إسلاميو إندونيسيا يحشدون مليونين استعدادا للانتخابات

التظاهرة المليونية بجاكرتا
التجمع الحاشد بجاكرتا شهد حضورا من مختلف الأطياف السياسية (الجزيرة)

صهيب جاسم-جاكرتا

امتلأت الساحة الوطنية وسط العاصمة الإندونيسية والقريبة من القصر الرئاسي ومعظم وزارات الحكومة الإندونيسية، بأكثر من مليوني شخص من مؤيدي ما بات يعرف بحراك الثاني من ديسمبر الشعبي، نسبة إلى الحشد المليوني الذي شهدته جاكرتا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2016.

وجاء هذا الحراك بعد سلسلة من التظاهرات التي أدت إلى إسقاط حاكم جاكرتا السابق باسوكي تشاهيا بورناما، على خلفية تصريحات أدين بها قضائيا بتهمة الإساءة للدين، فكان تأثير الحراك آنذاك أن خسر في الانتخابات المحلية العام الماضي، التي فاز فيها مرشح المعارضة الأكاديمي والوزير السابق أنيس باسويدان.

واليوم يحتشد أكثر من ذلك العدد بعد عامين، في لقاء آخر لهم مفعم بالمطالب السياسية والإصلاحية، حيث يأتي في خضم حملة انتخابية هي الأطول في تاريخ إندونيسيا، وربما ضمن الأطول في العالم، والتي انطلقت قبل شهور لتنتهي في منتصف أبريل/نيسان المقبل، قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للبلاد، ومشرعين في البرلمانات المحلية والمركزية.

المتظاهرون طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية (الأناضول)
المتظاهرون طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية (الأناضول)

الهدف تغيير سياسي
وكانت أبرز الكلمات التي استمع إليها مئات الآلاف الذين ملؤوا الساحة الوطنية والشوارع الكبرى المؤدية إليها، هي الكلمة المسجلة للحبيب رزق شهاب، أحد أبرز قادة الحراك الموصوف بالشعبي الإسلامي والمعارض، التي بعث بها مسجلة من منفاه.

وأكدت الكلمة أن كثيرا من الإندونيسيين اليوم قلقون من أوضاع بلادهم على شتى الأصعدة، بسبب سيطرة قوى معينة على مفاصل الاقتصاد في البلاد، وإهانة الأديان، وليس فقط الدين الإسلامي وحده، وشيوع الفساد المالي والإداري، وما وصفها بثقافة الكذب في الخطاب السياسي.

وقال إن كل ذلك وغيره يستدعي أن يتعاهد المجتمعون على العمل من أجل التغيير، مؤكدا أن الباب بات مفتوحا أمام تحقيق التغيير في البلاد، وأن الفرصة ذهبية ومواتية عبر صناديق الاقتراع بعد نحو أربعة أشهر.

وأكد الحبيب في خطابه أن التغيير نحو الأفضل ونحو تحقيق العدل والصدق والشورى والتوافق الوطني وتعزيز القيم الأخلاقية هو الهدف المنشود من لقاء هذا الجمع الكبير، الذي عجزت كل الأحزاب السياسية عن تنظيمه بهذا العدد حتى الآن.

وطالب خطابه الناخبين باختيار مرشحين "وقعوا عقدا سياسيا مع اجتماع للعلماء بجاكرتا قبل شهور صيانة لدستور البلاد وكرامتها وسيادتها ونهضتها الاقتصادية"، مؤكدا السعي لتغيير الرئيس الإندونيسي الحالي، دون أن يذكر اسم المرشحين أو الأحزاب المؤيدة لأي منهم.

وعي سياسي متزايد
من جانبه، قال رئيس الجبهة الدفاعية الإسلامية صبري لوبيس إن تزايد عدد المشاركين في اجتماع الحراك بعد عامين على تأسيسه يؤكد تزايد الوعي السياسي لعامة الناس في مواجهة سياسات ما وصفها بالأحزاب المسيئة للدين، مشيرا إلى أن كثيرين جاؤوا من أقاليم وجزر أخرى، رغم الحملات التي تعرض لها الحراك قبيل الاجتماع، والتحذير من أنه سيؤدي إلى أعمال شغب أو اضطرابات.

وعلق أنيس متى، أحد قيادات حزب العدالة والرفاه، على حجم المشاركة بأنها تعكس ارتفاع مستوى الوعي لدى الجماهير، وقال إن هذا الحشد يؤكد أن جمهور الأمة واع بقضاياه وبما يريد وكيف يحقق ما يسعى إليه.

يشار إلى أنه ليس من حزب سياسي أو منظمة مجتمعية استطاعت حتى الآن حشد هذا العدد الكبير من شتى المنظمات الدينية والمجتمعية والأحزاب المعارضة في ساحة واحدة، وتفرق الجمع دون حدوث أي إشكالات خلال أقل من 12 ساعة.

وحضر المشاركون من مختلف الأقاليم والمحافظات على متن طائرات وسيارات وسفن، وحجزت الفنادق الواقعة قرب الساحة الوطنية وسط العاصمة، بما فيها فئة الخمس نجوم، وحضر الاجتماع قادة الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، وممثلون عن أغلبية المنظمات الإسلامية والتيارات الوطنية المعارضة، وجمع من غير المسلمين.

جانب ممن حضروا التجمع الحاشد في جاكرتا (رويترز)
جانب ممن حضروا التجمع الحاشد في جاكرتا (رويترز)

ولكن لم ترفع أي راية من رايات الأحزاب أو شعاراتها أو رايات المنظمات الدينية والمجتمعية، فقد رفع العلم الإندونيسي وراية كلمة التوحيد تأكيدا على وحدة الصف، وردا على مزاعم بأن من يرفع راية التوحيد هم فقط من التيارات المتشددة والراديكالية.

فقد دُعي المجتمعون لرفع راية التوحيد بألوان مختلفة تأكيدا على أن تلك الراية ملك لكل المسلمين، حيث كانت قد وقعت حادثة حرق فيها شاب من إحدى التيارات التقليدية راية التوحيد بحجة أنها راية تيار متشدد معين، وقوبل ذلك بانتقادات واسعة.

حضور متنوع
وكان من بين الحاضرين أنيس باسويدان حاكم جاكرتا، الذي ذكّر المجتمعين بأن الساحة الوطنية وشوارع جاكرتا هي ملك لكل الإندونيسيين، ولهم أن يحضروا في أي اجتماع حاشد لهم دون أن يمنعهم أحد.

وأكد أنه حقق الكثير من وعوده الانتخابية لناخبيه دون عنف، ودون أن يمس ذلك تنوع جاكرتا العرقي والديني، مشيرا إلى أن العيش المشترك والوئام الديني لا يكتمل دون أن يتحقق العدل بين الناس، فيترسخ بذلك الشعور بالوحدة والتآلف بين مختلف فئات المجتمع، على حد قوله.

أما ذو الكفل حسن رئيس مجلس الشعب الاستشاري ورئيس حزب الأمانة الوطني فقد طمأن غير المسلمين قائلا إنه لا داعي للقلق من اجتماع المنظمات الإسلامية ومؤيديها، مذكرا كل مرشح وساع للسلطة "بألا يتكبر بعد فوزه".

وقال إن التيارات الدينية "هي التي كافحت من أجل الاستقلال وحققته وجعلت من إندونيسيا دولة تسع الجميع".

وكان من بين أبرز الحاضرين أيضا مرشح المعارضة للرئاسة الجنرال المتقاعد برابوو سوبيانتو، ونائب رئيس مجلس الشعب هدايت نور وحيد، ونائبا رئيس مجلس البرلمان فخري حمزة وفضلي زون، وأمين رئيس أبرز قادة الحراك الطلابي والإصلاحي الذي أسقط حكم الرئيس الأسبق سوهارتو عام 1998.

واتفق المجتمعون على جعل هذا الحراك تيارا شعبيا يجتمع مؤيدوه لمناقشة المستجدات في المسرح السياسي والديني والاجتماعي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول من كل عام.

المصدر : الجزيرة