تلاميذ تونس: لن نكون وقودا لمعارككم

تلاميذ معهد الحديقة خلال خروجهم للاحتجاج على قرار الأساتذة مقاطعة الامتحانات
تلاميذ معهد الحديقة يحتجون على قرار الأساتذة مقاطعة الامتحانات (الجزيرة نت)
آمال الهلالي-تونس

"لن نكون وقودا لمعارككم"، كلمات تردد صداها في أرجاء المعهد الثانوي بحي الحديقة بالعاصمة تونس، فقد اختار عشرات التلاميذ مقاطعة الدروس والخروج أفواجا من المعهد احتجاجا على قرار الأساتذة مقاطعة الامتحانات.

التلميذ غيث زايد من بين الذين اختاروا مقاطعة الدروس كشكل من أشكال الاحتجاج بعد أن ضاق ذرعا، كما يقول للجزيرة نت، بقرار أساتذته عدم تمكينه رفقة زملائه من إنجاز امتحاناتهم الكتابية وفق الرزنامة المضبوطة سابقا.

وبلهجة لم تخل من التشنج والغضب، يتساءل الفتى عن مصير مستقبله الدراسي والعشرات من زملائه، وهو الذي دفع -كما يقول- السنة الماضية ضريبة صراع شرس بين نقابة الثانوي ووزارة التربية، انتهت برسوبه.

الحلقة الأضعف
قرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي مقاطعة امتحانات الثلاثي الأول احتجاجا على عدم التوصل مع وزارة التربية على اتفاق يتعلق بمطالب مادية وأخرى اجتماعية، ألقى بظلاله على وضعية التلميذ النفسية بعد أن وجد نفسه الحلقة الأضعف في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.

وغير بعيد عن التلميذ غيث، تجلس هاجر الحجيري على أحد أسوار المعهد الثانوي بحي الحديقة رفقة زميلتها جويرة الجلاصي وأخريات، لتقاسمهن حيرتها بعد أن قضت ليلة كاملة في المراجعة لتفاجأ اليوم بقرار الأساتذة مقاطعة الامتحانات.

وتبث التلميذة شكواها للجزيرة نت، وقد أعياها التفكير في أن يتكرر سيناريو السنة الدراسية الماضية، بعد صراع لم ينته بين نقابة التعليم ووزارة التربية، تؤكد أنه انعكس سلبا على ظروف الدراسة بعد أن وجد العشرات من التلاميذ أنفسهم يعيدون السنة الدراسية.

وعلى صعيد متصل، يمضي التلميذ ريان بوعجاجة الذي يستعد لاجتياز امتحان الثانوية العامة بمحافظة بنزرت شمال العاصمة في نشر صور وتعليقات عبر صفحته الشهيرة على فيسبوك "ليسينا" والتي تهتم بمشاغل التلاميذ في كامل معاهد البلاد.

ولا يخفي الشاب خلال حديثه للجزيرة نت شعور الإحباط والقلق الذي بدأ يساوره رفقة زملائه في الثانوية العامة من تداعيات مقاطعة الأساتذة للامتحانات على مستقبلهم الدراسي، خصوصا وأنهم في سنة مفصلية في حياتهم الدراسية.

ويضيف بلهجة غاضبة "نحن فقط من سندفع فاتورة الصراع المقيت بين الأساتذة والوزارة، وعوض أن نكرس كل تفكيرنا في المراجعة والتحضير للامتحانات أصبحنا نخشى شبح السنة البيضاء".

لغة التهديد
ويبدو أن لغة التفاوض قد أغلقت تماما بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية، لتحل محلها لغة التهديد والوعيد، حيث يمضي الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي سعد اليعقوبي عبر صفحته على فيسبوك لحشد الأساتذة، ودفعهم للتشبث بمقاطعة الامتحانات وعدم التنازل عن مطالبهم قيد أنملة.

ويشدد اليعقوبي على أنه سيمضي في معركته ضد الوزارة حتى آخر نفس له بلا خطوط حمر عبر جملة من التدوينات التي حملت رسائل مباشرة لوزير التربية بالقول "لن نتراجع لا تجهدوا أنفسكم".

ويدعو الرجل خلال كلمة له أمام حشد من منخرطي الجامعة العامة للتعليم الثانوي بمحافظة صفاقس زملاءه للثبات على الموقف والذهاب بعيدا في معركتهم من أجل تحقيق مطالب المدرسين.

ويذكر اليعقوبي بما أسماها انتكاسة موجعة تلقتها نقابة التعليم من وزارة التربية السنة الماضية، ليعيد ويشدد على أن هذه السنة لن تكون كسابقتها، متوعدا باستمرار التصعيد لحين الحصول على مطالبهم رغم مماطلة الوزارة.

مطالب المعلمين
وبينما امتنع بعض الأساتذة عن الحديث للجزيرة نت عن دوافع مقاطعتهم للامتحانات، يرفض الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي فخري السميطي تلخيص مطالبهم في المسألة المادية من زيادات في الرواتب والمنح.

ويؤكد للجزيرة نت أن وزارة التربية تحاول تسويق هذا المطلب من أجل تشويه صورة المربي، والحال -كما يقول- أن مطالبهم تتعلق بجوانب عدة من بينها تحسين وضعية المدارس، والتخفيض في سن تقاعد الأساتذة، وسن قانون يجرم الاعتداء على المربي.

ويضيف "مطالبنا ليست تعجيزية كما تسوق وزارة التربية، بل تتعلق أساسا بطبيعة المهنة الشاقة التي تأخذ من صحة وعمر المربي، لذلك طلبنا التخفيض في سن التقاعد من 60 سنة إلى 57 سنة، وتعللت الوزارة بغياب الموارد المالية للمساهمة في دعم صندوق التقاعد".

ويشدد السميطي على ملف وضعية المؤسسات التربوية وضعف الميزانية المخصصة لها بعد أن تم التخفيض في الاعتمادات بنسبة 20%، لافتا إلى أن ظروف العمل داخل المعاهد باتت لا تحتمل بسبب نقص التجهيزات التربوية وتردي البنية التحتية.

ويتساءل عن رفض الوزارة مطلبا ملحا كانت تقدمت به نقابة التعليم متعلقا أساسا بسن قانون يجرم الاعتداء على المؤسسات التربوية بعد استفحال الظاهرة كلما تحرك الأساتذة للمطالبة بتحسين وضعياتهم.

ويرفض محدثنا اتهام نقابة التعليم باستغلال التلميذ كورقة ضغط لابتزاز الوزارة في سبيل تحقيق مطالب الأساتذة، مشددا على أنهم استنفدوا جميع الأشكال النضالية من اعتصامات وتحركات احتجاجية ولم يجدوا غير الرفض من الوزارة.

رفض حكومي
وكانت وزارة التربية قد نشرت بيانا عبرت من خلاله عن رفضها القاطع لقرار نقابة التعليم مقاطعة الامتحانات لمخالفته قوانين العمل النقابي.

كما عبرت في بيان آخر عن استغرابها لما أسمته أسلوب وعيد وشيطنة من الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي، متوعدة باقتطاع أيام من أجور الأساتذة المقاطعين للامتحانات.

ويؤكد المستشار بديوان وزير التربية محيي الدين المسعودي في تصريح للجزيرة نت على تعاطي الوزارة مع كافة مطالب الأساتذة المالية بالأساس والتفاوض معهم بشكل جدي، غير أنه يرفض ما أسماها سياسة لي الذراع والتعنت.

ويقول إن مطالب الأساتذة بالزيادة في قيمة المنح تعد شططا وتعجيزية بالنظر للميزانية المخصصة لوزارة التربية، لافتا إلى أن الوزارة ستقتطع من أجور الأساتذة المقاطعين للامتحانات.

وبين تمسك الأساتذة بمبدأ المقاطعة ورفض الوزارة سياسة المقايضة بالامتحانات، يبقى مستقبل التلميذ التونسي رهين هذا وذاك، وسط حيرة واستغاثة العائلات التونسية لما آلت إليه وضعية المدرسة العمومية.

المصدر : الجزيرة