ماذا يعني انسحاب أميركا من الاتفاق النووي؟

U.S. President Donald Trump displays a presidential memorandum after announcing his intent to withdraw from the JCPOA Iran nuclear agreement in the Diplomatic Room at the White House in Washington, U.S., May 8, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst
أعلن ترامب أمس الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات على إيران (رويترز)

أمين محمد حبلا

في الظاهر يمثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مجرد انسحاب طرف واحد من ضمن ستة أطراف وقعت هذا الاتفاق الذي اكتسى لاحقا صبغة دولية بعد اعتماده من مجلس الأمن الدولي، ولكن الواقع أن انسحاب واشنطن منه يمثل في رأي العديد من الخبراء إصدار شهادة وفاة له.

يحاول الأوروبيون امتصاص الصدمة التي تركها انسحاب الرئيس دونالد ترامب من هذا الاتفاق ويؤكدون أنه لم يمت، كما تجنبت طهران الانسحاب الفوري منه وآثرت منح شركائها الآخرين في الاتفاق فرصة "لا تتعدى أسابيع" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الاتفاق وفق تعبير مسؤول أوروبي.

بيد أن المعطيات وحقائق الواقع تؤكد -وفق كثير من المحللين والمتابعين- أن خروج الولايات المتحدة يعني انهياره بشكل كامل، حيث تتحكم بما نسبته أكثر من 90%من العقوبات على إيران، كما تتحكم في النظام المالي العالمي ومن خلاله تستطيع فرض عقوبات تخشاها جميع الأطراف.

إعادة فرض العقوبات
يأتي في مقدمة التأثريات المحتملة لقرار الرئيس ترامب عودة العقوبات السابقة التي رفعت بموجب الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة "5+1" في الرابع عشر من يوليو/تموز 2015، والذي دخل حيز التنفيذ مع بداية 2016.

فبعد رفع هذه العقوبات فتحت إيران أبواب قطاعاتها الاقتصادية للشركات الأوروبية الأميركية، وتمكنت هذه الشركات من عقد الكثير من الصفقات مع الطرف الإيراني، كما شطبت واشنطن بموجب هذا الاتفاق من لوائحها السوداء أربعمئة اسم لأفراد وشركات وكيانات كانوا متهمين بانتهاك التشريع الأميركي بشأن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي.

كما ألغيت عقوبات تمس أجانب ممنوعين من التعامل مع الإيرانيين في قطاعات اقتصادية مختلفة، بينها البنوك والتأمين والنفط والغاز والبتروكيميائيات والنقل البحري والموانئ وتجارة الذهب والسيارات.
ووفقا للقرار الجديد لن تعود فقط هذه العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق السابق، بل يمكن أيضا فرض عقوبات جديدة إذا رأت الإدارة الأميركية ما يستدعي ذلك.

وقال مكتب مراقبة الممتلكات الأجنبية التابع لوزارة الخزانة بالولايات المتحدة -في تصريح نقله موقع "فوكس" الإخباري- إنه "بصدد اتخاذ خطوة فورية لتنفيذ قرار الرئيس.. العقوبات ستُفرض من جديد، وسيعود سريان العقوبات بشكل كامل".

فترة تخفيف
وقالت الخزانة الأميركية -بعيد إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق- إن الولايات المتحدة ستعيد فرض مجموعة واسعة من العقوبات المتعلقة بإيران، ولكنها لن تفرضها دفعة واحدة وعلى الفور، بل ستكون هناك فترة تخفيف في العقوبات تتراوح ما بين 90 و180 يوما.

وبعد انتهاء هذه الفترة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، سيتم إلغاء تراخيص تسمح للشركات الأميركية بالتفاوض على صفقات تجارية مع إيران، حسب بيان للخزانة الأميركية.

وتقول إيران إنها قد تواجه متاعب خلال شهر أو شهرين من بدء سريان العقوبات الأميركية الجديدة، ولكنها قادرة على التكيف معها في النهاية كما تكيفت معها في السابق.

وتركز العقوبات المنتظرة على البنك المركزي الإيراني، وستطال مجالات وقطاعات شتى منها صادرات الطائرات إلى إيران وتجارة المعادن وأي جهود تقوم بها طهران للحصول على دولارات أميركية.

ومن أبرز القطاعات التي ستطالها هذه العقوبات:

النفط والغاز
حيث يمثل أهم مصدر للمداخيل الإيرانية وأكثر المتضررين من العقوبات السابقة، ورغم أنه لم يسترد عافيته الكاملة في الفترة الفاصلة بين توقيع الاتفاق والخروج الأميركي منه نظرا لعوائق لوجستية واستثمارية، ونظرا أيضا لانهيار أسعار النفط في الفترة ذاتها.

ونظرا لحيويته وأهميته بالنسبة لإيران، فسيكون ضمن أهم القطاعات التي تطالها العقوبات الأميركية المنتظرة.

ونظرا لذلك، فقد يتسبب قرار الرئيس الأميركي في توقف مشروع غاز بمليارات الدولارات لشركة توتال في إيران ما لم تحصل شركة النفط الفرنسية العملاقة على إعفاء من العقوبات.

وكانت توتال وقعت اتفاقا مع طهران في يوليو/تموز 2017 لتطوير المرحلة الـ 11 من حقل بارس الجنوبي الإيراني باستثمار مبدئي قيمته مليار دولار، في أول استثمار غربي كبير بقطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية منذ رفع العقوبات.

وتشتري توتال الخام الإيراني لمصافيها الأوروبية، وتجري المعاملات بالدولار الأميركي وتستثمر مليارات الدولارات في مشروعات أميركية تشمل مصفاتها في بورت آرثر.

قطاع الطيران
ويعتبر الطيران التجاري من أهم المجالات التي ستطالها العقوبات المنتظرة، فقد قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إن من المقرر إلغاء التراخيص الممنوحة لشركتي بوينغ وإيرباص لبيع طائرات ركاب إلى إيران.

وكانت شركة الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) طلبت مئتي طائرة ركاب، من بينها مئة من إيرباص وثمانون من بوينغ إلى جانب عشرين طائرة من "أي تي آر" الفرنسية الإيطالية لصناعة المحركات المروحية. وتتوقف جميع الصفقات على التراخيص الأميركية نظرا للاستخدام الكثيف للمكونات الأميركية في الطائرات التجارية.

وفي ديسمبر كانون/الأول 2016، اتفقت بوينغ على بيع ثمانين طائرة بقيمة 17 مليار دولار بالأسعار المعلنة إلى "إيران أير" بموجب اتفاق بين طهران والقوى العالمية الكبرى على إعادة فتح التجارة مقابل تقييد أنشطة إيران النووية.

وقالت الخزانة الأميركية -التي تنظم تراخيص الصادرات- إن الولايات المتحدة لن تسمح بتصدير طائرات الركاب التجارية والمكونات والخدمات إلى إيران بعد فترة تسعين يوما.

وأبلغ منوتشين الصحفيين أمس قائلا "سيتم إلغاء تراخيص بوينغ و(ايرباص)… فبموجب الاتفاق الأصلي كانت هناك إعفاءات للطائرات التجارية والمكونات والخدمات، وستُلغى التراخيص القائمة".

وكان باتريك بويان الرئيس التنفيذي للشركة قال من قبل إن أحد الخيارات المتاحة- إذا انسحب ترامب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة- هو السعي للحصول على إعفاء يسمح بمواصلة العمل في إيران.

تداعيات أخرى
وبالإضافة إلى العقوبات التي ستفرضها واشنطن على مختلف المجالات الحيوية في إيران، ينتظر أن تكون لقرار ترامب تأثيرات جمة: فعلى مستوى إيران ينتظر أن يواجه اقتصادها المنهك أصلا متاعب كبيرة لا أحد يعرف إلى ماذا ستقود.

كما ستتضرر الشركات الأوروبية والروسية والصينية وحتى الأميركية التي ستفقد مئات المليارات التي حصلت عليها في مشاريع وصفقات أتاحها الاتفاق النووي.

وعلى المستوى السياسي، يتوقع محللون أن يعمق القرار الأميركي من الفجوة بين الأوروبيين وإدارة ترامب، كما سيزيد من احتمالات انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وزيادة وتيرة السباق النووي.

ولكنه -في المقابل- سيقوي الأواصر بين إسرائيل ومحور عربي تسير في ركابه السعودية والإمارات والبحرين، وهي الدول التي هللت لقرار ترامب ورحبت به كثيرا.

المصدر : الجزيرة + وكالات