عسيري والقحطاني.. متهمان مثاليان في رواية غير مثالية

سعود القحطاني و أحمد عسيري
عسيري (يسار) والقحطاني أقيلا بأمر ملكي صدر في ساعة متأخرة من ليل الجمعة (الجزيرة)

أنكر السعوديون مرارا وأصروا، حين قالوا إنهم لا يعرفون شيئا عن اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، لكن هذا الإنكار لم يصمد طويلا أمام عاصفة عاتية من التسريبات الأمنية التركية التي تشير إلى قتل خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

وحين تعاظمت الضغوط من كل جانب على المملكة لإرغامها على تقديم إجابات واضحة عن مصير خاشقجي، وأحاطت الشبهات بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدأ البحث عن متهمين مفترضين في هرم القيادة السعودي قد يساعدون الرياض في تقديم تلك الإجابات التي يطلبها الرأي العام العالمي.

وانتهى البحث إلى اسمين لديهما من المؤهلات والمواصفات ومن الصلات بولي العهد ما يجعلهما متهمين مثاليين ضمن الرواية السعودية التي تبرئ محمد بن سلمان من دم خاشقجي، وتوحي بأن بطانته سعت -بسوء تقديرها- للتقرب منه برأس الصحفي المغدور.

فما هي الحجج والقرائن والأوصاف التي جعلت من أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، والمستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني؛ متهميْن نموذجيين في رواية سعودية لم تحظ بالتصديق الكافي على الساحة الدولية؟

تحدثت الصحافة الأميركية عن مؤهلات عسيري ليكون "كبش فداء" محتملا، قبل يومين من إعلان السعودية اعترافا رسميا بوفاة خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بسبب "شجار واشتباك بالأيدي"، وما أعقب ذلك من أوامر ملكية بإقالة عسيري والقحطاني.

أحمد عسيري عُين نائبا لرئيس الاستخبارات السعودية عام 2017 وصار مقربا من محمد بن سلمان (الجزيرة)
أحمد عسيري عُين نائبا لرئيس الاستخبارات السعودية عام 2017 وصار مقربا من محمد بن سلمان (الجزيرة)

وقالت واشنطن بوست -نقلا عن مسؤولين أميركيين- إن عسيري كان يخطط الشهر الماضي لإنشاء فريق خاص لتنفيذ عمليات سرية، ونقلت أيضا عن مصدر مطلع على تقارير مخابرات غربية أنه اقترح مرات عدة على محمد بن سلمان اتخاذ إجراءات بحق خاشقجي وآخرين.

وقالت نيويورك تايمز إن اللواء عسيري -الذي كان متحدثا باسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن– قريب بما يكفي من ولي العهد، ولديه سلطة واسعة تخوله إصدار أوامر إلى ضباط أقل رتبة بتنفيذ مهمة مماثلة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر -قبل صدور الاعتراف السعودي الرسمي- أنها تتوقع أن تقول السعودية إن عسيري تلقى إذنا شفهيا من ولي العهد بإلقاء القبض على خاشقجي من أجل استجوابه في السعودية، وأنه ربما أساء فهم توجيهات الأمير أو تجاوز حدود ذلك الإذن وقتل خاشقجي.

إحضار خاشقجي لإثبات الجدارة
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن محمد بن سلمان هو من رقى عسيري إلى منصب نائب رئيس الاستخبارات عام 2017، وأن السعوديين قد يقولون إنه أراد بعملية خاشقجي أن يثبت جدارته.

ورأت الصحيفة أن منصب عسيري الرفيع يجعل فكرة قيادته للعملية دونما إشراف من ولي العهد فكرة معقولة، إذ إن الضباط الأدنى رتبة قد يثقون في أنه يعطيهم أوامر بالنيابة عن الأمير.

وذكرت أن عسيري مقرب بالدرجة الكافية من محمد بن سلمان، إذ كان يجلس مرارا مع الأمير في لقاءاته بمسؤولين أميركيين زائرين.

أما سعود القحطاني الذي كان حتى الليلة الماضية مستشارا بالديوان الملكي برتبة وزير، والذي يعتبره منتقدوه قائد "الذباب الإلكتروني" في المملكة، فلديه أيضا من المقومات ما يجعله متهما نموذجيا في القضية.

فقد ذكرت "واشنطن بوست" أن جمال خاشقجي أخبر أصدقاءه خلال الأشهر القليلة التي سبقت مقتله بأنه تلقى مكالمات تهدف -على ما يبدو- إلى استدراجه إلى السعودية لملاقاة مصير غامض.

ولم يكن محدثه في تلك المكالمات سوى سعود القحطاني الذي دعا خاشقجي -حسب رواية الصحيفة الأميركية- إلى إنهاء منفاه الاختياري في الولايات المتحدة والعودة إلى بلاده، ووعده بالعودة الآمنة وحتى إمكانية الحصول على وظيفة مع ولي العهد.

وأضافت الصحيفة أن خاشقجي أخبر أصدقاءه بأنه لا يثق في العرض أو في ناقله القحطاني، واصفا إياه بأنه رجل زئبقي ينفذ سياسات محمد بن سلمان.

وأشارت الصحيفة إلى أن القحطاني ذا الأربعين عاما قد يكون شخصية غير معروفة جيدا في الغرب، لكنه يعرف في المنطقة بأنه يكاد يكون المسؤول السعودي الأكثر نفوذا في حاشية محمد بن سلمان.

بلطجي في نظر خاشقجي
وفي حوار خاص أجرته معه مجلة نيوزويك الأميركية قبل مقتله ونشرته أمس الجمعة، وصف خاشقجي سعود القحطاني وتركي آل الشيخ -وهو أيضا مستشار بالديوان الملكي- بأنهما "بلطجيان". وأضاف أن "الناس يخافونهما.. إذا تحديتهما فقد ينتهي الأمر بك في السجن، وهذا حصل".

ووصف خاشقجي القحطاني أيضا بأنه "أهم رجل في الإعلام" بالرياض، مشيرا إلى أنه يسيطر على أنشطة العلاقات العامة التابعة للحكومة.

undefinedوكان وأعاد مغردون خلال الأيام القليلة التي أعقبت اختفاء خاشقجي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشر ما اعتبروه دليل إدانة للقحطاني والنظام السعودي، وهو عبارة عن تغريدات كتبها القحطاني في العام الماضي.
 
ويقول القحطاني في إحدى تلك التغريدات تحت وسم "القائمة السوداء" إنه في فتح مكة "أمر الرسول في نفر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة".

ويقول في تغريدة أخرى يرد بها على المعارض السعودي سعد الفقيه المقيم في لندن "تخسى.. وملف الاغتيال تم فتحه من جديد.. ترقب.. # كشف حساب الخونة". وقد لاحظ ناشطون أن هذه التغريدة حُذفت مؤخرا من حساب القحطاني.

وفي تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز" في مارس/آذار الماضي، قال خاشقجي إن القحطاني استفاد من إتقانه للتعامل مع وسائل الإعلام الاجتماعي ومع التكنولوجيا لقيادة "جيش قزم" على الإنترنت، وعرض صورة للقوة السعودية في وقت تتورط فيه المملكة في نزاعات إقليمية مع إيران وقطر وحرب مكلفة في اليمن.

وأضاف "إنهم يخلقون عالما افتراضيا يعتبرون فيه السعودية قوة عظمى، وإن محمد بن سلمان هو القائد الأكثر شعبية.. بالطبع كل هذا بموافقته".

وبالرغم من أن القصد من اتهام أحمد عسيري وسعود القحطاني تبرئة ساحة ولي العهد السعودي وفقا لسياسيين ومعلقين في الولايات المتحدة وغيرها، ورغم كونهما مرشحين مثاليين لحمل أوزار القضية، فإن تسميتهما ضمن الرواية السعودية قد لا تخدم الهدف المنشود، إذ من الصعب تصور أنهما قد يفعلان شيئا دون مباركة ولي العهد.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + مواقع التواصل الاجتماعي