هل تعبث السعودية والإمارات بحديقة تركيا الخلفية؟

Syrian Democratic Forces (SDF) fighters ride atop of military vehicle as they celebrate victory in Raqqa, Syria, October 17, 2017. REUTERS/Erik De Castro
مراقبون يرون في لقاء ضباط سعوديين وإماراتيين وأردنيين بقيادات قوات سوريا الديمقراطية استفزازا لتركيا (رويترز)
محمد النجار-الجزيرة نت

يثير اجتماع ضباط سعوديين وإماراتيين وأردنيين بقيادات فصائل عربية تقاتل ضمن قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل الوحدات الكردية نواتها الرئيسية، أسئلة عن الرسائل التي تسعى الأطراف العربية لإيصالها لتركيا التي تحارب هذه القوات وتصفها بـ"الإرهابية".
 
الاجتماع الذي عقد في قاعدة "خراب عشك" الأميركية القريبة من مدينة عين العرب "كوباني"، استمر لـ 24 ساعة، واجتمع خلاله ضباط من الدول الثلاث مع قيادات "قوات سوريا الديمقراطية" بهدف وضع اللمسات الأخيرة على تشكيل قوة عربية تكون بمثابة "حرس حدود" على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.
 
الإمارات والسعودية
وتكشف مصادر مطلعة للجزيرة نت أن الاجتماع ليس منعزلا عن جهد إماراتي-سعودي حثيث في منطقة سيطرة الوحدات الكردية، سواء عبر الدعم المالي أو الحراك السياسي لتشكل تحالفات مع القبائل العربية.
 
وحسب المصادر فإن هذا الحراك يثير حفيظة أنقرة التي ترغب بأن تحافظ على حدودها الجنوبية مع سوريا خالية من الوحدات الكردية أو أي تشكيلات تحتوي على عناصرها بناء على توافقات مع واشنطن وموسكو.
 
وزيارة المسؤولين السعوديين ليست الأولى، حيث رافق الوزير ثامر السبهان مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للتحالف الدولي بريت ماكروغ في زيارة لقواعد عسكرية شمال سوريا التقى خلالها قياديين أكرادا في خطوة أثارت حفيظة أنقرة.
 

زوار جدد
لكن الجديد هو توسع قائمة الزوار العرب للقوات الكردية، لتشمل عسكريين أردنيين وإماراتيين، والسعي لإنشاء قوة عربية تدخل حلبة الصراع متعدد الأطراف في منطقة شرق الفرات في ظل معطيات أبرزها:

 
الرغبة الأميركية بسحب قواتها من شمال وشرق سوريا وتسليمها لقوات إقليمية ومحلية دون توضيح ماهيتها حتى الآن.
 
الأهمية الاستراتيجية للمنطقة التي تعد بمثابة الخزان النفطي والغذائي لسوريا.
 
رفض تركيا وجود قوات سوريا الديمقراطية بالمنطقة، وخوضها مواجهة عسكرية ضدها مؤخرا انتهت بسيطرة فصائل مدعومة من أنقرة على عفرين.
 
تحرك السعودية والإمارات في المنطقة باستخدام نفوذهما على العشائر العربية، حيث نظمت الإمارات في فترات متفاوتة اجتماعات لعشائر عربية من المنطقة، إضافة للرهان السعودي الإماراتي على قوات الصناديد التابعة لأحمد الجربا الذي يحظى بدعم مصري إماراتي، والذي توصف علاقته بأنقرة بالسيئة.
 

غياب التنسيق
وتتحدث المصادر نفسها عن انزعاج تركيا من غياب التنسيق الأمني والعسكري السعودي الإماراتي معها، ووجود علاقات بينها مع الوحدات الكردية، المصحوب بتخوف أنقرة من استخدام هذه المجموعات لإثارة الفوضى على حدودها الجنوبية أو حتى في الداخل التركي.

 
واللافت أن تحركات الأطراف الثلاثة تأتي قبيل اجتماع سيعقد الاثنين المقبل بين وزيري الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والأميركي مايك بومبيو للإعلان عن تفاهمات توصل لها خبراء أميركيون وأتراك تقضي بسحب القوات الكردية من منبج.
 
وأهمية التفاهمات التركية الأميركية أنها ستمنع عملية عسكرية تركية في منبج كان يمكن أن تتحول لصدام مع نحو ألفي جندي يتخذون من المدينة قاعدة لهم.
 
كما تتزامن مع حديث رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة مع قناة روسيا اليوم عن مفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية لتسليم المناطق التي تسيطر عليها لجيش النظام، وتلويحه بعملية عسكرية ضدها إذا رفضت ذلك.
 

موقف الأكراد
ويبدو موقف الوحدات الكردية من التحرك الثلاثي العربي ملتبسا حتى الآن، ففي حين تلقت هذه الوحدات مساعدات من السعودية عبر العراق مؤخرا، نقل موقع "باسنيوز" الكردي عن "مصدر كردي مطلع"، تأكيده أن "الوحدات الكردية وافقت على دخول القوات العربية لغربي كردستان سوريا بضغط من قوات التحالف الدولي".

 
وبرأي مراقبين فإن المسعى الإماراتي السعودي لتشكيل القوة العربية في الشمال السوري يزيد من خلط الأوراق في الشمال السوري بعد أن فشلت وساطة فرنسية في جمع تركيا والوحدات الكردية.
 
وفي هذا الإطار يقول المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي الدكتور فايز الدويري إن زيارة الوفد العسكري الثلاثي في هذا التوقيت "قد يحمل رسائل خطيرة في ظل الرغبة الأميركية بالانسحاب من سوريا، ودعوتها دولا عربية لتحمل مسؤوليتها المالية والعسكرية بدلا من قواتها".
 

مقاربة فاشلة
وقال الدويري للجزيرة نت إن السعي الثلاثي لتشكيل قوة من العشائر العربية شمال شرق سوريا يؤكد أن حديث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل أسابيع عن إمكانية إرسال قوات من التحالف الإسلامي لسوريا "أثبت أنه مقاربة فاشلة وغير قابلة للتحقق على الأرض".

 
وبرأي الخبير الاستراتيجي فإن تركيا لن تنظر بعين الرضا لأي مسعى لتشكيل قوات مناوئة لها على طول حدودها مع سوريا.
 
لكنه اعتبر أن التحدي الأساسي يكمن في إيجاد نوع من الوحدة بين القوات الكردية صاحبة الكلمة العليا عسكريا في المنطقة، والتشكيلات العربية صاحبة التفوق الديمغرافي السكاني.
 
وزاد الدويري "في منطقة بادية الجزيرة يوجد 1400 قرية عربية سنية مقابل 400 كردية، والوحدات الكردية التي مارست عمليات تهجير للعرب والتركمان من قراهم في السنوات الأخيرة".
 
والتحدي برأي المحلل العسكري يكمن في مطالبة قبائل عربية بالعودة للقرى المهجرة، وهو ما سيخلق صراعا داخل التشكيلات التي تسعى الدول الثلاث لتوحيدها. 
 

شوكة في خاصرة تركيا
غير أن الدويري يرى أن تركيا لن ترى في هذه القوات "سوى شوكة في خاصرتها"، وبرأيه فإن أنقرة ستؤجل المواجهة مع المسعى السعودي الإماراتي لإنشاء قوات موالية لهما بالاتفاق مع الوحدات الكردية إلى ما بعد الانتخابات المقررة نهاية الشهر المقبل.

 
وخلص للقول "تركيا ستحارب هذه القوات، وهو ما سيفتح الباب واسعا للأسئلة عن مستقبل علاقاتها بداعميها العرب".
 
واللافت أن الشكل العسكري للخلاف السعودي الإماراتي يأتي في ظل تلميحات أطلقها وزير الخارجية التركي عن ضلوع دولتين إسلاميتين في الحرب على الليرة التركية، وانتقادات وسائل إعلام تركية لحملات سعودية إماراتية تستهدف مقاطعة السياحة لتركيا.
 
ووسط هذا المناخ، يبدو التساؤل هاما عن قدرة الرياض وأبو ظبي على العبث في حديقة أنقرة الخلفية، والأهم منه يتعلق بساعة الحقيقة في علاقة تركيا بالسعودية التي تمر بحالة من الفتور بسبب الأزمة الخليجية وملفات إقليمية أخرى، وهل سينتقل هذا الفتور لمرحلة القطيعة.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الروسية