فوز "الفريق الأفريقي السادس" هل يغير وجه فرنسا؟

epa06891484 French player react with the trophy after winning the FIFA World Cup 2018 final between France and Croatia in Moscow, Russia, 15 July 2018. (RESTRICTIONS APPLY: Editorial Use Only, not used in association with any commercial entity - Images must not be used in any form of alert service or push service of any kind including via mobile alert services, downloads to mobile devices or MMS messaging - Images must appear as still images and must not emulate match action video footage - No alteration is made to, and no text or image is superimposed over, any published image which: (a) intentionally obscures or removes a sponsor identification image; or (b) adds or overlays the commercial identification of any third party which is not officially associated with the FIFA World Cup) EPA-EFE/FACUNDO ARRIZABALAGA EDITORIAL USE ONLY
لاعبو المنتخب الفرنسي يحتفلون بفوزهم بمونديال "روسيا 2018" (الأوروبية)
زهير حمداني
 
يتندر مغردون بتهنئة رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان منتخب بلادها المتوج بمونديال روسيا مكرهة باعتبار أن مسألة اللون والعرق في التشكيلة محرجة لها ولمبادئ اليمين المتطرف، كما يطرح الجدل القائم حول الموضوع البنى السياسية والاجتماعية القائمة.

 

فمن بين 23 لاعبا في المنتخب المتوج، يوجد 15 لا عبا غالبيتهم أساسيون -من أبناء أحفاد المهاجرين العرب والأفارقة غالبا- الذين عاشوا بالضواحي الفقيرة للمدن، وانتموا إلى فرق صغيرة وكافحوا من أجل الوصول إلى ما وصلوا إليه.
 
وبعد أن خرجت جميع الفرق الأفريقية من كأس العالم -وفي إشارة إلى العدد الكبير للاعبين من أصول أفريقية- وصف البعض المنتخب الفرنسي على أنه "آخر منتخب أفريقي" وآخرون بكونه "المنتخب الأفريقي السادس".
 
إثر التتويج بكأس مونديال 2018 أعاد الكاتب الفرنسي اليميني "رينو كامو" نشر أشرطة فيديو تنتقد التنوع في بلاده، كما رسمت أحداث الشغب -في الشانزليزيه وأماكن أخرى، وإغلاق خطوط الحافلات والمترو من الضواحي إلى باريس "لأسباب أمنية"- تساؤلات عن عدم السماح بالاحتفال "لأصحاب الانتصار الحقيقيين" كما يقول الكاتب في موقع ميدل إيست آي كمال أحمادا.
 
وفي وقت كان ينتظر فيه أن يكون الانتصار عاملا للوحدة، سرعان ما تحولت الاحتفالات إلى شغب وعمليات نهب، واشتبكت الشرطة مع المحتفلين وأدى ذلك إلى سقوط جرحى في عدة مدن.
النجم بول بوغبا حاملا كأس العالم
النجم بول بوغبا حاملا كأس العالم
سؤال الهوية
في الأصل تقوم الجمهورية الفرنسية على مبادئ "العدالة والإخاء والمساواة" لكن التفرقة العنصرية بقيت مطروحة في السياقات الاجتماعية والسياسية، وبينها مجال الرياضة. رغم أن فرنسا حققت أبرز إنجازاتها بأقدام وأيادي أبناء المهاجرين أو أحفادهم.
 
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي ارتبط مجال الرياضة والكرة تحديدا بمسائل الهوية والهجرة والماضي الاستعماري، وطرحه السياسيون من باب التحذير مما يسمونه "الاستبدال الكبير" واستبعاد "الفرنسي الخالص" (بالمعنى العرقي) ليهيمن الأفارقة، بينما ناور آخرون بمسألة التنوع العرقي في "المنتخبات الوطنية" كرمز للتنوع "والإخاء والمساواة" واستثمروه سياسيا وانتخابيا.
 
ويستحضر الفرنسيون تصريحات السياسي الاشتراكي "جورج فريتش" الصادمة عام 2006 -بعد المشاركة بمونديال ألمانيا– حين قال "هذا البلد أصبح مثيرا للعار، خلال فترة قصيرة سيكون المنتخب مكونا من 11 لاعبا أسود، بالرغم من أن الطبيعي أن يكون هناك ثلاثة أو أربعة فقط".
 
في تلك السنة فشلت فرنسا في الفوز بكأس العالم في النهائي أمام إيطاليا، وكان طرد اللاعب زين الدين زيدان -الجزائري الأصل هذه المرة- وإقصاؤه بعد ضربة الرأس الشهيرة لماركو ماتيرازي سببا في خسارة الكأس الذهبية وفق الكثير من المقاربات العنصرية آنذاك، وغابت ذكرى ضربتي رأسه في مرمى البرازيل عام 1998.
 
وفي تاريخ مشاركات المنتخب طرحت الصحافة الفرنسية الكثير من "الفضائح ذات الشبهة العنصرية" آخرها ارتباط استبعاد اللاعب كريم بنزيمة لرفضه ترديد النشيد الوطني، والإضراب في مونديال جنوب أفريقيا عام 2010 ومعاقبة اللاعبين باتريس أيفرا وفرانك ريبيري ونيكولا أنيلكا (والأخيران مسلمان) بسبب غناء "نشيد مرسيليا".
 
وعام 2011 نشر تسجيل يتحدث فيه لاعب ومدرب فرنسا السابق لوران بلان مع مسؤولين يقول فيه إن مطالبهم بالاعتماد بشكل أكبر على لاعبين بيض صعب باعتبار أن اللاعبين المهرة والجاهزين من السود، على حد تعبيره. وزادت مع هذه الواقعة الاتهامات بالعنصرية داخل المنتخب.
 
ويرى البعض أن الاحتفاء باللاعبين من أصول أفريقية يكون فقط عندما يكونون في أوج استعداداتهم ويحققون الإنجازات، ثم يدخلون طي النسيان وتؤخذ بحقهم عقوبات قاسية إذا "تمردوا".
 
الرئيس إيمانويل ماكرون محتفلا بالانتصار على كرواتيا 
الرئيس إيمانويل ماكرون محتفلا بالانتصار على كرواتيا 
دينامية الفوز
وترى الكاتبة إيمان عمراني -في مقال بصحيفة غارديان البريطانية- أن الفوز بالمونديال يبدو "وكأنه الهواء النقي الذي تحتاجه فرنسا بشدة، بعد الصدمة التي أعقبت الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وصعود لوبان واليمين المتطرف إلى الجولة النهائية للرئاسيات والأحداث العنصرية التي جاءت تترى.
والمشكلة بالنسبة لبعض المحللين أنه بعد عشرين عاما من الفوز بمونديال فرنسا، يبدو أن كأس العالم لم تكن كافية لإصلاح المشاكل الأساسية في البلاد، فاليمين المتطرف ازداد حضورا والأحداث الإرهابية تفاقمت والحوادث العنصرية لم تتراجع وآخرها مقتل الشاب أبو بكر فوفانا برصاص ضابط شرطة بمدينة نانت.
 
وقبيل كأس العالم الأخيرة، شهدت فرنسا إضرابات واحتجاجا لا سيما في الضواحي وأحزمة المدن -حيث تتمركز غالبية المهاجرين من العرب والأفارقة- ويبلغ معدل البطالة بين الشباب 21.5%، وفي المناطق الأكثر حرمانا تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 40%.
 
ويقول الكاتب أحمادا إن المنتخب الفرنسي في السنوات الأخيرة يمثل أكثر من أي فريق آخر موقف بلاده السابق والحاضر تجاه الهجرة والماضي الاستعماري.
 
ويرى أن هذا الانتصار سوف يجعل "العنصرية معلقة وقتيا". وكما حدث في أعقاب انتصار عام 1998، سيُمنح "الشتات الأسود والبني مستوى جديدا من الإنسانية، ويعاملان كجزء من الأسرة الفرنسية، لكن هذه الصفقة الجديدة لن تستمر طويلا".
 
ويتخوف أحمادا -كما غيره من المتابعين في فرنسا -من أنه بعد أن تتلاشى النشوة، سترجع الأمور إلى ما سماها الحالة الطبيعية، و"سيعود مهاجرو ما بعد الاستعمار إلى مواقعهم كأجانب في الجمهورية الفرنسية".
 
ويعود الكثير من المحللين إلى تجربة الفوز بكأس العالم 1998 والآمال العديدة التي أفرزتها بتغيير الأنساق الاجتماعية وإعادة الاعتبار لسكان الضواحي والمهاجرين، لكن العكس هو ما حدث حين "تحولت الضواحي إلى مستعمرات حضرية، وازداد عنف الشرطة وسط إفلات تام من العقاب".
 
وترغب هذه الأوساط بمغادرة المقاربة التي تقوم على "عنصرية إيجابية" اعتماد ا على مقولة "الأفارقة من أجل الرياضة" ومنحهم فرصا غير كرة القدم وتقدير تميزهم في المجالات لأخرى، وكذلك استثمار بهجة الفوز بكأس العالم من أجل كسب المعركة ضد التعصب وكراهية الأجانب.
 
ويرى متابعون ومحللون أن مفاعيل الانتصار الرياضي الكبير يمكن أن تكون سريعة طالما لم يبن على الطاقة التي أفرزت على الصعيد الاجتماعي والسياسي لتكون حافزا ومحركا للتغيير.
 
المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية