ضحايا حرب البوسنة.. طلبوا التعويضات فدفعوا الغرامات

People sit around graves and tombstones at the Memorial Center Potocari, near Srebrenica, Bosnia and Herzegovina July 11, 2015. The bodies of the 136 recently identified victims of Srebrenica massacre are buried in Potocari during ceremonies to mark the 20th anniversary of the massacre. Abandoned by their U.N. protectors toward the end of a 1992-95 war, 8,000 Muslim men and boys were executed by Bosnian Serb forces over five July days, their bodies dumped in pits then dug up months later and scattered in smaller graves in a systematic effort to conceal the crime. REUTERS/Antonio Bronic
مقابر البوسنة غصت بجثث المسلمين الذي قتلهم الصرب في حرب التسعينيات (رويترز)

كانت بهيرة في الرابعة عشرة من عمرها عندما تناوب جنود من الصرب على اغتصابها أثناء هجومهم على قريتها المسلمة إبان حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي.

تروي بهيرة التي رفضت كشف اسمها الحقيقي أنها نجت بالكاد من الإعدام، وأمضت العشرين عاما الماضية وهي تحاول التعافي من الصدمة.

وفي العام الماضي وفي يوم عيد ميلادها تلقت إخطارا من محكمة بوجوب دفع غرامة تعادل ما تحصل عليه في ستة أشهر من إعانات العجز التي تعيش عليها. وتعيّن على بهيرة أن تدفع رسوم دعوى قضائية للحصول على تعويضات عن الحرب كانت تنازلت عنها أصلا منذ أعوام.

فمنذ العمل بقانون ينص على سقوط الجرائم بالتقادم، باتت الدعاوى المرفوعة في هذا الشأن مرفوضة قانونا، لكن المثير أن الضحايا باتوا مطالبين بدفع رسوم قانونية فوق طاقتهم. ولأن معظمهم لا يستطيعون الدفع فكأنهم "يعيشون الصدمة من جديد".

تقول بهيرة "غبت عن الوعي عندما رأيت مبلغ 3000 مارك بوسني (1827 دولارا) مكتوبا في الإخطار، مع تحذير من أني سأسجن إذا لم أدفع". 

وأضافت بهيرة -وهي متزوجة وأم لطفلين- أنها حاولت يومها الانتحار، ولكنها تعتبر محظوظة حيث حصلت على دعم قانوني مجاني من منظمة غير حكومية ساعدتها على خفض المبلغ المطلوب إلى 600 مارك (375 دولارا)، وهو ما دفعته في النهاية.

وبهيرة واحدة من نحو 200 ألف ضحية للعنف الجنسي خلال الحرب التي دارت بين عامي 1992 و1995.

لكن آلافا آخرين نجوا من الحرب -وأغلبهم من المسلمين البوشناق- فرضت عليهم غرامات كبيرة بعد رفض المحاكم في المنطقة الصربية دعاوى قدموها للحصول على تعويضات، ولم يستطيعوا الحصول على دعم قانوني.

صدمة جديدة
وأكثر هؤلاء عاطلون عن العمل وصحتهم متدهورة بعد ما مروا به من ويلات الحرب، ولا يقدرون على دفع الرسوم، مما يجعلهم عرضة لمصادرة ممتلكاتهم أو جزء من دخلهم الشهري إن كانوا يحصلون على أي دخل.

وقالت المحامية أدريانا بتشيروفيتش "بشكل عام هؤلاء الضحايا عرضة للمشاكل، ويعيشون الآن تحت الصدمة من جديد، ولن يكون من السهل التعافي منها لاحقا".

يشار إلى أنه قتل أكثر من 100 ألف شخص في الصراع العرقي العنيف بين الصرب الأرثوذكس والمسلمين البوشناق والكروات الكاثوليك.

وقالت رئيسة رابطة أسرى الحرب ياسمين ميسكوفيتش إن مئات الآلاف أجبروا على ترك منازلهم، واحتجز نحو 200 ألف في معسكرات يشيع فيها الضرب والتعذيب، وقتل 10% منهم وهم محتجزون.

وتعمل ميسكوفيتش في منظمة ساعدت نحو 30 ألف شخص على رفع دعاوى قضائية منذ 2007، وقالت إن دعاوى التعويضات رفضت جملة واحدة بسبب قرار المحكمة الدستورية في البوسنة عام 2014 تطبيق سقوط جرائم التعذيب بالتقادم.

ويتسق ذلك مع قانون في جمهورية صرب البوسنة يشترط رفع الدعوى القضائية خلال خمس سنوات على الأكثر من ارتكاب الجرم؛ حتى يستحق الضحايا التعويض عنها.

وجرى تعديل قانون الإجراءات المدنية ليفرض رسوما للمحامين والادعاء العام. وتبنت المحاكم الاتحادية نفس التعديل. ويقول مسؤولون إن المحاكم تفرض الغرامات لتغطي نفقات القضايا المرفوضة.

وقالت ميسكوفيتش إن هذا نوع من الابتزاز، "والمشكلة أن الضحايا (وأغلبهم من البوشناق) الذين عادوا للعيش في جمهورية صرب البوسنة؛ بالكاد يكسبون ما يكفي طعامهم.. ثم تُصادر ممتلكاتهم ورواتبهم ومعاشات تقاعدهم!".

تبعات الفقد والظلم ما تزال تخيم على المسلمين في البوسنة (غيتي)
تبعات الفقد والظلم ما تزال تخيم على المسلمين في البوسنة (غيتي)

انتقادات حقوقية
وتعرضت البوسنة لانتقادت من لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة ومجلس أوروبا ومنظمة العفو الدولية لعدم تطبيقها آلية لمنح تعويضات للضحايا. وقالت هذه المؤسسات إن ذلك بمثابة انتهاك للقانون الدولي.

وعرقل نواب من الصرب مرارا محاولات لتمرير قانون في البرلمان الوطني يدعم الضحايا، حيث يقول هؤلاء النواب إن الدعاوى يجب أن تقدم في إطار سلطة قضائية إقليمية وليست وطنية.

ولم يتمكن سوى عدد قليل من الضحايا من الحصول على تعويضات قبل حكم المحكمة الدستورية.

وتقع أكثر معسكرات الاحتجاز أثناء الحرب فيما يعرف الآن بجمهورية صرب البوسنة، وتخشى السلطات هناك أن تطغى طلبات التعويض على موازنتها إذا قُبِلت.

ومرر برلمان الجمهورية الأسبوع الماضي تشريعا مبدئيا بشأن مطالبات التعويض، لكن البوشناق يقولون إنه منحاز ضدهم لفرضه شروطا صعبة وباهظة على غير الصرب لتسجيل أنفسهم كضحايا للتعذيب.

وقال بيهاديل ديزداريفيتش الذي نجا من معسكري احتجاز "يُحتجز المرء ويتعرض للضرب وينجو بحياته من التعذيب ثم يتعرض لعذاب جديد بعد عشرين عاما". وأضاف "ندفع ثمن بقائنا أحياء".

المصدر : رويترز