يوسف الشاهد وحركة النهضة لدعم ترشحه بالانتخابات الرئاسية، لكونها دافعت عن استمرار بقائه على رأس الحكومة بحجة حماية الاستقرار السياسي، رافضة مطالب إقالته التي تؤججها حركته نداء تونس ونقابة اتحاد الشغل ومنظمات وأحزاب معارضة.

 

وهذه الأطراف تبرر مطالبتها بإقالة حكومة الشاهد جذريا وتغيير طاقمها الوزاري بتردي الأوضاع العامة على جميع المستويات، غير أن فقدانها للأغلبية المطلقة في البرلمان (109 صوتا) بعد رفض حركة النهضة (68 نائبا من جملة 217) الانخراط بهذا المسار، أكسب الشاهد "حصانة مؤقتة" من سحب الثقة منه.

دعم مشروط
وفي قراءته للأزمة الحالية، يرجع القيادي في حركة النهضة محمد القوماني الأزمة السياسية في البلاد إلى الصراع داخل حزب نداء تونس بين حافظ السبسي ويوسف الشاهد، ملاحظا أن غيوم تلك الأزمة ألقت بظلالها على مؤسسات الدولة، وأربكت عمل الحكومة والبرلمان والإدارات الحكومية أيضا.

ويقول للجزيرة نت إن استمرار الأزمة يعمق تعطيل حركة الدولة مع بروز استقالات في الحكومة، ويربك الإدارات الحكومية التي تعمل في مناخ من التردد، متوقعا أن تكون هناك تداعيات سلبية على البرلمان مع غياب أغلبية مستقرة تمرر القوانين، مما قد يفتح الباب أمام سيناريو الانتخابات المبكرة، وفق رأيه.

وعن رؤيته لمستقبل حكومة الشاهد، يقول القوماني إن رئيس الحكومة مطالب بالاستجابة لدعوة حزب حركة النهضة الداعمة له بإعلانه صراحة عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة عام 2019، والابتعاد عن الصراع الحزبي والتفرغ لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وإلا فإن الحركة ستتخذ "حلولا أخرى".

ويقول إن حركة النهضة ترى أن تغييرا جذريا للحكومة سيؤثر سلبا على استقرار البلاد، لكن رئيسها راشد الغنوشي اقترح خلال اجتماع قصر قرطاج الرئاسي الاثنين الماضي "حلا وسطيا"، يقضي بأن يبادر الشاهد بإجراء تعديل وزاري لطرح ثقة وزرائه الجدد على البرلمان، لاختبار موازين قواه في المؤسسة التشريعية.

القوماني: الأزمة السياسية في البلاد سببها الصراع داخل حزب نداء تونس (الجزيرة)
القوماني: الأزمة السياسية في البلاد سببها الصراع داخل حزب نداء تونس (الجزيرة)

انطلاق المعركة
ويقر نائب رئيس كتلة حركة نداء تونس محمد سعيدان بوجود إرباك كبير على العمل الحكومي والبرلماني بسبب الأزمة الداخلية في حزبه، كاشفا للجزيرة نت أن "هناك صعوبات داخل الكتلة لتوحيد مواقف نوابها بشأن التصويت لفائدة مشاريع قوانين حكومية، مثلما الحال لبعض الكتل الأخرى".

وهناك انقسام داخل حزب نداء تونس نفسه بشأن إقالة الشاهد، ولا يتبنى سعيدان فكرة إقالته في هذا الظرف، ومع ذلك يعلم أنه لا يوجد حاليا في الأفق حل للأزمة جراء تمسك كل الأطراف بمواقفها. ويقول "هذه المعركة بدأت للتو والحل الوحيد لحسمها هو الإسراع بعقد مؤتمر وطني لحزبنا".

ويبدو أن هناك توجها داخل حركة نداء تونس لعقد مؤتمرات محلية تختتم بتنظيم مؤتمر انتخابي لتجديد القيادات داخل الحزب قبل نهاية العام الجاري. ويقول سعيدان إن "تعطل تنظيم المؤتمر سيعسر مهمة لمّ الشمل وحسم الخلافات داخل نداء تونس، وبالتالي سيفقد مركزه في الانتخابات القادمة".

عجز الرئيس
لكن من وجهة نظر المحلل السياسي جوهر مبارك، فإن هناك تمشيا لتشكيل حزب جديد يرأسه الشاهد بعد استقالة مقربين إليه من الحكومة، على غرار الوزير مهدي بن غربية للاهتمام بتأسيس المشروع، ملاحظا أن الشاهد يسعى -رغم الضغوط عليه- إلى البقاء أكثر على رأس الحكومة و كسب مزيد من الوقت.

ويؤكد للجزيرة نت أن الشاهد لديه طموحات سياسية للترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، مضيفا أن من مصلحته البقاء مدة أطول في الحكومة قبل الاستقالة منها نهاية هذا العام على الأقل، "وذلك ليس إيمانا بقدرته على إصلاح الأوضاع المتردية ولكن حتى لا يقع بطي النسيان".

وعن دعوة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الشاهد للاستقالة أو التوجه لإعادة نيل الثقة من البرلمان، يقول إن الاستجابة لذلك المطلب تمثل انتحارا سياسيا بالنسبة للشاهد، مستبعدا أن يذهب الأخير بأي اتجاه ينهي مسؤوليته على رأس الحكومة مع غياب أغلبية برلمانية مطلقة تعيد منحه الثقة.

ويقول للجزيرة نت إن الشاهد يستفيد حاليا من دعم حركة النهضة وجزء من نداء تونس في صلب البرلمان، وهو ما جعل السبسي عاجزا عن سحب البساط من تحته وتقديم طلب سحب الثقة منه، لاقتناعه بعدم توفر أغلبية مطلقة تساند هذا الاتجاه المربك لحالة التوافق القائمة بين حركة النهضة وحزب نداء تونس.

المصدر : الجزيرة