الجزائر والأقدام السوداء.. هل هي نهاية القطيعة؟

الوزير الأول الجزائري وأمين عام حزب التجمع الوطني اليدمقراطي احمد اويحي مصدر الصورة امانة الاعلام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي
أحمد أويحيى الوزير الأول الجزائري وأمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي (الجزيرة نت)

أحمد مروان-الجزائر

أثارت دعوة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى رجال الأعمال الجزائريين للتعاون مع "الأقدام السوداء" -وهم المستوطنون الأوروبيون الذين عاشوا أو ولدوا في الجزائر إبان فترة الاحتلال الفرنسي (1830-1962) وذلك بهدف ولوج الأسواق الدولية- جدلا واسعا، وفسرها البعض بمثابة إعلان لتطبيع العلاقات مع من غدر بالجزائريين أثناء الثورة.

تصريحات أويحيى جاءت خلال حفل توزيع جائزة أحسن مصدر جزائري، وأثناء رده على استفسارات عدد من رجال الأعمال بخصوص منافسة البضائع التونسية والمغربية في السوق الأفريقية طالب المصدرين الجزائريين بالتعاون مع الأقدام السوداء، وكوادر الجالية الجزائرية بالخارج، إلى جانب الإطارات الأفريقية التي تلقت تكوينها داخل الجزائر لمساعدتهم في ولوج الأسواق الأوروبية والأفريقية.

ويقدر عدد هؤلاء بنحو مليون نسمة عام 1960، وتنحدر أغلبيتهم من أصول إسبانية أو إيطالية أو مالطية، ويشكل الفرنسيون حسب بعض الإحصائيات 11% منهم فقط.

وإذا كان استنجاد الرجل بأبناء بلده وبالإطارات الأفريقية أمرا عاديا بل ومطلوبا برأي البعض فإن الاستعانة بالأقدام السوداء بالنسبة لآخرين جرأة غير مسبوقة لمسؤول جزائري في تعامله مع الملف، ذلك أن تصريحات أويحيى اعتبرت أول موقف إيجابي للحكومة الجزائرية تجاه الأقدام السوداء على الرغم من الاتفاقيات التي تمت بين الجزائر وفرنسا غداة الاستقلال.

الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب (الجزيرة نت)
الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب (الجزيرة نت)

اتفاقيات إيفيان
ونصت اتفاقيات إيفيان الموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة ونظيرتها الفرنسية يوم 18 مارس/آذار 1962 لإنهاء الاحتلال الفرنسي في الجزائر على اختيار الأقدام السوداء خلال ثلاث سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالفرنسية واعتبارهم أجانب، وكان قادة جبهة التحرير يرفضون الجنسية المزدوجة للأقدام السوداء.

ويعد ملف الأقدام السوداء من الملفات الشائكة بين الطرفين الفرنسي والجزائري لأنه مرتبط بالذاكرة، وتتهم بعض المراجع التاريخية هذه الفئة بالتورط في جرائم تعذيب وقتل ضد الجزائريين خلال فترة الثورة، وخلال السنوات الأخيرة رفع العديد منهم قضايا في المحاكم الجزائرية للمطالبة باسترجاع أملاكهم بالجزائر.

الأسباب السابقة جلبت لأويحيى انتقادات واسعة في الوسط السياسي وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، واتهمه ناشطون بـ"البحث عن تعاون مع أعداء الجزائر" بذريعة أن الأقدام السوداء ممن لا يزالون على قيد الحياة وآباءهم كانوا ضد استقلالها.

وفي بيان لها اعتبرت حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي) الاستعانة بالأقدام السوداء جرأة من طرف أويحيى، لأنها حسب البيان "تفتح المجال لمن غدروا بالشعب الجزائري وعذبوه وأرعبوه أثناء الاستعمار الفرنسي، وفي مقابل ذلك منع الشرفاء من المساهمة في خدمة بلدهم والتضييق عليهم وغياب الشفافية، وبالاعتماد بدل ذلك على المحسوبية والجهوية والتزوير الانتخابي والتعامل التفضيلي لرجال الأعمال".

الانتقادات السابقة وغيرها اعتبرها الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب الذي يرأسه أويحيى مجرد زوبعة في فنجان، واستغرب في حديثه للجزيرة نت تهويل الموضوع وإخراجه عن سياقه الطبيعي.

يرى الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب أن حديث أويحيى كان واضحا، وله هدف اقتصادي بحت، وفسر ذلك بقوله إن كل الدول في العالم تسعى لتكوين لوبيات ضغط، ونحن نمتلك لوبيات طبيعة ولا نستفيد منها

لوبيات ضغط
ويرى شهاب أن حديث أويحيى كان واضحا، وله هدف اقتصادي بحت، وفسر ذلك بقوله إن "كل الدول في العالم تسعى لتكوين لوبيات ضغط، ونحن نمتلك لوبيات طبيعة ولا نستفيد منها، لدينا شبكة علاقات مع فرنسيين ولدوا في الجزائر وعاشوا فترة من حياتهم، ولا يزال الحنين يشد كثيرين منهم للجزائر فلماذا لا نستفيد من ذلك ومن تأثيرهم من أجل الدفع بالاقتصاد الجزائري وتعزيز مكانته في الأسواق الدولية؟".

ورد عن حديث المنتقدين بتورط الأقدام السوداء في جرائم ضد الجزائريين في فترة الثورة بقوله إن الذين ثبت تورطهم موقف أو مشكل مع الذاكرة التاريخية غير معنيين بحديث أويحيى.

أما عبد المالك سراي المستشار السابق برئاسة الجمهورية والخبير الاقتصادي الدولي فقد عاد بالجزيرة نت لسنوات خلت حينما كتب بالتفصيل عن هذا الموضوع في جريدة محلية تطبعها منظمة أبناء الشهداء، وكان حينها يقول "عبرنا عن رأينا في المسألة، وهو ترحيبنا بالأقدام السوداء الذين ثبت عدم تورطهم في قضايا عنف ضد الجزائريين في فترة الثورة في إطار التعاون الثنائي".

وكشف أن الجزائر في فترة الثمانينيات تعرضت في كثير من المرات لمشاكل اقتصادية في فرنسا، وكان حلها بتدخل أشخاص يحسبون على الأقدام السوداء، كما كشف عن خدمات استفاد منها شخصيا من خلال نشاطه الدولي من طرف الأقدام السوداء في عدة دول أفريقية وفي أميركا.

وبرأيه، فإن لهؤلاء دورا اقتصاديا كبيرا يمكن أن يقدموه للجزائر، لكن المطلوب هو أن الجهات الأمنية الجزائرية تفصل في ملفات الأشخاص الذين يتعاونون مع الدولة الجزائرية التي هي بحاجة إليهم.

المصدر : الجزيرة