بلاد النهرين تواجه خطر الجفاف

أدى انخفاض مياه نهر دجلة إلى جفاف مساحات واسعة جنوب العراق
انخفاض مياه نهر دجلة أدى إلى جفاف مساحات واسعة جنوب العراق (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

فاجأ جفاف قاس مدن وقرى في محافظة ميسان (جنوب العراق)، وصدم أهالي مدينة المجر الكبير حينما توقف النهر الكبير الذي يمر بمدينتهم متفرعا من نهر دجلة عن الجريان، وظهر قاعه قاحلا، مما تسبب في ذعر أهالي المدينة التي تعيش على ما يوفره النهر من مصدر للثروة الزراعية والحيوانية والسمكية.
 
كان انحسار نهر المجر وجفافه أخطر مؤشر يواجهه العراق حتى الآن على جدية التهديد المائي الذي يتعرض له، ورغم الأمطار الغزيرة التي هطلت على بغداد ومدن أخرى خلال الأيام الأخيرة، فإن ما وفرته مياه الأمطار من إمدادات مائية لن يكون بالضرورة كافيا لإعادة نهر المجر لسابق عهده، كما أنه لن يكون كافيا لإزالة القلق من الجفاف الذي يمكن يصيب العراق بعد تضاؤل نصيب ما يحصل عليه من حصص مائية لنهري دجلة والفرات.

وتشير مصادر حكومية إلى أن معدلات المياه المتدفقة على العراق من تركيا وإيران انخفضت بمعدلات كبيرة، بالتزامن مع قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما أسهم في موجة الجفاف.

ويقول مستشار وزارة الموارد المائية العراقية ظافر عبد الله إن طرق الري المستخدمة في العراق ما زالت قديمة وتقليدية، وما زال الفلاحون ينصبون مضخاتهم الخاصة ويسحبون كميات كبيرة من المياه لصالحهم، مما يؤدي إلى اختلال توزيع الحصص المائية بين المحافظات.

ويقر عبد الله للجزيرة نت بأن خطأ الوزارة الأكبر كان هو التباطؤ في تطهير النهر من الأدغال والترسبات التي أسهمت كذلك في احتجاز المياه.

وتبدأ مياه نهر دجلة الانخفاض بعد سدة الكوت باتجاه العمارة والبصرة جنوبا، وأدت إلى جفاف كامل أو انحسار كبير لروافد وأنهار صغيرة، ومساحات واسعة من الأجزاء الشمالية للأهوار.

وكان نهر "المجر الكبير" والمتفرع من دجلة يستوعب في السابق 150 مترا مكعبا من المياه في الثانية، لكن ما يصله الآن لا يتجاوز عشرة أمتار مكعبة فقط، وفقا لمستشار وزارة الموارد المائية.

‪خبراء‬ يتوقعون (الجزيرة)
‪خبراء‬ يتوقعون (الجزيرة)

خلية أزمة
وأعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي تشكيل خلية لإدارة الأزمة، وبدء أعمال تنظيف مجرى النهر.

ويؤكد مستشار الوزارة أن الحكومة تمكنت في مفاوضاتها الأخيرة مع تركيا من الاتفاق على تأجيل المباشرة في تنفيذ سد "أليسو" إلى ما بعد يونيو/حزيران القادم، لأن 70% من إيرادات العراق المائية تأتي في هذه الفترة.

وأعلنت وزارة الزراعة في وقت سابق وصول خسائر العراق من محصولي القمح والشعير إلى 30٪ جراء النقص الحاد في الأمطار ومياه الأنهار، مع تقارير تشير إلى أن الأمطار التي هطلت على البلاد هذا الموسم هي الأقل منذ نحو سبعين عاما.

ويرى النائب كامل الغريري أن المياه دخلت في اللعبة السياسية منذ زمن طويل، وأصبحت ورقة ضغط على العراق، لذا كان لزاما على الخارجية العراقية أن تتحرك منذ وقت مبكر لتلافي هذه الأزمة.

ويضيف للجزيرة نت أنه كان يمكن التقليل من خطر الجفاف لو تم بناء سدود جديدة في الجنوب، وتنظيم حصص المياه للمحافظات العراقية بشكل متوازن، لكن لا شيء من ذلك حصل منذ 2003، حيث أهمل هذا الملف بشكل شبه كامل.

ويطالب النائب الحكومة العراقية بسرعة التحرك لتسوية هذا الملف مع دولتي المنبع تركيا وإيران، لأن العراق مقبل على كارثة مائية خلال السنوات المقبلة، إذا ظلت الحال على ما هي عليه، حسب قوله.

‪إحدى مناطق الأهوار التي تضررت بالجفاف‬  (الجزيرة)
‪إحدى مناطق الأهوار التي تضررت بالجفاف‬  (الجزيرة)

امتداد الجفاف
ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا وسما بعنوان #جفاف_دجلة، حذروا فيه من امتداد الجفاف إلى بغداد، وطالبوا الحكومة بالتدخل والضغط على أنقرة وطهران لضخ المزيد من الإطلاقات المائية في مجرى النهر.

ووفقا للخبير البيئي ومستشار منظمة "طبيعة العراق" جاسم الأسدي، فإن كمية المياه التي دخلت العراق عبر دجلة في الشهرين الأخيرين كانت 140 مليون متر مكعب في الثانية، في حين أنها كانت تصل إلى 550 مليون متر مكعب في السابق.

ويضيف أن منسوب المياه بسد الموصل انخفض من 321 مترا إلى 292، وكذلك الحال في سد حديثة على الفرات. وتقول أرقام رسمية إن مجموع الفراغ الخزني في السدين بلغ 11 مليار متر مكعب.

من جانب آخر، فإن 64 رافدا قادمة من إيران تغذي نهر ديالى أغلقت جميعها، مما أدى إلى انخفاض شديد في مياهه، وكذلك الحال مع نهر كارون الذي انقطعت مياهه عن شط العرب، مما أدى إلى ارتفاع الموجة الملحية فيه، بحسب الأسدي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العراق الذي تعود منذ القدم على وفرة في المياه، كان عليه أن يغادر الري السيحي باتجاه الري بالتنقيط، لأن ما بين 75 و80% من الإيرادات المائية تذهب للزراعة، وفق ما يرى.

وسائل بدائية
ويسود الشارع العراقي قلق كبير من تدهور الوضع الزراعي والبيئي، خاصة في المحافظات الجنوبية، لا سيما مع اقتراب موسم الصيف، الذي تشير توقعات خبراء الأنواء الجوية إلى أنه سيكون الأكثر جفافا وقساوة منذ عقود.

ويتوقع الكاتب الصحفي رائد المعموري أن يحوّل شح المياه مساحات خضراء شاسعة إلى أرض مقفرة، ويتسبب في خسارة هائلة في الثروة الحيوانية من أسماك وماشية.

ووفقا للأرقام الحكومية، فإن محاصيل هذا العام هي الأقل مقارنة بالسنوات الماضية، مما سيتسبب في خسارة كبيرة للفلاحين، وخلق جيوش من العاطلين عن العمل في محافظات الجنوب، كما يرى الكاتب.

ويعتقد المعموري أن السبب الرئيسي في هذه الأزمة هو غياب خطط مستقبلية ومعالجات آنية لدى الحكومة العراقية، حيث عجزت رغم ميزانياتها الكبيرة منذ عام 2003 عن إقامة سد عملاق في الجنوب "يعترض المياه التي تذهب هدرا إلى الخليج العربي دون أي فائدة".

المصدر : الجزيرة