هل سيصمد مجلس التعاون الخليجي وقد بلغ الأربعين؟

شعار مجلس التعاون الخليجي

عبد الله العمادي

بذل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح جهودا كبيرة كي تنعقد القمة الخليجية الثامنة والثلاثون العام الماضي في بلاده؛ من أجل تثبيت مسيرة مجلس التعاون الخليجي بعد الشكوك الكثيرة التي أحاطت بالقمة بسبب الأزمة التي افتعلتها ثلاث دول أعضاء بمعية مصر لمحاصرة قطر منتصف العام 2017، وخلقت أزمة تتعقد يوماً بعد آخر.

ورغم جهود أمير الكويت لم تُظهر الدول الثلاث حماسة للقمة باعتبار تدني مستوى تمثيلها فيها، فلم يحضر من الرؤساء سوى أمير قطر بالإضافة إلى أمير الكويت، وتم اختصار مدة انعقاد القمة من يومين إلى يوم واحد، في سابقة لم تشهدها قمم المجلس طوال تاريخه.

انعقاد المؤتمر الحادي عشر لرؤساء المجالس التشريعية لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت (الجزيرة-أرشيف)
انعقاد المؤتمر الحادي عشر لرؤساء المجالس التشريعية لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت (الجزيرة-أرشيف)

أزمات بالمنطقة
يحل موعد انعقاد القمة الـ39 بعد أقل من أسبوعين من الآن، والمنطقة تواجه أزمات خانقة ذات أبعاد دولية، بدءا بكارثة حرب اليمن ثم أزمة حصار قطر المفتعلة من بعض أعضاء المجلس، وأخيراً -وربما ليس آخرا- أزمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.

الأنظار ستترقب هذه القمة وفي الأذهان المستوى الباهت للقمة الفائتة، بما يعني أن القادمة لن تكون أفضل منها، إذ للمرة الأولى يُتخذ إجراء جديد في آلية انعقاد القمة، بحسب ما ذكره وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لوكالة الأنباء العمانية؛ من أن القمة الخليجية القادمة ستكون للسلطنة ولكنها ستعقد في الرياض، وأنه سيتم التواصل مع وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية.

وسيرأس جلسات القمة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مضيفاً أنه وفقاً لآلية اجتماعات القمة الخليجية الـ37 التي عقدت بالبحرين والإجراءات الإضافية، يجوز أن تعقد القمة حسب تسلسلها في دولة المقر وأن تكون رئاسة إدارة اجتماع القمة لدولة المقر أيضاً، وهي المرة الأولى التي يطبق فيها هذا الإجراء.

قد يكون التصرف العماني ذكاء سياسيا استدعته ظروف المنطقة، حيث لا تريد مسقط أن يتكرر ما حدث في قمة الكويت من حيث تدني مستوى التمثيل، إضافة إلى اختصار مدة القمة والخروج بنتائج غير ذات جدوى، وإن كانت قمم كثيرة سابقة لا تختلف في مسألة النتائج هذه.

وبهذا كان الإجراء العماني بمثابة استثمار ذكي لآلية موجودة، من أجل التخلص من حرج سياسي لا تريد أن تقع فيه، فتعقد القمة القادمة -وفقاً لذلك- في مقر المجلس وهو الرياض التي صارت تتطلع إلى أي تجمعات سياسية تدعمها في تحسين صورتها المشوهة عالمياً.
 
الدوحة لم تعلن بعد قرار مشاركتها في القمة، فضلا عن تحديد مستوى هذه المشاركة، رغم ما جاء عن خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي في تصريح صحفي أن القمة الخليجية المقبلة التي تقرر عقدها في الرياض يوم 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري "ستعقد بحضور جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يمثل "بادرة تبعث على التفاؤل".

اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت تحضيرا للقمة الخلجية (الصحافة الكويتية-أرشيف)
اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت تحضيرا للقمة الخلجية (الصحافة الكويتية-أرشيف)

سيادة الدول
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني منذ أول خطاب له عن أزمة الحصار في يوليو/تموز 2017 أعلنها بكل وضوح وصفاء نية أن "أي حل للأزمة يجب أن يقوم على مبدأين: أولا، أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها. وثانيا، ألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع، ونحن جاهزون للحوار والتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية كافة في هذا الإطار".

لكن تعنت دول الحصار الخليجية الثلاث أطالت من عمر الأزمة وتعقيداتها، وكانت إحدى نتائجه هو ذاك المستوى الضعيف لقمة الكويت، وهو ما سيؤدي إلى تكرار الأمر مع القمة القادمة، لأنه لم تتغير المواقف بعد، ولم يقم المجلس بدوره في حل الأزمة كما ينبغي، وهو ما عبّر عنه الأمير تميم في آخر خطاب له في افتتاح دورة الانعقاد العادي الـ47 لمجلس الشورى، كرسالة واضحة مختصرة "أن استمرار الأزمة الخليجية كشف إخفاق مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه وتلبية طموحات شعوبنا الخليجية"، وهو ما يؤكد قناعة قطرية ترسخت بعد الحصار مفادها سلبية هذا الكيان في حل مشاكله الداخلية، فكيف بمشاكل ذات أبعاد دولية؟ 

لو جئنا إلى عاصمة المقر الرياض فسنجدها اليوم جزءا رئيسيا من مشاكل المنطقة الثلاث الكبيرة، من حرب اليمن مروراً بحصار قطر وانتهاء بمشكلة دولية هي مقتل خاشقجي. والعاصمة السعودية تعيش في مواجهة وتخبط مع الشرق والغرب بسبب تلك المشاكل، وإن عاصمة تخلق أو تنخرط في صناعة مشكلات إقليمية ودولية، هي بأمس الحاجة إلى من يخرجها من وحل تلك المشكلات، لا أن ينتظرها العالم تصنع حلولاً للآخرين، ففاقد الشيء لا يعطيه.

إن مستقبل مجلس التعاون وقبل أن يبلغ الأربعين -سن الرشد والحكمة- نجده غامضاً مبهماً لا يُعرف له قرار.. نجده ينتكس من عام إلى آخر.. إنه لم يصل إلى درجة المأمول منذ قيامه بداية ثمانينيات القرن الفائت، بل ظل يراوح مكانه وتعصف به الخلافات والمشكلات، وإن كانت مستترة خفية، حتى جاءت كارثة حصار قطر وكشفت عن هذا الكيان، فإذا هو هزيل أعجف لا يسر الناظرين من شعوب الخليج الحائرين.
 
آخر الكلام في هذا المقام، أن قمة الرياض المقبلة صارت حاجة سعودية أكثر منها خليجية، فالرياض تأمل الخروج منها ببعض الدعم والمساندة في حمل وعلاج بعض أخطائها الإستراتيجية، التي هي نتائج طبيعية لمراهقات سياسية وأفعال غير ناضجة. فكيف ستكون أحداثها ومشاهدها؟ ومن سيكون المستفيد الأكبر من القمة لو سارت على ما يرام؟ رغم أن الشكوك تحيط بالقمة وأنها لن تكون سوى نسخة مكررة من قمة الكويت الباهتة الفائتة.. ولكن مع ذلك، نقول إننا إلى التاسع من الشهر القادم لمنتظرون.

المصدر : الجزيرة