المغاربة والهجرة.. كل الطرق تؤدي إلى الضفة الأخرى

مغاربة بمدينة بني انصار المتاخمة لمليلية يتحينون فرصة الهجرة

بني أنصار-خاص الجزيرة نت

"لا شيء يغري بالبقاء هنا".. بهذه الجملة يروي يوسف مرباح قصة الألم الذي يتجرعه يوميا في شوارع مدينة بني أنصار شمالي المغرب، بحثا عن منفذ يوصله إلى جيب مليلية الواقعة تحت السيطرة الإسبانية والتي تطالب الرباط باسترجاعها.

منذ عدة أسابيع غادر يوسف (20 عاما) مسكن عائلته في ضواحي الدار البيضاء رفقة عدد من أقرانه صوب بني أنصار المتاخمة لمليلية، بعدما أتعبه العمل المضني الذي لا يكسب من ورائه سوى دراهم معدودات.

وإلى غاية أن تحين ساعة معانقة الحلم الأوروبي، يضطر يوسف وزملاؤه من "الحراقة" (المهاجرون غير الشرعيين) إلى استجداء الناس لمنحهم ما يسدون به رمقهم في جو بني أنصار الممطر والبارد.

‪صورة عامة للمنطقة الحدودية بين مليلية وباقي التراب المغربي‬ (الجزيرة)
‪صورة عامة للمنطقة الحدودية بين مليلية وباقي التراب المغربي‬ (الجزيرة)

خيار إستراتيجي
غير بعيد عن يوسف ومجموعته، يقف عبد العالي المراكشي (16 عاما) يتجاذب الحديث مع ثلاثة من زملائه القادمين منذ أسبوع من مدينة بني ملال.. لا حديث يعلو بينهم إلا عن اختراق الحدود والنفاذ إلى مليلية.

بنفس النبرة التي تحدث بها يوسف، يتحدث هؤلاء الفتية عن أوضاعهم الاقتصادية، إذ يؤكد عبد العالي أنه كان يحلم بمتابعة دراسته، لكن الوضع المادي لوالديه لم يسمح، فقرر الهجرة كخيار إستراتيجي بالنسبة له، يمكن أن يغير حياته جذريا.

ويضيف الشبان الأربعة في حديثهم مع الجزيرة نت أن ما يجعلهم يتشبثون بالأمل في تحقيق حلمهم هو تلك الأخبار التي تصلهم باستمرار من باقي زملائهم ممن تمكنوا من عبور الحدود واللحاق بالضفة الأخرى من البحر المتوسط.

وإذا كان العديد من الشبان المغاربة يختارون ركوب الزوارق المطاطية لبلوغ شواطئ إسبانيا، فإن العشرات من أمثالهم الذين تمكنوا من ولوج مليلية يختبئون في الشاحنات والحافلات التي تؤمّن رحلات إلى الموانئ الإسبانية.

لكن السؤال الذي يطرحه باستمرار مراقبون ومنظمات حقوقية: لماذا يلجأ المغاربة إلى ركوب المخاطر المتنوعة للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط؟

الهجرة والاحتجاجات
في تقريرها السنوي الذي قدمته أخيرا في الرباط حول الوضع الحقوقي بالمملكة، قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر جمعية حقوقية في البلاد) إن الهجرة عادت بقوة إلى المشهد الاجتماعي بعد الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدها المغرب.

وتركزت الاحتجاجات بالخصوص في منطقة الريف شمالي المغرب بعدما كان المهاجرون المغاربة يسلكون طرقا أخرى في السنوات الماضية، منها على الخصوص انتحال صفة لاجئين سوريين في الحدود التركية واليونانية، حسب المنظمة.

عماري: قوارب المهاجرين المغاربة تكثفت بالتزامن مع الاحتجاجات الاجتماعية (الجزيرة)
عماري: قوارب المهاجرين المغاربة تكثفت بالتزامن مع الاحتجاجات الاجتماعية (الجزيرة)

الخلاصة التي وصلت إليها الجمعية يؤكدها أيضا حسن عماري الناشط الحقوقي في شبكة "هاتف الإنذار"، وهي شبكة تضم نشطاء دوليين يعملون على مساعدة المهاجرين ممن يواجهون المخاطر في البحر بالتواصل معهم وتحديد أماكنهم لدفع أجهزة الإنقاذ في حكومات دول المتوسط لإنقاذهم.

وأضاف عماري في تصريح للجزيرة نت أنه بينما كانت الدولة تشن حملة واسعة ضد المهاجرين الأفارقة المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، كانت قوارب المهاجرين المغاربة -بالتزامن مع الاحتجاجات الاجتماعية- تصل إلى الجنوب الإسباني بكثافة.

ويؤكد الناشط المغربي أن الأرقام التي تتوافر عليها الشبكة التي ينشط بها، تشير إلى أن عدد القوارب التي كانت تصل إلى الضفة الشمالية للمتوسط من قبل، لم تكن تتجاوز خمسة في اليوم، لكن وتيرة ذلك سترتفع خلال الفترة الممتدة بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول الماضيين لتصل نسبة الارتفاع في بعض الأيام إلى قرابة 150%.

ويضيف أن التدفقات التي حصلت أبرزت تنوعا في الخطوط البحرية التي يسلكها المهاجرون، وخاصة في الجهة الغربية لمنطقة الحسيمة ومنطقة بويفار بمحافظة الناظور.

‪نشطاء في شبكة
‪نشطاء في شبكة "هاتف الإنذار" يحتجون في المنطقة البحرية بمدينة السعيدية المغربية على الحدود مع الجزائر‬ (الجزيرة)

أسباب متعددة
وعن أسباب ذلك، يؤكد الباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان حميد بلغيت أنه بعد إقرار المغرب دستورا جديدا عام 2011، توسع فضاء الأمل لدى فئات واسعة من المجتمع، لكن حدث ما سماها انعطافة عام 2014 في المشهد الحقوقي والديمقراطي، فتعمق مجددا الإحساس باليأس، وتأكد بعد الطريقة التي تعاملت بها الدولة مع الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الريف، في إشارة إلى إنهاء الدولة للاحتجاجات عبر استخدام القوة.

‪بلغيت: فعل الهجرة له أسباب أخرى مباشرة ساهمت في إذكائه‬  (الجزيرة)
‪بلغيت: فعل الهجرة له أسباب أخرى مباشرة ساهمت في إذكائه‬  (الجزيرة)

رغم ذلك يؤكد الباحث المغربي في حديثه للجزيرة نت أن فعل الهجرة له أسباب أخرى مباشرة ساهمت في إذكائه، ولعل أبرزها تعافي الاقتصادات الأوروبية بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، مما ضاعف قوة الجذب نحو أوروبا وقوة الدفع من الدول المغاربية.

سبب مباشر آخر يحضر في هذا الإطار، وهو التحول على مستوى تقنيات ركوب البحر من خلال اللجوء إلى اقتناء قوارب لديها مقومات تقنية وسلامة عالية تمكّن المهاجرين من الوصول بأمان نحو الأراضي الأوروبية، وبالتالي ضعف هامش الهلاك والمغامرة.

وإذا كانت السمة الغالبة على الأسباب التي يبديها المرشحون للهجرة هي طابعها الاقتصادي والاجتماعي، يرى بلغيت أن هناك فئات اجتماعية أخرى ميسورة لكنها تبحث عن الكرامة في المجتمعات التي بها ممارسات ديمقراطية وحقوق الإنسان.

شبكات الهجرة
وتعترف الحكومة المغربية بأن نشاط شبكات الهجرة السرية ارتفع هذا العام مقارنة مع العام الماضي.

وكشف مصطفى الخلفي وزير المجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة أن عدد حالات الهجرة التي تم إحباطها انتقل من 39 ألف حالة إلى 54 ألفا.

وأبرز أن البلد معني بمواجهة نشاط شبكات الهجرة التي طورت من أساليبها، ومعني من جهة أخرى بالعمل على معالجة الأسباب التي تغذي الهجرة.

المصدر : الجزيرة