ما الذي يجري في إثيوبيا؟

People attend a demonstration organized by opposition party the Ethiopian Federal Democratic Unity Forum (MEDREK) in Ethiopia's capital of Addis Ababa, May 24, 2014. They are protesting against security forces who shot at students who rallied peacefully more than two weeks ago in Oromo, according to organizers. REUTERS/Tiksa Negeri (ETHIOPIA - Tags: CIVIL UNREST POLITICS)
مظاهرة سابقة للمعارضة بأديس أبابا ضمن احتجاجات أدت في النهاية لاستقالة ديسيلين (رويترز)

عادل الباز*

وضعت استقالة هيلاميريام ديسيلين من رئاسة الوزراء ورئاسة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (الائتلاف الحاكم) وما تبعها من إعلان حالة الطوارئ دون تحديد سقف زمني، البلاد تحت سيطرة الجيش والأجهزة الأمنية.

بهذه القرارات تكون إثيوبيا قد دخلت مرحلة من الاضطراب جعلت الدولة "أشبه ما تكون بطائرة تحلق في منطقة مطبات جوية"، بحسب تصريحات صحفية للباحث المتخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي رينيه لوفور.

غير أن حالة القلق وتلك الأجواء المضطربة لم تكن وليدة اللحظة، إذ ظلت إثيوبيا تتعايش مع تلك الأوضاع لسنوات طويلة بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي واستمرت حتى العام 1991 حينما استطاعت حركات مسلحة بُنيت على أساس عرقي ومناطقي أن تجتمع في تحالف "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي"، الذي أطاح بالرئيس منغيستو هايلي ماريام.

وبناءً على تفاهمات بين أعضاء هذا التحالف الذي ربح الحرب ضد منغيستو، جرى إقرار الدستور في العام 1994 والذي نصّ على قيام فدرالية إثيوبية وُزعت فيها الأقاليم على أساس عرقي، وهي ما أطلق عليها البروفيسور السوداني حسن مكي "الديمقراطية الإثنية الإثيوبية".

وتعتبر إثيوبيا أكبر دول القرن الأفريقي من حيث السكان (أكثر من مئة مليون نسمة).

نموذج باهر
وقد كان يُنظر إلى النظام في إثيوبيا قبل بداية الاحتجاجات الواسعة التي شهدها إقليما أروميا وأمهرا حتى أكتوبر/تشرين الأول 2015، على أنه نموذج باهر للحكم استطاع إدارة التنوع العرقي والمناطقي، ونجح في إدارة دولة متعددة الإثنيات عبر الفدرالية.

ويتمتع كل إقليم في إثيوبيا بحكم شبه ذاتي وبسلطات واسعة، ويتبع لنظام الكونفدرالية الإثيوبية المكونة من تسعة أقاليم.

إثيوبيا أسرع الاقتصادات نمواً في العالم ومع ذلك فهي أفقر أمة.. تكافح إثيوبيا الآن من أجل الخروج من فقرها المدقع إلى آفاق التنمية الاقتصادية الواسعة ولكنها لا تزال بحاجة لوقت طويل حتى تثمر مشاريعها العملاقة في سد النهضة وغيرها

ولكن الاحتجاجات الواسعة التي شهدها إقليما أروميا وأمهرا، كشفت أن المسافة ما زالت بعيدة لإحداث حالة رضا عام وتعايش مستدام بين العرقيات المختلفة.

على أن معارضين يرون أن إثيوبيا تهيمن عليها قبيلة التيغراي التي تشكّل حوالي 5% فقط من السكان، في حين تصل نسبة أبناء الأورومو والأمهرية 60%.

واندلعت الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول 2015 عقب قرار حكومي بتوسيع رقعة العاصمة أديس أبابا ومن ثم مصادرة الأراضي الزراعية المتاخمة لها. وتقع تلك الأراضي ضمن أملاك الأورومو الذين يمثلون نسبة 40% من المجتمع الإثيوبي، تليهم القومية الأمهرية بنسبة 25%.

وعلى أثر تلك الاحتجاجات المتواصلة في إقليم أروميا وأمهرا سارعت الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2016 إلى إعلان حالة الطوارئ بالمنطقة، ومنعت خروج المواطنين منها، وقطعت شبكة الاتصال وخدمات الإنترنت.

وجرى بموجب تلك التدابير اعتقال أكثر من 29 ألف شخص، بحسب وزير الدفاع الإثيوبي، ووصلت أعداد القتلى  إلى أكثر من 500 قتيل في غضون أشهر، ومنحت حالة الطوارئ السلطات الحق في نشر الجيش بمناطق الاحتجاجات.

الاستقالة الأزمة
في خضم تلك الأحداث المتسارعة اتهمت السلطات الإثيوبية جهات خارجية بمحاولة إشعال فتيل حرب أهلية. وقال رئيس الوزراء هيلاميريام ديسيلين  "إن العناصر المناوئة للسلام في إثيوبيا تتلقى دعماً ماليا وتدريباً في القاهرة، وإن قيادات المعارضة المسلحة انتقلت من إريتريا إلى القاهرة لتتلقى الأوامر من الأخيرة لزعزعة الاستقرار واستهداف أمن إثيوبيا القومي".

وسط هذه الأجواء المتوترة وتعاظم ضغوط الأسرة الدولية، اضطرت الحكومة الإثيوبية لرفع حالة الطوارئ في الرابع من أغسطس/آب 2017، وأفرجت عن سبعة آلاف معتقل قبل أن تعود يوم الثلاثاء الماضي للإفراج عن سبعة معارضين، بحسب إفادات رسمية، أغلبهم من حزب مؤتمر الأورومو الفدرالي أقوى الأحزاب المعارضة.

كما تم إطلاق سراح كل من الصحفي المعارض إيسكندلا نيجا وزعيم حزب المعارضة نيجا وأندلوم وزعيم الرابطة الفدرالية لأقلية الأورومو بيكلى قبرا، وذلك في إطار قرارات الائتلاف الحاكم بالعفو عن السجناء السياسيين من أجل "بناء توافق وطني في إثيوبيا".   

وأدّت تلك الأوضاع المتفاقمة إلى استقالة ديسيلين من أمانة حزب الحركة الديمقراطية لشعوب إثيوبيا، ومن رئاسة الحكومة أيضا بغرض تهدئة الأوضاع المتوترة في البلاد منذ عام 2015. 

استقالة ديسيلين أدخلت إثيوبيا إلى عالم مجهول (رويترز)
استقالة ديسيلين أدخلت إثيوبيا إلى عالم مجهول (رويترز)

وقال ديسيلين في خطاب استقالته إنه "يتنحى الآن حتى يكون جزءا من الحل"، مشيرا إلى أن "مطالب وأسئلة الجماهير لابد أن تجد إجابة تتطلبها المرحلة الحالية في ظل الحالة المقلقة للغاية"، التي تمر بها البلاد.

وتولى ديسيلين رئاسة الوزراء عام 2012 خلفاً للرئيس ملس زيناوي، مهندس الطفرة الاقتصادية والذي ازدهر في عهده الاقتصاد الإثيوبي بسبب الاستثمار الكبير في البنى التحتية، ثم تراجع النمو خلال السنوات الأخيرة بسبب الاضطرابات الاجتماعية والجفاف الشديد.

واقع الحال يشير إلى أن مغادرة ديسيلين موقعه في السلطة لا تعني أن المشكلة قد انتهت، فهو لم يكن إلا واجهة للنخبة الحاكمة، وهو إلى جانب ذلك ينحدر من قبيلة صغيرة غير مؤثرة تتمركز في الجنوب ومن الأقلية البروتستانتية.

وتتخوف الأسرة الدولية من انفراط عقد الأمن في إثيوبيا وفي القرن الأفريقي، وهو إقليم آخر ما ينقصه اندلاع نزاع جديد أو حرب أهلية، وهذا ما عبّرت عنه المحررة بخدمة "بي بي سي" الأفريقية ماري هاربر بالقول إن "إثيوبيا ضعيفة ستشكل خطورة على كامل منطقة القرن الأفريقي، حيث إن استقرار أديس أبابا يعتبر أمرا أساسيا من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة بأكملها".

في الصورة الآن نائب ديسلين وهو ديميك ميكونين، وهو الأقرب لخلافته، في حين ترشح بعض الدوائر الغربية رئيس إقليم أوروميا ليما مقريسا لقبوله من قبل شرائح واسعة من الشعب الإثيوبي، إضافة لقربه من الأجيال الجديدة.

أسرع اقتصاد وأفقر أمة
وحتى الآن تبدو الحلول غائبة والخيارات صعبة وتتطلب تقديم تنازلات كبرى من أجل الأقاليم المهشمة والمظلومة سياسيا واقتصادياً، وذلك يعتمد على مدى قبول النخبة الحاكمة من قبيلة التغرنجا التنازل عن امتيازاتها التي اكتسبتها على مدى ربع قرن، سيطرت خلالها بصورة كاملة على مؤسسات الدولة الرئيسية كالجيش والاقتصاد.

ومما يزيد الطين بلة أن هناك أوضاعا اقتصاديةً حرجةً تعانيها إثيوبيا، فعلى الرغم من أنها أكثر دول القارة نموا (8.5%) في العام 2017، فإن دخل الفرد لا يزال لا يتجاوز 1.24 دولار في اليوم.

 وبحسب نشرة محررة البنك الدولي (11 فبراير/شباط 2018) إليسا مسريت فإن "إثيوبيا أسرع الاقتصادات نموا في العالم ومع ذلك فهي أفقر أمة..". تكافح إثيوبيا الآن من أجل الخروج من فقرها المدقع إلى آفاق التنمية الاقتصادية الواسعة، ولكنها لا تزال بحاجة لوقت طويل حتى تثمر مشاريعها العملاقة في سد النهضة وغيرها.

ويبقى السؤال: كيف ستتصرف إثيوبيا في ظل أوضاع داخلية متفجرة وتربص خارجي ووسط إقليم مشتعل بالحروب والنزاعات من اليمن إلى إريتريا إلى جنوب السودان؟ ومما لا شك فيه أن كل تلك العوامل تؤثر في اقتصادات وسياسات واستقرار إثيوبيا.
__________________________

* رئيس تحرير جريدة الأحداث الإلكترونية

المصدر : الجزيرة