معركة درعا.. هل ينهي النظام الثورة من مهدها؟

Forces loyal to Syria's President Bashar al-Assad are deployed in al-Ghariya al-Gharbiya in Deraa province, Syria in this handout released on June 30, 2018. SANA/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE
دبابات ومدرعات تابعة للنظام في قرية الغارية الغربية في محافظة درعا (رويترز)

زهير حمداني

أوائل عام 2011 نهضت الثورة السورية على انتفاضة سلمية ضد الظلم والحيف والاستبداد في مدينة درعا لتنتشر في أرجاء سوريا وتتجه نحو العسكرة والحرب الدامية، وفي عام 2018 يضغط النظام عسكريا لاستعادة كامل المحافظة، مستثمرا واقعا دوليا أقرب إلى "التسليم بالنهايات"، كما يقول مراقبون.

فبعد سبع سنوات وبضعة أشهر، يعود النظام إلى درعا، وقد دارت دفة الحرب على هواه بما لا تشتهي المعارضة، باحثا عن إخضاع "مهد الثورة" بشكل كامل، لينهي بذلك عسكريا أو بترتيبات أقرب إلى أجندته "الفصول الأخيرة من الثورة".

وبدأت قوات النظام معززة بقوات ضخمة يوم 19 يونيو/حزيران الماضي العملية العسكرية الكبرى على مدينة درعا وريفيها الشرقي والغربي من ثلاثة محاور، استطاعت من خلالها التقدم في مواقع عدة والسيطرة على قرى وبلدات، وجر بلدات أخرى إلى ما تسميها "مصالحات".

وهذه العملية العسكرية -التي تستهدف بالأساس الوصول إلى الحدود الأردنية وخصوصا معبر نصيب- أدت إلى مقتل وجرح المئات ونزوح عشرات الآلاف، ودعت المعارضة السورية وهيئة التفاوض السورية المجتمع الدولي إلى "الانتهاكات الوحشية" في المنطقة التي تندرج ضمن مناطق خفض التصعيد.

 
ودخلت منطقة الجنوب السوري (درعا والقنيطرة أساسا) في يوليو/تموز 2017 ضمن مناطق خفض التصعيد التي انبثقت عن اتفاق أستانا. وقبل العملية العسكرية كانت المعارضة تسيطر على نحو 65% من المحافظة خصوصا في الريف الشرقي، مقابل نحو  35% للنظام في درعا المدينة ومناطق حولها و 5% لـتنظيم الدولة الإسلامية تشمل بلدات بحوض اليرموك جنوب غرب المحافظة.
‪خريطة توضح محاور العملية العسكرية للنظام السوري جنوب درعا‬ (الجزيرة)
‪خريطة توضح محاور العملية العسكرية للنظام السوري جنوب درعا‬ (الجزيرة)

جبهة إستراتيجية
بالنسبة للسوريين، تبقى درعا مدينة محورية في المشهد الثوري باعتبارها مهد الانتفاضة التي أججها النظام وحرّف مسارها باتجاه العسكرة والحل الأمني، وهي مدينة الطفل حمزة الخطيب الذي أججت دماؤه المنثورة الانتفاضة وأسقطت الحلول الوسط، التي لم يردها النظام أصلا، كما تجمع المعارضة.

وإضافة إلى البعد الرمزي في للثورة بنجاحاتها وانتكاساتها، تعد درعا البوابة الجنوبية لدمشق (نحو 100 كلم)، وكانت المعارضة المسلحة تراهن على هذا القرب للوصول إلى العاصمة، وهي نافذة حدودية مع الأردن ذات بعد اقتصادي مهم، كما أنها تحد محافظتي السويداء والقنيطرة وبالتالي فلسطين المحتلة، بما يجعل الميدان مرآة للبعد الدولي وحساباته المعقدة

وبالنسبة للمعارضة المسلحة -إلا جبهة تحرير الشام "النصرة" وتنظيم الدولة الإسلامية- فهي تعتبر نفسها في حاضنتها الاجتماعية وبيئتها العشائرية المؤيدة للثورة، وهي مسلحة ومدربة بشكل جيد (نحو 30 ألف مقال بحسبها) وحظيت بدعم دولي سواء من خلال غرفة "الموك" في عمان أو غيرها، وهو ما يجعل سيطرة النظام على كامل درعا، كما حصل في الغوطة الشرقية، مسألة صعبة.

ورغم أن النظام سيطر على الغوطة الشرقية وأخرج المعارضة المسلحة من بلدات القلمون الشرقي ومن جنوب دمشق بداية العام الجاري 2018، فإن وجود المعارضة المسلحة بهذا الزخم في درعا وأريافها بقي يمثل خطرا كبيرا  على العاصمة.

وإنهاء وجود المعارضة المسلحة في محافظة درعا -باعتبار الحسابات المعقدة في القنيطرة- عسكريا أو باتفاق يؤمن دمشق بشكل كبير، ويخرج عمليا هذه المعارضة من دائرة التهديد العسكري للنظام، ويحصر وجودها في محافظة إدلب وبعض مناطق حماة في الشمال والشرق ومساحة صغيرة في اللاذقية وغربي حلب والمنطقة الواقعة شرق الفرات بيد الأكراد.

وحتى بداية شهر يوليو/تموز الجاري يروج النظام إلى أنه استعاد 65 بلدة وقرية خلال عملياته العسكرية في ريف درعا الشرقي والشمالي الشرقي، بما فيها بصر الحرير ومليحة العطش وداعل والجيزة والكرك والغارية الغربية، وقبلها اللجاة، وقطع إمداد المعارضة من محاور عدة، وعزل ريفي درعا الشرقي والغربي، وبات على بعد كيلومترين من الحدود الأردنية.

واعتمد النظام على مكتسبات ميدانية سابقة خصوصا في بلدة الشيخ مسكين الإستراتيجية -التي تربط دمشق والسويداء- وفي بلدة عتمان قرب درعا، وعلى إفشال محاولات عدة من المعارضة في الأعوام الماضية لاختراق خطوط جبهاته وإمداده نحو دمشق.

ومن جانبها، أكدت المعارضة أن المعارك ما زالت في دائرة الكر والفر، وأن جيش النظام -المعزز بغارات الطائرات الروسية وقوات حزب الله ومليشيات إيرانية كما تقول- لم يثبت خطوطه بعد في المناطق التي سيطر عليها، كما أن معظم القرى سقطت فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسبها.

‪‬ النظام شن عشرات الغارات على القرى والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة في درعا(رويترز)
‪‬ النظام شن عشرات الغارات على القرى والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة في درعا(رويترز)

الميدان والسياسة
ورغم الاختلاف بين طبيعة الجبهات وطبيعة المعركة وظروفها ومساحتها، يرى مراقبون أن معركة الجنوب السوري تشبه كثيرا ما حصل في الغوطة الشرقية وقبلها حلب، فالمعارضة المسلحة وجدت نفسها فجأة وحدها في مواجهة النظام وروسيا دون غطاء أميركي أو غربي.

فمع بدء النظام حملته تلقت المعارضة توضيحا أميركيا "بضرورة ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيام أميركا بتدخل عسكري"، وتركت القرار لها بشأن "اتخاذ القرار السليم في شأن كيفية مواجهة الحملة العسكرية للنظام السوري"، وهو ما شكل إرباكا كبيرا على الصعيد السياسي والعسكري.

وكما سقطت خطوط أميركية حمر كثيرة في وجه النظام وروسيا لم تعترض واشنطن جديا على خرق موسكو ودمشق اتفاق "خفض التصعيد"، ونددت باستحياء بالغارات الروسية التي أوقعت مدنيين وأدت لنزوح وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين.

وترى أطراف في المعارضة أن هذا الصمت الأميركي بشأن معركة تعتبر مفصلية في مسار الحرب والثورة السورية مرده تسليم بالنفوذ الروسي في سوريا واتفاق شامل مع موسكو يشمل حسم المعركة عسكريا في الجنوب السوري، قد تتضح معالمه في لقاء هلسنكي (عاصمة فنلندا) بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب منتصف الشهر الجاري.

وخلافا للحل العسكري، تشترط روسيا على المعارضة تسليم سلاحها الثقيل والخفيف، ودخول شرطة عسكرية روسية مع عناصر الأمن العسكري للنظام في حواجز الشرطة الروسية، إضافة إلى دخول شرطة مدنية إلى مناطق المعارضة، وفتح معبر نصيب، وتسليم المؤسسات الحكومية للنظام، وعمل تسوية لجميع المقاتلين والضباط المنشقين عن النظام.

واعتبرت المعارضة أن الاشتراطات الروسية في المفاوضات "مذلة واستعبادية" ولا يمكن قبولها، كما حملت هيئة التفاوض السورية كلا من روسيا وإيران مسؤولية خرق اتفاقات وقعت عليها، واستبعدت حلا في سوريا يتضمن روسيا وإيران.

ويرى محللون أن الاتفاق المفترض بين واشنطن وموسكو بشأن جبهة درعا يرتبط أيضا بموافقة ضمنية إسرائيلية على العملية العسكرية، خصوصا مع ما تسرب عن اتفاق يقضي بسحب القوات الإيرانية والتابعة لحزب الله من مناطق بالقنيطرة وعدم مشاركتها في العمليات العسكرية بدرعا، رغم أن المعارضة تؤكد وجودها الفاعل بالمعارك.

ترى أطراف في المعارضة أن هذا الصمت الأميركي بشأن معركة تعتبر مفصلية في مسار الحرب والثورة السورية مرده تسليم بالنفوذ الروسي في سوريا واتفاق شامل مع موسكو

وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى باتفاق روسي أميركي تمديد مهمة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان (إندوف) بمحافظة القنيطرة، مؤكدا أنه باستثناء إندوف يجب ألا تكون هناك أي قوة عسكرية في المنطقة الفاصلة في الجولان، في إشارة إلى المعارضة المسلحة.

ودعا القرار "الجماعات المسلحة" -التي تتهمها دمشق بتنفيذ أجندة إسرائيلية وتلقي الدعم من تل أبيب- إلى مغادرة المنطقة الفاصلة بين إسرائيل وسوريا، وهو ما قد يعني وفق مراقبين ضوءا أخضر أميركيا إسرائيليا لدمشق وموسكو لخوض معركة في المنطقة ضد المعارضة المسلحة وفق قواعد اشتباك جديدة ودون رد فعل إسرائيلي.

وفي وقت أشارت فيه المعارضة إلى أنها عادت لاستئناف التفاوض مع الروس بعد رفضها السبت العرض الروسي للمفاوضات -الذي يحظى بموافقة أردنية- يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر لوكالة الصحافة الفرنسية أنها تدرك أنها ستضطر للقبول بالاتفاق الروسي لاحقا، لكن ستستخدم أوراق قوتها وتستمر في القتال من أجل تحسين شروطها.

من جانبه، يرى الباحث في مركز عمران للدراسات في إسطنبول نوار أوليفر أن السيناريو المطروح أمام فصائل الجنوب تختلف عن بقية المناطق بحكم الموقع الجغرافي للمنطقة وأهميتها الإستراتيجية، ويعتبر أن "التهجير نحو إدلب أو غيرها بعيد جدا عن التطبيق، ويرجح التوصل إلى اتفاق يبقي معظمهم في المنطقة وفق ترتيبات أمنية معينة".

هذه المتغيرات في السياسة الدولية وتفاهمات اللاعبين الدوليين، التي طالما رسمت مع الضغط العسكري مسارات الجبهات في سوريا من حلب إلى درعا ودير الزور وإدلب والغوطة الشرقية، قد تؤدي أيضا إلى تمكين النظام من اقتناص أكبر جوائزه في مسار الحرب.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية