لصالح من أُوقف "أوبر وكريم" بمصر؟

تظاهر مئات من سائقي التاكسي الأبيض بسياراتهم احتجاجاً على دخول اوبر وكريم سوق التوصيل بمصر. (تصوير خاص لتظاهرة سائقي التاكسي الأبيض ـ القاهرة ـ مصر مارس 2016).
سائقو التاكسي سبق أن نظموا وقفة احتجاج تطالب بطرد شركتي أوبر وكريم من السوق المصرية (الجزيرة-أرشيف)
يفكر حاتم في توصيل تلاميذ المدارس بسيارته الخاصة يوميا لكي يعوض بعض الدخل المفقود من منعه عن العمل بالأجرة تحت مظلة "تطبيق كريم"، الذي أوقفه حكم محكمة مصرية مؤخرا، إلى جانب تطبيق أوبر.
 
وقبل عامين أغلق حاتم شركة تكنولوجيا معلومات خاسرة كان يديرها بمدينة نصر شرق القاهرة، وتزامن ذلك مع بدء شركة كريم في دخول السوق المصري حيث طلبت من أصحاب السيارات الخاصة العمل تحت مظلتها.

تقدم حاتم للعمل بسيارته مدفوعا بقسوة الحاجة، وواجه في البداية العديد من المواقف الصعبة أثناء عمله سائقا، لكنه اعتادها، كما أن "توفير 9000 جنيه شهريا أو ما يعادل 500 دولار كان كفيلا بمنح القلب بعض المسرات".

يدعوني السائق للجلوس في الكرسي المجاور له، خشية توقيفه من قبل شرطة المرور، وسحب رخصته، "فالجلوس في الكرسي الخلفي للسيارة يرجح لشرطة المرور أن السيارة شخصية ويستخدمها صاحبها أجرة، وهو ما يحظره قانون المرور".

ينظر حاتم لجهازه المحمول المعلق خلف مقود سيارته، وهو الجهاز الذي يستقبل عليه استدعاءات الزبائن، ويطالع فوقه الخريطة الرقمية "GPS" لمعرفة أيسر السبل للتوصيل، آملا بأن تصل الشركة للطعن على الحكم وإلغائه وهو "أمل ضعيف لأن الحكومة تترصد لأوبر وكريم منذ فترة لحاجة في نفسها قضتها".

ويقول المحامي طارق نجيدة إن عمل أوبر وكريم أمسى محظورا في مصر بموجب حكم القضاء الإدارى النهائى النافذ، إلا إذا قررت المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذه حينما يطعن عليه.

وفي تصريحه لإحدى الفضائيات، اعترف المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء أشرف سلطان بأن الحكومة بالفعل تحركت قبل صدور حكم محكمة القضاء الإدراى بمنع تسيير شركتى أوبر وكريم، ولم تنتظر صدور الحكم.

الجيش وراء الكواليس
ومثل حاتم يتحسر ناجي قائلا "قُضي الأمر، وانتهت اوبر"، مشير إلى الشركة التي كان يعمل سائق أجرة تحت مظلتها.

‪القاهرة تأتي في طليعة المدن الكبيرة التي تنشط شركتا كريم وأوبر في شوارعها‬ (رويترز)
‪القاهرة تأتي في طليعة المدن الكبيرة التي تنشط شركتا كريم وأوبر في شوارعها‬ (رويترز)

واشترى ناجي سيارته بالتقسيط للعمل عليها ضمن تطبيق أوبر، ويصدّق ما يتردد بأن الجيش سيطلق تطبيقا بديلا لإدارة سيارات الأجرة تحت عنوان "نسر وكاب".

ويبدي استعداده للتحول للعمل وفق التطبيق الجديد، لكي يتمكن من "دفع إيجار شقته، وأقساط سيارته وستر أسرته.

ينظر ناجي لمقود سيارته وكأنما يتشبث بمصدر بقائه حيا، وهو يردد باستسلام "لا مفر ولا بديل".

وحصل محامي سائقي التاكسي الأبيض خالد الجمال على الصيغة التنفيذية لحكم القضاء الإداري الصادر مؤخرا بعدم السماح للشركتين بالعمل داخل مصر، ليمضي في تنفيذه عبر مخاطبة الجهات الرسمية المعنية بوقف التطبيق.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن شركتي أوبر وكريم بمصر تلقتا طلبات من أجهزة أمنية بضرورة "السماح لهم بالدخول على بيانات المستخدمين" وهو الطلب الذي قاومته الشركتان لفترة وفق الصحيفة.

ومنذ عامين، تظاهر مئات من سائقي التاكسي الأبيض بسياراتهم بميدان مصطفى محمود بالقاهرة، مطالبين الحكومة بوقف عمل أوبر وكريم.

لم يشارك عمر في هذه المظاهرة، حيث كان في طريقه لتوصيل زبون حصل عليه بصعوبة، فلم يشأ أن يفقده لكن "القلب كان مع السائقين المتظاهرين".

وتدهورت أحوال عمر كسائق للتاكسي الأبيض بشكل متسارع عقب عمل الشركتين بمصر، والآن تدنى دخله إلى الثلث مع زيادة أسعار الوقود، بعد رفع الدعم عن المحروقات.

فرح بالجانب الآخر
 "أنت أول راكب معي هذه الليلة بعد ساعة ونصف من السير وحرق البنزين والأعصاب"، قالها عمر بأسى، وهو يبدي فرحة بنبأ وقف خدمات الشركتين.

جانب من العمل داخل مكاتب شركة أوبر في القاهرة (رويترز)
جانب من العمل داخل مكاتب شركة أوبر في القاهرة (رويترز)

ويتفاءل عمر بما يتردد عن دخول الجيش بتطبيق "نسر وكاب"، "لكي يكون مظلة للجميع، فالجيش سيعامل الكل بلا تفرقة، وليس كما تفعل شركات غير وطنية، تجعل المنافسة غير شريفة وغير عادلة".

وأكد الكاتب الصحفي جمال غيطاس أن السوق المصرية تمثل حوالي نصف أعمال شركة كريم، فيما تعد القاهرة ثالث مدينة في العالم من حيث عدد الرحلات التي تنفذها شركة أوبر.

وبالنظر لبيانات شركة كريم فإن حجم أعمالها بمصر يقترب من 500 مليون دولار سنويا، وأرقام أوبر عن كثافة الرحلات المنفذة بالقاهرة وحدها تقول إن حجم أعمالها لن يختلف كثيرا عن كريم.

وتعنى هذه الأرقام -حسب غيطاس- أن الجدل القائم حاليا حول الشركتين يعكس في الأغلب "صراعا بين حيتان على كعكة فائقة اللذة ماديا، لأن قيمتها تقترب من المليار دولار، وفائقة اللذة أمنيا، لأنها تضم بيانات حية عن تحركات عشرات الآلاف من المواطنين معلومي الهوية عبر أرقام هواتفهم على مدار اللحظة".

ورأى غيطاس أن "وضعا كهذا لا بد أن يسيل له لعاب كل من لديه القدرة على قضم جزء من الكعكة، قبل أن يكون نضالا من أجل تطبيق قانون أو رعاية لمصالح الغلابة من سائقى التاكسي الأبيض أو الأسود القديم".

وبين المنع والتقنين يقف سائقو أوبر وكريم بانتظار إشارة المرور للانطلاق، بينما يستعد سائقو التاكسي الأبيض للاصطدام بهم مجددا مسلحين بدفوع قانونية جديدة.

المصدر : الجزيرة