الرد الإيراني.. هل تمتد الحرب لطهران وتل أبيب؟

Iranian and Syrian flags flutter on a truck carrying humanitarian aid in Deir al-Zor, Syria September 20, 2017. Picture taken September 20, 2017. REUTERS/Omar Sanadiki
قوات إيرانية في مدينة دير الزور السورية (رويترز-أرشيف)

زهير حمداني

في "حتمية الرد الإيراني" على إسرائيل، كما توعد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، تنهض سيناريوهات عدة قد تسعّر الحرب الدائرة أصلا بين الطرفين في سوريا، لكن محاذير مختلفة قد تجعل هذا الرد -إن حصل- في خانة الحرب المحدودة.

وفي تداعيات الغارة الإسرائيلية على  مطار "التيفور" في التاسع من أبريل/نيسان الحالي، التي أودت بسبعة عسكريين إيرانيين؛ أكد شمخاني أن معاقبة إسرائيل أمر حتمي لا رجعة عنه، لكن طبيعته ومكانه وزمانه متروكة لإيران، وفق تعبيره.

وإذا كانت الحرب بالوكالة أو في جانبها الاستخباراتي أو الإلكتروني مندلعة منذ عقود بين الطرفين، وزادت ساحاتها في الفترة الأخيرة، خاصة في سوريا ولبنان، وكذلك عبر الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع وقيادات إيرانية أو مقربة منها في سوريا؛ فإنها لم تصل إلى مرحلة الحرب الشاملة.

وبالنسبة للكثيرين من المعارضين للسياسة الإيرانية، فإن سردية الرد، وحتى مقولة "إزالة إسرائيل من الوجود"، ترددت كثيرا من قبل المسؤولين الإيرانيين، لكنها لم تتعد الحرب النفسية والإعلامية، في حين بقيت "المواجهة الحاسمة" في خانة التهديدات المتبادلة، حتى في أحلك الأزمات.

وفي المقابل، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بضرب إيران -ومشروعها النووي تحديدا- تكررت كثيرا منذ سنوات، دون اللجوء إلى هذا الخيار المكلف عسكريا وسياسيا، لتتحدد ساحات الحرب ضمنيا بعيدا عن تل أبيب وطهران.

‪شمخاني: إن رد طهران على إسرائيل حتمي وسيكون موجعا‬  (الجزيرة)
‪شمخاني: إن رد طهران على إسرائيل حتمي وسيكون موجعا‬  (الجزيرة)

المقترح العبثي
وفي مقال له بصحيفة "أوبزرفر"، يستبعد الكاتب سايمون تيسدال اندلاع حرب واسعة بين إيران وإسرائيل، مؤكدا أن "الحرب تظل بالنسبة للطرفين مقترحا عبثيا"، رغم أن عواملها متوفرة في سوريا، كما يقول.

ويذهب متابعون إلى أن خطوطا حمراء كثيرة يتبناها الجانبان ضمنيا لتجنب حرب مباشرة -داخل حدود البلدين- وعواقبها المدمرة على الطرفين، وفي المقابل فإن منطق العداء المستحكم وطبول الحرب التي تقرع دائما يظلان عاملين يستثمران بشكل جيد لدى الرأي العام والناخبين والممولين، خاصة بالنسبة لإسرائيل.

فإيران رغم كل التهديدات التي تصاعدت مؤخرا ضد تل أبيب، لم ترد على غارتين إسرائيليتين على قواتها في مطار "التيفور" بريف ـحمص الشرقي، وفي مواقع أخرى، واكتفت بالتهديد بالرد في الزمان والوقت المناسبين.

ويؤكد الكاتب في صحيفة التايمز البريطانية روجر بويز أن إسرائيل نفذت ما لا يقل عن مئة غارة على قوافل أسلحة إيرانية لم يعلن عنها، كما زرعت -بحسبه- فيروسات في أنظمة كمبيوتر البرنامج النووي الإيراني، ونفذت عمليات اغتيال لعلماء ذرة، دون رد إيراني معلوم.

ويرى روجرز أن الصراع السري بين إسرائيل وإيران، أو ما سماه "صراع الجبابرة"، بات مفتوحا في سوريا، لكن تحول هذه المعارك المحدودة إلى مواجهة ضارية مكشوفة ومباشرة أمر مستبعد، وهو مرتبط  بظروف كثيرة دولية وأخرى متعلقة بالطرفين.

فالظروف الداخلية في إيران والاحتجاجات الأخيرة جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية ورفض بعض النخب السياسية في طهران النفقات العسكرية الضخمة في سوريا واليمن وغيرها؛ عوامل تدفع كلها لعدم التصعيد نحو الحرب الشاملة.

الدفاع الجوي السوري أسقط طائرة
الدفاع الجوي السوري أسقط طائرة "إف 16" إسرائيلية بعد هجوم على قاعدة "التيفور" الجوية في سوريا (رويترز)

الساحات والسيناريوهات
ووفقا للكاتب روج بويز، فإن إيران تتخوف من أن مواجهة مفتوحة مع إسرائيل ستكون فرصة لواشنطن للتدخل عسكريا ضدها وإسناد تل أبيب، كما تتخوف من تقويض مكاسبها الإستراتيجية في سوريا والمنطقة خلال السنوات الأخيرة.

كما أن الرد الإيراني على إسرائيل انطلاقا من الجنوب السوري (القنيطرة والجولان) يصطدم برفض روسي خوفا من زيادة التوتر في المنطقة، ليبقى الرد محكوما بالتوازنات التي تفرضها موسكو.

من جانبها، لا تريد إسرائيل الحرب بسبب ظروفها الداخلية والأزمات السياسية فيها، والتخوف من إمكانية تعدد جبهات هذه الحرب (سوريا ولبنان وربما غزة)

كما أن مثل هذه الحرب الشاملة غير مرحب بها من الدول الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؛ باعتبار أنها ستشعل المنطقة وتسبب أزمة عالمية.

ويشير الكاتب بن هوبارد في مقال بصحيفة نيويورك تايمز إلى أن إسرائيل تدرك أنه في حال شنت هجمات على إيران، فإنها تتوقع ردا مؤلما من حزب الله في لبنان، أو مليشيات أخرى بسوريا، وهو ما يثنيها عن المخاطرة.

حتى يأتي الزمان المناسب للرد وتحديد طبيعته، تعتبر إيران أن وجود قوات لها في خاصرة إسرائيل على الحدود مع سوريا يعد في حد ذاته انتصارا

فرغم جولات الصدام في سوريا في الأشهر الأخيرة، لا تبدو إسرائيل راغبة في مواجهة أشمل مع إيران لحسابات عسكرية وسياسية، وتفضل الضربات المحدودة في سوريا، التي يمكن ضبط تداعياتها.

وتستهدف إسرائيل في المرحلة المقبلة التنسيق مع واشنطن لإضعاف إيران وإعادة حصارها دوليا، مستغلة مناهضة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للنظام الإيراني، وتوجهه لنقض الاتفاق النووي معها.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، يرجح خبراء عسكريون أن يشمل الرد العسكري الإيراني المتوقع إطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات من سوريا تجاه إسرائيل، أو تنفيذ هجمات برية على الحدود لاستهداف جنود إسرائيليين.

وتشير الصحيفة إلى السيناريو يشمل أيضا تنفيذ عمليات اغتيال لإسرائيليين في الخارج، وتنفيذ هجمات إلكترونية شاملة على المؤسسات الإسرائيلية.

وحتى يأتي الزمان المناسب للرد وتحديد طبيعته، تعتبر إيران أن وجود قوات لها في خاصرة إسرائيل على الحدود مع سوريا يعد في حد ذاته انتصارا، كما أن تعزيز هذا التواجد وإفشال مخططات إسرائيل في إخراج قواتها من سوريا هو رد لا يستهان به.

المصدر : الجزيرة