يمني يتحدى الحرب ويعلم 700 طالب بلا مقابل

مدرسة النهضة
إحدى الغرف التي تستخدم كفصل لتدريس الأطفال (الجزيرة)

يوسف عجلان-تعز

من منزل لا يزال قيد الإنشاء، حوّل معلّم يمني ذلك المبنى إلى مدرسة مجانية تحتضن قرابة سبعمئة طالب في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، خشية أن تمضي السنوات دون استكمال دراستهم، مع استمرار الحرب الدائرة بين القوات الحكومية ومليشيا الحوثيين.

في الصباح الباكر، يقف المعلم عادل الشريحي لاستقبال طلابه، يحثهم على الوقوف صفوفا متساوية أثناء الطابور الصباحي، ثم يسمعهم النشيد الوطني عبر مكبرات الصوت لترديده من أجل تعميق حب الوطن في قلوبهم -يقول للجزيرة نت- قبل أن يذهب الطلاب كلٌّ إلى فصله.

يقف المدرس مزهوّا أمام منزله الذي قضى لأجل بنائه سنوات ولم يتمكن من إكماله بسبب الحرب، لكن الأقدار كانت تُهيّئ له ظروفا مختلفة بعد أن جعل منزله مدرسة تضمّ سبعمئة طالب، جلهم من الفقراء والنازحين.

وفي المنزل الذي يتضمن 11 غرفة، يتدافع الطلاب لحجز أماكنهم على الأرضية غير المستوية، ومعها يحاول أحد المدرسين تهدئة الطلاب حتى لا يثيروا الأتربة.

دفعت الحرب بما لا يقل عن نصف مليون طفل خارج مقاعد الدراسة منذ العام 2015، بينما هناك 3.7 ملايين طفل آخرين معرضون لخطر خسارة العام الدراسي الحالي إن لم تُدفع رواتب المعلمين، خصوصا في المناطق المحررة جنوبي اليمن.

"لم تكن هناك أي طريقة لاستمرار تعليم الطلاب في هذه المنطقة سوى التقدم بمبادرة عبر مكتب التربية والتعليم، ومتطوعين جامعيين، ومعلمين، والتبرع بمنزلي لاحتواء الطلاب"، يروي الشريحي عن بداية انطلاق المدرسة التي أطلق عليها اسم "النهضة".

وتقع المدرسة في منطقة السلامي قرب معسكر الدفاع الجوي شمال غربي المدينة، وسبق أن سيطر الحوثيون على المنطقة، قبل أن يغادروها تحت ضربات القوات الحكومية.

‪المعلم عادل الشريحي فتح بيته لتدريس الأطفال اليمنيين‬ (الجزيرة)
‪المعلم عادل الشريحي فتح بيته لتدريس الأطفال اليمنيين‬ (الجزيرة)

 

صمود بلا مقابل
يعمل الشريحي في مدرسته مقابل راتب بسيط تقدمه له وزارة التربية والتعليم لكونه معلما سابقا، أما منزله فلم ينل من إيجاره أي مبلغ مالي.. يقول "لا يهمني المال، كل ما أريده هو أن أجد الدعم للنهوض بالمدرسة"، ومثله بقية المعلمين الذين يعمل معظمهم بدون مقابل.

يروي محمد سعيد أحد سكان الحي للجزيرة نت معاناة المدرسة أثناء تواجد الحوثيين، حيث تعرّض المدرسون والطلاب لمضايقات متكررة منهم، الأمر الذي دفع بعض السكان لمنع أبنائهم من الدراسة، خشية تعرضهم للقتل.

في إحدى المرات، أحضر المدرسون مجسما "للكعبة" إلى باحة المدرسة لتعريف الطلاب بكيفية الطواف حول الكعبة، ليتفاجؤوا بوصول مسلحين حوثيين إلى المكان وهاجموا الطلاب ومعلميهم ووصفوهم "بالدواعش"، وهددوهم بإغلاق المدرسة، بحسب "محمد سعيد".

وتقول منظمة "أوكسفام" إن 1600 مدرسة باتت خارج نطاق الخدمة نتيجة تحولها إلى ركام أو إلى معسكرات لأحد طرفي النزاع في اليمن، أو في أحسن الأحوال إلى ملاجئ للنازحين.

ورغم الأصوات المتعالية أثناء الدروس اليومية في الفصول المتجاورة، إذ لا توجد أبواب تفصل بين الغرف/الفصول، فإن الطلاب ترتسم على وجوههم الفرحة بما يتعلمونه، والمعلمين يسعدون بتقديم خدمة للمستقبل تحت شعار "العلم يبني بيوتا لا أساس لها"، يقول المعلم بالمدرسة عقيل شائف.

ويتمنى المعلم الشريحي أن تلتفت الجهات المعنية إلى مدرسته، خصوصا أنها مجانية منذ أربعة أعوام، وتفتقر إلى أبسط الاحتياجات كالمقاعد الدراسية والنوافذ لحماية الطلاب من الرياح والأمطار، إضافة إلى مرتبات المتطوعين البالغ عددهم 16 متطوعا.

‪تجمع التلاميذ اليمنيين أمام مدرسة
‪تجمع التلاميذ اليمنيين أمام مدرسة "النهضة"‬ (الجزيرة)

نجاح واستمرار
احتفلت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير بالخطوة التي قام بها المعلم الشريحي، الأمر الذي دفع محافظ تعز إلى إعلان تقديم مبلغ مليون ريال يمني دعما للمدرسة (نحو 4000 دولار).

وعلى الرغم من أن ما قدمه المحافظ أمين محمود لا يساوي شيئا أمام احتياجات المدرسة، فإن مصدرا في مكتبه أوضح للجزيرة نت أن ذلك يعدّ تشجيعا لحث التجار والحكومة من أجل حشد الطاقات لتشجيع هذه المبادرات التي تساهم في القضاء على التخلف والأمية، وتقديم الدعم لها.

ويؤكد المعلم الشريحي أن مدرسته تعلّم الطلاب من الصف الأول إلى التاسع، موضحا أن نجاح مدرسته في احتواء الطلاب دفعته ورفاقه المعلمين إلى الاستمرار رغم كل المعوقات.

ولم تكن مبادرة الشريحي وحدها التي عملت على منع توقف التعليم في مدينة تعز، فبحسب رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي في المدينة أحمد البحيري، قامت مبادرات مختلفة باحتواء وتعليم قرابة خمسة آلاف طالب خلال العام الدراسي 2016-2017، ومعظم المدرسين فيها متطوعون.

ويشتكي البحيري من ضعف إمكانيات مكتب التربية في تعز، واصفا إياه "بالمشلول" بسبب ضعف التمويل والدعم الحكوميين المقدمين له، وهو ما انعكس على واقع صعوبة دعم مثل هذه المبادرات التي تعمل على انتشال التعليم من التدهور.

المصدر : الجزيرة