المغرب.. هل ينهي القضاء حراكَ الريف أم يؤجّجه؟

وقفة احتجاجية أمام البرلمان الأربعاء الماضي للتنديد بالأحكام ضد معتقلي الريف
لم يستبعد حقوقيون أن تؤجج أحكام القضاء حراك الريف (الجزيرة)

سناء القويطي-الرباط

خلّفت الأحكام القضائية بحق معتقلي حراك الريف الـ 53 حالة من الصدمة لدى أسر المعتقلين والناشطين في مدينة الحسيمة والحقوقيين بالمغرب.

ووزعت الغرفة الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء -بعد تسعة أشهر من جلسات المحاكمة- حوالي ثلاثة قرون سجنا بحق النشطاء المعتقلين، نال منها من يوصف بقائد حراك الريف ناصر الزفزافي عشرين سنة، ومثلها لثلاثة ناشطين آخرين، بينما حكم على البقية بالسجن لمدد تتراوح بين 15 عاما وعام واحد.

ووصفت جمعيات حقوقية مغربية ودولية هذه الأحكام بالقاسية والثقيلة، واعتبرتها منافية للعدالة وتتويجا لمسار مليء بالخروقات والانتهاكات، داعية إلى إلغائها.

واستنكرت أحزاب من الأغلبية الحكومية والمعارضة الأحكام، واعتبرتها غير متماشية مع ما راكمته البلاد في المجال الحقوقي.

غير عادلة؟
وشهدت عدة مدن تنظيم وقفات احتجاجية للتضامن مع المعتقلين والتنديد بقساوة هذه الأحكام القضائية، ورفع المحتجون شعارات طالبت بإطلاق المعتقلين.

وقفة احتجاجية أمام البرلمان الأربعاء الماضي للتنديد بالأحكام ضد معتقلي الريف (الجزيرة)
وقفة احتجاجية أمام البرلمان الأربعاء الماضي للتنديد بالأحكام ضد معتقلي الريف (الجزيرة)

من جانبه، قال عبد الكبير طبيح محامي الدولة بهذه القضية إن محاكمة المتهمين في أحداث الحسيمة توفرت فيها جميع شروط المحاكمة العادلة انطلاقا من الاستدعاء وإلى غاية المداولة.

وأوضح طبيح -في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية)- أن حضور الدولة بهذا الملف لم يكن خصومة للمتهمين بل من أجل الدفاع على رجال الأمن ضحايا أعمال الشغب التي شهدتها الحسيمة وضواحيها.

وأضاف أن المحاكمة "ليس لها طابع سياسي لكون مطالب المتظاهرين اجتماعية واقتصادية محضة" لافتا إلى أن الدولة "لم تطالب بأي عقوبة ضد أي كان، ولم تعترض على أي طلب للسراح المؤقت، ولم تطالب أيضا بأي تعويض مادي رغم أن الخسائر فاقت حوالي مليوني دولار".

تطلع للاستئناف
بحسب مصادر إعلامية محلية، تشهد مدينة الحسيمة ونواحيها حضورا أمنيا مكثفا خشية اشتعال الاحتجاجات مجددا بالمنطقة، ولمواجهة عدد من الوقفات الاحتجاجية التي نظمها ناشطون للتعبير عن رفضهم للأحكام ضد معتقلي الريف بالمنع والتفريق.

المحتجون طالبوا بمراجعة الأحكام
المحتجون طالبوا بمراجعة الأحكام "غير المسبوقة" في الاستئناف 

واعتبر منسق المبادرة المدنية من أجل الريف محمد النشناش أن هذه الأحكام التي وصفها بالقاسية "لن تحل المشكل بل ستزيده تفاقما" موضحا أنها وجهت رسالة لشباب الحراك المحتجين من أجل مطالب اجتماعية واقتصادية مفادها أن "العصا هو الحل الذي تقترحه الدولة لهذا المشكل".

ومع ذلك، قال النشناش إنه لا يمكن التنبؤ بالتطورات الميدانية في الأسابيع المقبلة، معربا عن أمله أن تكون مرحلة الاستئناف منصفة وعادلة للمعتقلين.

ودعا النشناش الملك محمد السادس إلى التدخل لإيقاف ما أسماه "العبث القضائي" معتبرا أنه الوحيد الذي يمكنه خلق جو من التسامح والتهدئة المطلوبة في الظروف الحالية. 

الإشعال والإنهاء
من جانبه، قال عبد الرحيم العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش للجزيرة نت إن الأحكام الصادرة بحق المعتقلين قد تشعل الاحتجاجات وقد تنهيها، لافتا إلى أن كلا الاحتمالين وارد لأن الأمر بحسبه "مرتبط بنفسيات وحماسة، وهذه الأمور لا يمكن قياسها بمقياس بحثي أو تحليلي".

العلام: هذه الأحكام قد تشعل الاحتجاجات بالريف
العلام: هذه الأحكام قد تشعل الاحتجاجات بالريف

ويرى العلام أن الاحتجاجات قد تظل محدودة إذا ما دخلت القضية مرحلة الاستئناف، مشيرا إلى أن تفاعل الرأي العام الوطني والدولي وموجة الرفض لهذه الأحكام يمكنها أن تؤثر في الشباب وتجعلهم غير متحمسين لإشعال فتيل الاحتجاجات من جديد.

لكنه لا يستبعد بالمقابل أن تدفع حالة الصدمة الناشطين في الريف إلى إطلاق احتجاجات قوية قد تليها اعتقالات، وربما تتطور إلى أعمال عنف.

من جهة أخرى، أكد المتحدث أن هذه الأحكام "سابقة" ولم يشهدها المغرب منذ ما "سنوات الجمر والرصاص" لافتا إلى أن "حالة الاستثناء التي نجح النظام خلال سنوات في ترسيخها سقطت" وأصبح المغرب مثله مثل عدد من الدول العربية المجاورة التي يحكم فيها على نشطاء بالسجن لسنوات.

وهو ما سيؤثر بحسبه على صورة المملكة التنافسية والاستثمار الأجنبي، وعلى عدد من الملفات والقضايا من بينها قضية الصحراء.

ودعا العلام البرلمان لتفعيل الدستور الذي منحه حق العفو العام قائلا "أغلب الأحزاب أدانت هذه الأحكام فلتتقدم إذن بمقترح قانون العفو العام".

المصدر : الجزيرة