أوجاع بن سلمان.. أقراص كوشنر ليست شافية هذه المرة

White House senior advisor Jared Kushner (C) and his wife Ivanka Trump (R) arrive to tour the new Global Center for Combatting Extremist Ideology with U.S. President Donald Trump and Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al Saud (not pictured) in Riyadh, Saudi Arabia May 21, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst
محمد بن سلمان احتفى بكوشنر وزوجته إيفانكا على هامش زيارة ترامب للرياض في مايو/أيار 2017 (رويترز)
قبل عام تباهى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه يضع في جيبه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ومستشاره و"سمساره"، الذي يخلط بين العمل السياسي والصفقات التجارية، وفق العديد من التسريبات.

كان ذلك في حديث مع "ملهمه" ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. وبالفعل بدا في بعض المحطات أنه من المفيد جدا أن يكون في جيبك مستشار الرئيس الأميركي وزوج ابنته إيفانكا.

وعندما اقتيد الأمراء ورجال الأعمال إلى معتقل ريتز كارلتون، وسلبت أموالهم وحريتهم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ كان ذلك بناء على وشاية من كوشنر بأنهم يستعدون للإطاحة بولي عهد يوصف بأنه مبتدئ ومتهور، إذ يسرف في قمع معارضيه ويخوض حربا خاسرة باليمن، في وقت يتقلص فيه نفوذ مملكته بسوريا ولبنان والعراق، وكل الجبهات الساخنة بالشرق الأوسط.

أهمية وضع كوشنر في الجيب لم تقتصر على الوشاية، بل في حماية الحملة التي ترتبت عليها، فقد دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتقال الأمراء قائلا إنهم يحلبون بلدهم دون مقابل، وإنه حان وقت محاسبتهم.

وفي حصاره قطر، وسجنه الدعاة والنشطاء، وتقربه من إسرائيل، كان محمد بن سلمان يعول دائما على فاعلية كوشنر في ترجيح الكفة لصالحه في البيت الأبيض.

حتى الحين التقى محمد بن سلمان وكوشنر أربع مرات، ويتواصلان بأريحية عبر واتساب، في حين يلح أعضاء بالكونغرس على "أف بي آي" لكشف علاقات الجانبين المالية.

لكن ولي العهد السعودي فتش مؤخرا في جيبه فلم يجد داخله الشاب الوديع كوشنر، إنما صاحب الشارب الكثيف جون بولتون والرجل الضليع في دهاليز الاستخبارات وقائد الدبلوماسية الأميركية مايك بومبيو.

القتل والإنكار
في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري دخل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول للحصول على وثيقة لإتمام زواجه من امرأة كانت تنتظره خارج المبنى.

وبدل تسلم الوثيقة، تسلمه فريق أمني من الدائرة المقربة من ابن سلمان، فشتموه وضربوه وقتلوه ثم قطّعوا جسده إربا إربا، ولم يعرف حتى الحين أين ألقوا بعظامه، وفق تسريبات الأمن التركي.

في البداية، أنكر محمد بن سلمان تهم الخطف والقتل، وشدد على أن خاشقجي غادر القنصلية معافى في بدنه، وأن السعودية تبحث ملف اختفائه مع السلطات التركية.

بيد أن الأمير الثلاثيني لا يملك أي نفوذ على مجريات الأمور في حي بشكتاش الراقي، الواقع في الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول.

القصة هنا يرويها الأمن التركي وتتلقفها وسائل الإعلام المؤثرة من قبيل الجزيرة وواشنطن بوست ونيويورك تايمز وسي أن أن وبي بي سي، مما يثير القلق في أروقة البيت وداخل مراكز صنع القرار على مستوى العالم.

وعندما بدا أن كل التسريبات تدينه شخصيا، وأن الإنكار لم يعد مجديا، قرر ولي العهد استعمال أقراص كوشنر للتخفيف من حدة صداع خاشقجي.

لكن كوشنر لم يكن بمفرده، حين رد على مكالمة محمد بن سلمان، بل كان إلى جانبه مستشار الأمن القومي جون بولتون، حيث تحدثا سويّا مع الأمير الشاب؛ في إشارة قوية إلى أن ملف خاشقجي خطير جدا، ويتجاوز "البزنس" والقضايا التي يمكن علاجها عبر محادثات واتساب.

مساءلة الأمير
وما إن أنهى ابن سلمان مكالمته مع الصقر الجارح والشاب الوديع، حتى تلقى اتصالا من وزير الخارجية مايك بومبيو شدد فيه على أن موضوع خاشقجي يجب تناوله عبر القنوات الأمنية والدبلوماسية فقط.

في قت سابق من هذا العام، شدد كوشنر على أن المملكة العربية السعودية واحدة من دول الشرق الأوسط التي تسعى للإصلاح، وفي مناسبات عديدة أشاد بابن سلمان ودافع عن نهجه.

وفي كتابها الذي صدر مؤخرا، تنقل الصحفية ميجر غاريت عن كوشنر قوله إن محمد بن سلمان لديه "أهداف كبيرة وجريئة. يجب أن نمنحه المساحة اللازمة لمحاولة إنجازها".

حاليا، يختلف الوضع؛ إذ يتفادى كوشنير التعليق على قضية خاشقجي، وتفيد التسريبات بأنه يضغط في الخفاء لمساعدة ولي العهد السعودي ولكن ليس له من الأمر شيء؛ إذ يجري التعاطي مع الموضوع من خلال الدوائر الاستخبارية والدبلوماسية، بعيدا عن مهارات العلاقات العامة.

وتفيد تسريبات نقلتها وسائل إعلام أميركية بأن كوشنر وبولتون أبلغا ابن سلمان بأنه لا مناص من إجراء تحقيق شفاف حول اختفاء خاشقجي.

ورغم أن الرئيس الأميركي ما زال يطالب بإحسان الظن بالسعودية، فإنه توعّدها بعقوبات مؤلمة إذا ثبت تورطها في قتل الصحفي خاشقجي.

وفي مؤتمر صحفي عقد اليوم، قال بومبيو -الذي زار الرياض الثلاثاء- إنه أبلغ ابن سلمان أن لديه 72 ساعة فقط لإكمال "تحقيقه" في مقتل خاشقجي، وشدد له على أن الجدول الزمني للتعامل مع الموقف "محدود" لأن الضغط العالمي يتصاعد.

العرش في خطر
ونقلا عن مصدر مطلع، أفادت شبكة سي أن أن بأن بومبيو أوضح لابن سلمان أنه "على السعوديين إجراء تحقيقاتهم بسرعة كبيرة"، وأنه إذا لم تقم الرياض بمحاسبة المسؤولين عن إخفاء خاشقجي فسيتعين على الولايات المتحدة القيام بذلك بسبب الضغط العالمي.

ومع أن التسريبات تتحدث عن محاولة الرياض وواشنطن العثور على كبش فداء لتحمليه وزر قتل خاشقجي وتبرئة محمد بن سلمان، فإن بعض المصادر نقلت أن الأميركيين أبلغوا ولي العهد أن طريقه إلى العرش باتت محفوفة بالمخاطر.

وفي تقرير نشرته اليوم الأربعاء، قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن هيئة البيعة في السعودية اجتمعت سرا لاختيار ولي لولي العهد.

ووفق الصحيفة، فإن هذا التطور يأتي في سياق القلق إزاء مستقبل ابن سلمان في الحكم بفعل الضرر الذي ألحقه بالمملكة، خاصة بعد اختفاء خاشجقي.

ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي قوله إنه إذا تم تعيين السفير السعودي لدى واشنطن الأمير خالد بن سلمان وليا لولي العهد، فإن ذلك يعني أن ولي العهد محمد بن سلمان يغادر منصبه، "ولكن ليس فورا وإنما على المدى المتوسط".

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + الصحافة الفرنسية