أسواق الخردة بالجزائر.. ملاذ عاطلين وطلاب وعرسان

ياسين بودهان-الجزائر

على صندوق بلاستيكي يجلس حمودي يترقب على أمل أن تحظى إحدى سلعه المعروضة على حصير بلاستيكي مهترئ، في سوق الخردة بحي الهضاب بمدينة سطيف شرقي الجزائر، على اهتمام أحد المتسوقين، ليهب واقفا ويشرع في إبراز محاسنها أملا في بيعها.

رفع أحد مرتادي سوق الخردة صنبورا للماء وأخذ يقلبه بيديه يمينا وشمالا، ثم بادر بالسؤال عن الثمن، وقبل أن يأتيه الرد أن السعر مائة دينار (0.87 دولار) دس الصنبور داخل جيبه، ووضع قطعة نقدية في يد حمودي مخاطبا إياه بعد أن تلا عليه قائمة بعيوب الصنبور "إليك خمسين دينارا، لا أدفع لك سنيتما واحدا زيادة" فأخذ حمودي الثمن على مضض ولم يعقب.

هكذا هي يوميات حمودي الشاب الأربعيني، والأب لثلاثة أطفال أكبرهم كان جالسا بجواره يشهد ويرقب معاناة والده في سبيل تأمين لقمة العيش له ولإخوته، وهي المعاناة التي باتت تتكرر بأشكال مختلفة على مدار 14 عاما التي قضاها متنقلا بين مختلف أسواق الخردة والأدوات القديمة المتناثرة عبر مختلف المدن الكبرى، بعد أن فشل في إيجاد وظيفة قارة تحفظ له كرامته وكرامة عائلته الصغيرة.

ولم تعد أسواق الخردة في السنوات الأخيرة ملاذ حمودي وحده، بل أصبحت قبلة للشباب العاطل الباحث عن بصيص أمل وفرصة لمجابهة متطلبات الحياة وتعقيداتها.

والسرّ في ذلك حسب حديث حمودي للجزيرة نت أن "الظفر بهامش في هذه الأسواق لا يتطلب رأسمال كبيرا، وأحيانا لا يتطلب أية أموال، ففي مرات عديدة نشتري هذه الأدوات من الناس بسعر رمزي، وأحيانا يمنحونها لنا دون مقابل، ونقوم نحن بتدويرها في السوق بأسعار تتفاوت حسب حالة السلعة، ومدى صلاحيتها للاستعمال".

وتتعدد أنواع السلع المعروضة والمتداولة بهذه الأسواق المنتشرة في مدن عديدة، وبشكل خاص العاصمة الجزائر، وكبريات المدن مثل عنابة وقسنطينة ووهران وسطيف، لكنها في الغالب مجموعة من الأدوات القديمة التي استغنى عنها الناس لتجد طريقها إلى هذا المكان مثل الألبسة القديمة، والأدوات الكهربائية المنزلية، وأدوات السباكة، إلى جانب الهواتف النقالة المستعملة بمختلف ملحقاتها.

‪الشاب حمودي يتنقل بين أسواق الخردة بالجزائر بعدما فشل في إيجاد وظيفة‬ الشاب حمودي يتنقل بين أسواق الخردة بالجزائر بعدما فشل في إيجاد وظيفة (الجزيرة)
‪الشاب حمودي يتنقل بين أسواق الخردة بالجزائر بعدما فشل في إيجاد وظيفة‬ الشاب حمودي يتنقل بين أسواق الخردة بالجزائر بعدما فشل في إيجاد وظيفة (الجزيرة)

مستلزمات قديمة
يجد المرتاد لهذه الأسواق ما لا يخطر على بال أحد مثل الأجهزة المنزلية العتيقة والتي تجاوزها الزمن بفعل التطور التكنولوجي مثل أجهزة التلفاز القديمة التي يعود تاريخها لزمن الصورة بالأبيض والأسود في فترة السبعينيات والثمانينيات، إلى جانب الهواتف السلكية القديمة، والأجهزة المرتبطة بالحواسيب القديمة مثل لوحات التخزين القديمة والأقراص المضغوطة، فضلا عن مستلزمات أخرى مثل العطور.

وعن سر إقبال الناس على هذه السلع رغم أنها قديمة ومستعملة، ويخيل للبعض أنها عديمة الفائدة والجدوى، يقول حمودي "أغلب السلع التي تباع أصلية وليست مقلدة، أو صينية المنشأ" لأن الناس برأيه "يخافون من السلع المقلدة والمغشوشة حتى ولو كانت جديدة، لذلك هم يبحثون عن سلع أصلية حتى ولو كانت مستعملة".

ورغم أن هذه الأسواق وليدة الفقر والحاجة، فإنها استقطبت في الأعوام الأخيرة فئات اجتماعية جديدة، فهي لم تعد تقتصر فقط على العاطلين بل جذبت أصنافا أخرى من المجتمع، وبشكل خاص طلبة الجامعات الذين يقصدونها لبيع أغراضهم لتغطية تكاليف دراستهم.

وغير بعيد عن حمودي، وقف محمود وهو شاب في آخر عقده الثاني واضعا أمامه مجموعة من قطع الغيار الصغيرة المستعملة، واعترف محمود أنه ليس عاطلا فهو يعمل ميكانيكيا بإحدى الورشات الخاصة.

وأسر محمود للجزيرة نت أن أجرته المتواضعة لا تكفي لتلبية متطلباته، ولأنه مقبل على الزواج فلم يجد حلا سوى جمع بعض قطع الغيار القديمة والتوجه بها نحو سوق الخردة لإعادة بيعها، وادخار الأموال المحصلة من أجل الزواج، وتلبية حاجياته اليومية.

‪سوق الخردة بولاية سطيف أصبحت تستقطب في السنين الأخيرة طلاب الجامعات سعيا لتغطية نفقات دراستهم‬ سوق الخردة بولاية سطيف أصبحت تستقطب في السنين الأخيرة طلاب الجامعات سعيا لتغطية نفقات دراستهم (الجزيرة)
‪سوق الخردة بولاية سطيف أصبحت تستقطب في السنين الأخيرة طلاب الجامعات سعيا لتغطية نفقات دراستهم‬ سوق الخردة بولاية سطيف أصبحت تستقطب في السنين الأخيرة طلاب الجامعات سعيا لتغطية نفقات دراستهم (الجزيرة)

سوق المسروقات
وحول ما يثار حول أسواق الخردة من شبهات ومآخذ من كونها مكانا لبيع السلع المسروقة، اعترف محمود بوجود بعض السلع المسروقة، لكنها برأيه "محدودة جدا ويعرف أصحابها بعدم تمسكهم بالسعر الذي يقترحونه، ويبيعونها سريعا".

ورغم ما يشاع عنها فإن هذه الأسواق تشهد اتساعا وتعرف رواجا في ظل نسب البطالة المسجلة في البلاد، والتي تقدرها آخر الإحصائيات الرسمية بنسبة 12% حسب ما أعلن عنه الأسبوع الماضي الوزير الأول أحمد أويحي، في حين تتجاوز 30% بين أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاما.

وتفيد دراسة صدرت العام الماضي عن مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية (كرياد) -وهو موقع حكومي- أن ثلث الشباب تركوا مقاعد الدراسة ولم ينخرطوا في سوق الشغل، مما يعني أن نحو 3.5 ملايين شاب وشابة من مجموع 11 مليونا خارج الدراسة وسوق العمل، وقد شملت الدراسة ألف شاب وشابة.

المصدر : الجزيرة