السودان.. هل تعرض لـ "طعنة" من دول الحصار؟

خادم الحرمين يعقد جلسة مباحثات مع البشير
تعددت اللقاءات خلال 2017 بين ملك السعودية والرئيس البشير (الصحافة السعودية)

وخلال السنوات الأخيرة شهدت العلاقات بين الطرفين (السودان من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى) تطورات لافتة، توقع السودان أن تقود إلى مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة، ولكنه عندما يُرجع البصر كرتين لا يرى غير وعود وآمال معلقة حسب العديد من السودانيين.

سياقات
في صيف العام 2013 كانت العلاقات السودانية الإيرانية تنداح في مسالك ومسارب متعددة سياسية واقتصادية وثقافية، وكان الغضب السعودي يعتمل ويتصاعد حتى بلغ ذروته مع منع عبور طائرة الرئيس البشير الأجواء السعودية -وهو على متنها- في طريقه إلى طهران، للمشاركة في تنصيب الرئيس الايراني حسن روحاني.

وبعد شهور معدودة تحول التوتر إلى تقارب، وبدأت محطة أخرى من محطات العلاقة بين الطرفين اتسمت بطابع إيجابي ساهم فيه السودان بخطوات ذات دلالة هامة من أهمها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في 2016 وطرد السفير الإيراني، تضامنا مع السعودية في مواجهة "المخططات الإيرانية" على خلفية حادثة الهجوم على السفارة السعودية في طهران.

وقبل ذلك وافقت الخرطوم على مشاركة وحدة من قواتها المسلحة فيما سمي بعاصفة الحزم رغم امتناع دول أقوى علاقة وأوثق رابطة بالسعودية (مثل مصر وباكستان) من إرسال جنودها للمشاركة في حرب اليمن.

ورغم الخسائر البشرية المتصاعدة في صفوف القوات السودانية المرابطة في الحد الجنوبي دفاعا عن السعودية، ورغم الاحتجاجات والمطالب الشعبية بسحب هذه القوات، ما زالت الحكومة السودانية تصر على بقائها وفاء لعلاقتها مع الحلف السعودي.

وبين هذا وذاك حرصت الخرطوم على التناغم مع المواقف والتوجهات السعودية في المنطقة ضمن مساعيها لتعميق تحالفها مع محور السعودية والإمارات، وضمن ذلك أعلنت وقوفها على الحياد في الأزمة الخليجية رغم علاقاتها الوثيقة العميقة مع قطر.

منح ومحن
قوبلت تلك الخطوات السودانية بترحيب سعودي كبير، ووجه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز حكومته وصناديق التمويل والمستثمرين السعوديين بتقديم الدعم الكامل للسودان في المرحلة المقبلة.

كما أجرت القوات السودانية والسعودية -خلال فترة المد التي شهدتها علاقات البلدين- مناورات وتمارين مشتركة، والتقى قائدا البلدين خمس مرات خلال العام الماضي 2017.

ويرتبط البلدان باتفاقات تجارية واستثمارية في مجالات عدة منها المجال الزراعي، كما تلقى السودان وديعة استثمارية سعودية بقيمة مليار دولار في 2015.

ورغم كل ذلك ما زالت العلاقة بين الطرفين تتميز بحالة من الالتباس والغموض، فالعديد من الكتاب والمدونين السودانيين يؤكدون أن السودان وبعد سنوات من مشاركته في حرب اليمن يشعر بامتعاض وخيبة أمل.

ويرى أحد الكتاب السودانيين أن ما يضاعف شعور السودانيين بالإحباط والغضب هو امتناع البنوك السعودية عن إنجاز تحويلات السودانيين المقيمين بها، وهو ما يعني وفقا للكاتب ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة السوداني أن السعودية لا تسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية عنهم، بل تسهم في تأزيم وتشديد الخناق عليهم.

وكثيرا ما روجت وسائل الإعلام السعودية لما تصفه بالدور المؤثر للمملكة في القرار الأميركي برفع بعض العقوبات التي كانت مفروضة منذ سنوات على السودان.

ولا تتوقف إحباطات السودانيين تجاه دول الحصار عند هذا الحد، فكم كانت دهشتهم كبيرة بعد توقيع الرياض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع القاهرة 2016 القاضية بتنازل مصر عن جزيرتيْ تيران وصنافير للسعودية، والتي تضمنت اعترافا سعوديا بتبعية مثلث حلايب لمصر.

وما أثار امتعاض السودان أكثر هو أن تلك الاتفاقية لم تلتزم ببنود اتفاق سابق بين الخرطوم والرياض وقع عام 1974 ونص على سودانية مثلث حلايب، وفي الوقت ذاته لم يرع مقتضيات التطور الحاصل في العلاقة بين الطرفين.

والمعروف أن السودان ينظر بحساسية شديدة لقضية حلايب، ولذلك اعتبر العديد من السودانيين أن تلك الاتفاقية مثلت "طعنة ظهر" لهم، خصوصا أنها تتناقض تماما مع اتفاق سابق بين السودان والسعودية وقع عام 1974 ونص على سودانية مثلث حلايب، وفي الوقت ذاته لم يرع مقتضيات التطور الحاصل في العلاقة بين الطرفين.

ولا يبدو التناقض في التعاطي مع الشأن السوداني خاصا بالسعودية، ففي الوقت الذي تقول الإمارات إنها تسعى لتعزيز العلاقة مع السودان وتمنحه وديعة لدعم اقتصاده تدعم بعض خصومه الذين يتربصون به مثل إريتريا ومليشيا خليفة حفتر في الشرق الليبي.

يتعرض السودان لضغوط كبيرة جراء موقفه المتسم بالحياد تجاه الأزمة الخليجية، كما يدفع أثمانا باهظة بشريا وسياسيا باستمرار انخراطه في الحلف السعودي الإماراتي وبقاء قواته مرابطة في الحد الجنوبي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية