"تقنين الكيف".. من حشيش لبنان إلى أفيون الأفغان

An Afghan girl gathers raw opium on a poppy field on the outskirts of Jalalabad April 28, 2015. REUTERS/Parwiz TPX IMAGES OF THE DAY
مزارعو الأفيون الحلقة الأضعف بقضية بالغة التعقيد (رويترز-أرشيف)

مجدي مصطفى

تختلف التفاصيل، لكن مجمل الحالة متشابه بين زراعة القنب الهندي (الحشيش) في لبنان وبين الخشخاش (الأفيون) في أفغانستان، حيث يتشابك الاقتصادي مع الاجتماعي والسياسي وحتى الصحي والديني، والجغرافي والبيئي. وتمد الخيوط من الداخل إلى الخارج، لكن القضية تظل تراوح مكانها في البلدين، وإن علا الجدل الموسمي حولها في "بازار" السياسة اللبنانية، أو أشلاء الدولة الأفغانية.

لبنان يحتل المرتبة الخامسة في زراعة وإنتاج الحشيش في العالم، وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حيث تنتشر زراعته في مناطق البقاع والجنوب.

أما أفغانستان فتحتل المرتبة الأولى عالميا في زراعة الأفيون حيث تنتج 93% من أفيون العالم، وتقدر الأمم المتحدة فرصا للعمل التي تتوفر في موسم جني الخشخاش بنحو نصف مليون شخص في بلد يعاني غالبية سكانه الفقر والجهل والبطالة.

الحشيشة اللبنانية صاحبة سمعة "جيدة وعالية" بين "تجار الصنف" فهي معروفة بـ "نوعيتها الجيدة" منذ ما قبل استقلال البلاد عام 1943 حيث شكلت زراعة الحشيش عاملا مهما في تأمين معيشة قسم كبير من أبناء منطقة بعلبك الهرمل في البقاع شرقي البلاد.

وتزايدت المساحات المزروعة بهذه النبتة بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، مما أدى إلى تنامي نسبة الاتجار بها بالداخل إضافة إلى تهريب كميات منها إلى الخارج حيث تدر ملايين الدولارات.

ورغم أن القانون اللبناني يضع عقوبات مشددة بالسجن على زراعة وتجارة وتهريب الحشيش، ورغم أن السلطات الأمنية والعسكرية تشن مداهمات وعمليات تجريف للأراضي المزروعة به وإتلافه أو حرقه بين الحين والآخر، فإن زراعة الحشيش لا تزال قائمة هناك بل عادت للازدهار بصورة كبيرة عقب الثورة السورية، والاضطرابات الإقليمية التي تحيط بلبنان، في ضوء انشغال السلطات الأمنية بملفات أخرى.

وأحدث ما أفرزه "بازار السياسة" في لبنان بشأن زراعة الحشيش قرار برلماني الأسبوع الماضي بتشكيل لجنة تتولى "البحث والمناقشة وإعداد تقرير" يقدم لاحقا إلى اللجان النيابية المشتركة، بشأن اقتراح بقانون خاص بتنظيم زراعة الحشيش للاستخدام الطبي والصناعي. ويتضمن إنشاء هيئة منظمة لزراعة الحشيش تتولى الإشراف والمراقبة وإعطاء التراخيص وتحديد الكميات منذ زراعتها وحتى تسلمها بمعرفة الجهات المعنية.

الاقتراح تقدمت به شركة "ماكنزي" الدولية للاستشارات الإدارية والمالية، للمساهمة في إطار الطلب منها بإعداد "الخطة الوطنية الاقتصادية" للنهوض بالاقتصاد اللبناني، حيث تضمنت خطة "ماكنزي" ضمن بنودها مقترحا بتقنين زراعة الحشيش للأغراض الطبية، على نحو من شأنه أن يدخل أرباحا سنوية بقيمة مليار دولار لصالح الخزانة العامة للدولة.

‪الحشيشة اللبنانية لها سمعة عالية عند تجار الصنف‬ الحشيشة اللبنانية لها سمعة عالية عند تجار الصنف (رويترز)
‪الحشيشة اللبنانية لها سمعة عالية عند تجار الصنف‬ (رويترز)

تخدير وعقاقير
مثل هذا الاقتراح كان حاضرا في ملف الأفيون الأفغاني الذي يصنع منه الهيروين حيث سبق ودعت منظمة "سينسيل كاونسيل" الاستشارية لشؤون المخدرات في البلاد إلى مطالبة الغرب بشراء محاصيل الأفيون، واستخدامه في عقاقير تخفيف الآلام مثل المورفين والكوديين بدلاً من تدميره.

وتساءلت المنظمة الغربية في دراسة لها قبل سبع سنوات "كيف يمكن للمرء أن يأمل تحقيق الاستقرار لأفغانستان من جديد ونيل دعم المزارعين، عبر تدمير المحاصيل التي تمد عائلاتهم بالرزق؟".

من الحقائق التي لا يتوقف عندها الكثيرون تقرير للأمم المتحدة صدر قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة يؤكد انحسار زراعة المخدرات في أفغانستان بصورة غير مسبوقة في عهد حركة طالبان.

وأصدر أمير الحركة الراحل محمد عمر عام 1999 قرارا بحظر زراعة الأفيون، مما أدى لانخفاض إنتاجه حيث تراجع بنسبة 28% عام 2000 (3.572 أطنان مقارنة مع عام 1999 عندما بلغ الإنتاج 4.185 أطنان). كما تراجعت نسبة الأراضي المزروعة بالأفيون إلى نحو 82 ألف هكتار، وهي تقل بنسبة 10% عن المساحة المسجّلة عام 1999.

وبعد التدخل الأميركي تضاعفت زراعة وإنتاج الأفيون مرات ومرات، وعادت بصورة أكبر مما كانت عليه، ووصلت المساحات المزروعة بالأفيون إلى 209 آلاف هكتار بعد ثلاث سنوات فقط من الإطاحة بطالبان، ووجهت الاتهامات للاستخبارات الأميركية بالمسؤولية عن ازدهارها بل وجهت روسيا الاتهام للتحالف الدولي بالتشجيع على زراعته وتهريبه إليها باعتبارها السوق الأكبر للأفيون الأفغاني.

"حروب الأفيون الجديدة" بالمشهد الأفغاني و"هفة حشيشة الكيف" بالمشهد اللبناني ستظل حاضرة في البلدين، بين ضعف الحكومة المركزية في الأولى، والخلافات التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة في الثانية، وانصراف الجهود عن توفير بديل كريم للمزارعين الذين يرزحون تحت الفقر والحاجة ولا يعرفون غير تلك النبتتين لتأمين قوتهم.

وفي ظل استشراء الفساد والصراعات الداخلية وإهمال القطاعات التنموية، وانصراف الجهد الأمني الأكبر إلى "محاربة الإرهاب" سيظل موضوع محاربة المخدرات -حشيشا لبنانيا أو أفيونا أفغانيا- معزولا وهامشيا.

المصدر : الجزيرة