بعد دعوتها للحوار.. الرباط تنتظر صدى الجزائر

مغاربة في مدينة السعيدية الحدودية (شمال شرق) ومنها يشاهد أفراد العائلات الذين فرقتهم الحدود المغلقة بعضهم البعض ويتحدثون عبر الهاتف. (الصور التقطتها عام 2016 في الحدود المغربية الجزائرية)
مغاربة بمدينة السعيدية الحدودية يشاهدون أقرباءهم عبر الحدود المغلقة (الجزيرة نت)
سناء القويطي-الرباط

"أما آن لهذا الخلاف أن ينتهي" جملة رددها هذه الأيام كثير من المغاربة والجزائريين الذين جمعتهم اللغة والدين والثقافة والتاريخ والتراب وفرقتهم السياسة، وتجددت الآمال بتغيير الأحوال مع دعوة ملك المغرب محمد السادس إلى فتح حوار مباشر وصريح لتجاوز الخلافات بين البلدين.

وليست هذه المرة الأولى التي تدعو فيها الرباط لتطبيع العلاقات بين "الإخوة الأعداء" بل شكلت مناسبات سابقة فرصة لتمرير رسائل بين البلدين من أجل تجاوز ذنوب الماضي لبناء حاضر ومستقبل زاهر للشعبين.

غير أن الرباط تجاوزت هذه المرة التعبير عن حسن النية وتوجيه الرسائل إلى اقتراح آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور بين البلدين، يتم فيها الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها وشكلها وطبيعتها.

وقال الملك في خطاب بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء "المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين".

واقترح على الجزائر "إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور" موضحا أن مهمة هذه الآلية "الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة دون شروط أو استثناءات".

ووجدت هذه الدعوة تأييدا ودعما من رواد مواقع التواصل بالمملكة الذين تناقلوا مقتطفات من خطاب الملك، ودعوا إلى إنهاء الخلافات بين البلدين وفتح الحدود التي ظلت مغلقة منذ سنة 1994.

قضايا عالقة
وبينما لم يصدر عن الجزائر أي رد رسمي، دعت الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي إلى التفاعل إيجابا مع مبادرة محمد السادس، ووصفتها في بيان بأنها "مبادرة هامة تبشر بكل خير لإحياء شعلة الاتحاد الذي يحتفل مطلع السنة القادمة بالذكرى الثلاثين لانبعاثه" ورحبت دولتا قطر وسلطنة عمان بما ورد بخطاب الملك.

وليست مسألة الحدود المغلقة والنزاع حول الصحراء فقط ما يعتبرها الملك مسائل عالقة بين البلدين بحسب ما ذهب إليه تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بل إن قضايا أخرى مهمة وشائكة تستدعي تعاونا وفتح نقاش بين الجارين ويتعلق الأمر بالهجرة السرية ومكافحة الإرهاب والتبادل التجاري.

وقال الحسيني للجزيرة نت إن اقتصادات البلدان المغاربية تكاملية وليست تنافسية، لذلك فالوضع الحالي القائم على غياب التعاون والتنسيق بين دول المغرب العربي يضيع عليها -بما فيها المغرب والجزائر- فرصا تنموية هائلة.

وشبه وضع المغرب والجزائر بالاتحاد المغاربي بوضع ألمانيا وفرنسا في الاتحاد الأوربي، معتبرا أن هذين البلدين المغاربيين يُعتمد عليهما -بالنظر للوضع الذي تعيشه المنطقة- كمركزين أساسيين لتأطير قيام وحدة مغاربية متكاملة قوامها الاندماج والتعاون المشترك.

ما الجواب؟
ويرى الحسيني أن المغرب رمى الكرة في ملعب الجزائر وليس أمامه سوى انتظار رد فعل على الدعوة التي وجهها، لافتا إلى أن الجواب السلبي من قصر المرادية يعني أن يتحمل كل طرف مسؤوليته أمام التاريخ.

من جهته، أوضح خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة أن المغرب يسعى لجعل عدد من القضايا الجوهرية مدخلا للتقارب بين البلدين، وأكد في حديث للجزيرة نت أن تداخل المصالح الاقتصادية وحده يمكنه إنقاذ العلاقات لما سيحققه من ربح مشترك للطرفين.

وأشار شيات إلى أن الدعوة المغربية "الصريحة والمباشرة" لتطبيع العلاقات وتجاوز خلافات الماضي ستضع الجزائر بموقف محرج، إذ لا يمكنها -كما يقول- تجاهل هذه الدعوة من ملك المغرب أو عدم التفاعل معها "وحتى لو رفضت فإنها ستبحث عن طريقة مناسبة دون أن تتحمل مسؤولية عدم الاستجابة لدعوة كهذه".

واعتبر أن الجواب الجزائري كيفما كان سيوضح ما إذا كان الأوان قد حان لتغيير مسار العلاقة، أم سيستمر الوضع كما هو ويخسر البلدان والاتحاد المغاربي الكثير من الفرص.

وبسبب النزاع حول الصحراء وإغلاق الحدود البرية منذ 1994، تعرف العلاقات المغربية الجزائرية أزمات متتالية لم تنهها بعض الزيارات ورسائل المجاملة المتبادلة. وتعيق الخلافات بين البلدين بناء اتحاد المغرب العربي الذي تأسس قبل حوالي ثلاثين عاما، وبحسب مراقبين تخسر دول المنطقة سنويا ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو بسبب تأخر تحقيق الوحدة المغاربية.

المصدر : الجزيرة