الهند وفلسطين و"شعرة معاوية"

فلسطين رام الله نوفمبر 2016 حفل وضع حجر الأساس للحديقة الهندية بجامعة بيرزيت وسط في الضفة الغربية
من حفل وضع حجر الأساس للحديقة الهندية بجامعة بيرزيت في نوفمبر/تشرين الأول 2016 (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

في جامعة بيرزيت قرب مدينة رام الله، ينتظر أن تفتح هذا العام الحديقة التكنولوجية الفلسطينية الهندية، لتصبح واجهة لمشاريع اقتصادية مشتركة في مجال تكنولوجيا المعلومات والطاقة.

ويُنظر إلى المشروع كمحاولة فلسطينية لتطوير العلاقة الاقتصادية بالهند، بعد سنوات طويلة من تراجع علاقتهما التاريخية وانتهائها إلى دعم سياسي واقتصادي محدود، إذ قطعت إسرائيل على الفلسطينيين طريقهم إلى الهند وأصبحت الأخيرة أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي في العالم.

وبينما يزور رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي لأول مرة السلطة الفلسطينية في رام الله اليوم السبت, في زيارة يصفها الطرفان بأنها "تاريخية"، يدرجها محللون وسياسيون في خانة "تلطيف الأجواء"، خاصة بعد زيارته المنفردة لإسرائيل صيف العام 2017.

ويستذكر الفلسطينيون الهند كأبرز حلفائهم حين كانت أول دولة غير عربية تعترف بوثيقة الاستقلال الفلسطينية عام 1988، بعدما اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1975 وقررت منحها الوضع الدبلوماسي الكامل عام 1982، ورفضت في وقت مبكر قرار تقسيم فلسطين عام 1947.

لكن المعادلة انقلبت مع بدء العلاقات الدبلوماسية الهندية الإسرائيلية عام 1992 بعد انطلاق عملية السلام بين العرب وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما -تبعا للإحصاءات الإسرائيلية- من مئتي مليون دولار سنويا إلى ما يقارب سبعة مليارات دولار حاليا.

علاقة مغايرة
على ضوء ذلك، يصف سفير فلسطين السابق في الهند عدلي صادق العلاقة مع نيودلهي حاليا بأنها مغايرة لما كانت عليه قبل عقدين. وإلى جانب تصاعد العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، يرجع انحسار العلاقة مع الفلسطينيين إلى صعود الحزب القومي الهندوسي بقيادة مودي الذي استقبل بعد فوزه عام 2002 رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون وعلق صورته في مكتبه. كما يعتبر بنيامين نتنياهو أبرز أصدقاء مودي.

ويرى صادق أن حكومة الهند الحالية غير معنية بتطوير العلاقة مع فلسطين، وتحافظ عليها بسبب مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية ومع إيران، ولرد اتهامات حزب المؤتمر الوطني الهندي لها بالتواطؤ مع إسرائيل، ولمراعاة العلاقة مع نحو ربع مليار مسلم في الهند.

أبو سيف: تطور علاقة الهند بإسرائيلأدى إلى تآكل علاقتها بفلسطين (الجزيرة)
أبو سيف: تطور علاقة الهند بإسرائيلأدى إلى تآكل علاقتها بفلسطين (الجزيرة)

وترجمت الهند تمسّكها "بشعرة معاوية" مع الفلسطينيين -كما وصفها صادق- في تصويتها الأخير ضد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل. لكن المسؤولين الهنديين صرحوا في الوقت ذاته بأن "علاقاتها بإسرائيل لا تتوقف على صوت في الأمم المتحدة".

ويضيف أن الاعتناء بالعمل الدبلوماسي الفلسطيني في الهند ليس في مستواه المطلوب أيضا، كما أن ضعف الحضور الدولي الوازن أفقد الفلسطينيين القدرة على مواجهة تصاعد اهتمام إسرائيل بالهند.

ويعتقد عدلي صادق أن الفلسطينيين اكتفوا بدعم هندي محدود يبلغ مليون دولار للموازنة سنويا، ونحو 300 ألف دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، دون الاهتمام ببناء علاقة مع حكومات الولايات المحلية في الهند، بعكس النشاط الإسرائيلي هناك.

تآكل العلاقة
يقول الكاتب والمحلل السياسي عاطف أبو سيف إن تطور الشراكة الهندية الإسرائيلية في العقدين الأخيرين أدى إلى تآكل العلاقة الفلسطينية الهندية وتضررها، وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012 اشترت الهند دفعة من طائرات مسيرة إسرائيلية بقيمة مليار دولار، مضيفا أن "إسرائيل استثمرت الحرب للترويج لأسلحتها، ونجحت في ذلك مع الهند".

وبينما تحدثت الصحافة الإسرائيلية قبيل زيارة مودي إلى رام الله عن فصل الهند بين علاقتها الإستراتيجية بإسرائيل وبين مواقفها تجاه الفلسطينيين، يرى أبو سيف أن هذا لن يدوم طويلا، وأن إسرائيل ستطلب ترجمة تعاونها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي إلى مواقف سياسية قريبا.

وفي هذا السياق، يشير أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في جنين أيمن يوسف إلى تخطيط إسرائيلي لتغيير نمط التصويت الهندي في القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة. ففي سابقة تاريخية، امتنعت الهند فعلا عن التصويت لصالح إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.

ويرى يوسف أن احتواء العلاقة الهندية الإسرائيلية لم يعد ممكنا، ولا يستطيع الفلسطينيون وحدهم مواجهتها لاعتبارات المصالح الكبرى بين الطرفين، لكنه يدعو للاستناد إلى إستراتيجية عربية تستخدم سلاح النفط المزود للهند والعمالة الهندية الكبيرة في دول الخليج لمواجهة تأثير العلاقة الهندية المتصاعدة مع الاحتلال.

المصدر : الجزيرة