مصر الجديدة.. جمهورية الاختفاء القسري

مصر / القاهرة - صورة تجمع مواطن مصري واثنين من أبنائه تم إخفاءهما قسريا - الصورة مأخوذة من الصفحة الرسمية لمنظمة شهاب موقع فيسبوك
الإعلان عن حالات الاختفاء القسري بات أمرا مألوفا في مصر (مواقع التواصل)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

خلال فترة وجيزة تحولت حياة الشاب العشريني عبد الله نادي إلى كابوس مرعب، تفاصيله ثقيلة ومرهقة، ولا تلوح له نهاية في الأفق القريب. فقد غيّر الحزن مجرى حياته، وبدا صوته مختنقا عندما تحدث للجزيرة نت عن تغييب الأمن المصري لوالده وأخويه.

فبينما تعيش مئات الأسر المصرية حالة فقد مستمر لتغييب أحد أفرادها وإخفائه بعد اعتقاله من جهات أمنية، تبدو حالة عبد الله هذه أشد بؤسا وألما، إذ يتعلق الأمر برب العائلة واثنين من أفرادها.

يحكي عبد الله كيف تتابع انتزاع أفراد عائلته بداية بوالده الذي اعتقل في أحد الكمائن الأمنية وهو في طريقه إلى عمله قبل شهر ونصف.

وبعدها بيوم وقبل أن تتجاوز الأسرة صدمة تغييب عائلها، اختفى ابنها عمرو وهو في طريقه إلى تدريب عملي خاص في إطار دراسته.

وقد استمرت حلقة الاستهداف لتطال الابن الثاني عاصم الذي اختفى مطلع الشهر الجاري وهو خارج من أحد امتحاناته.

كانت هذه الأسرة قد غيّرت محل إقامتها بإحدى قرى محافظة بني سويف بحثا عن الاستقرار، ولكن ذلك لم يعفها من استمرار الملاحقة الأمنية لأغلب أفرادها.

وبينما يخطط زملاؤه للاستمتاع بإجازة نصف عامهم الدراسي، لا تتجاوز آمال عبد الله الحصول على معلومة تساعده في معرفة مصير والده وشقيقيه في ظل خوفه من اللحاق بهم، ويتحمل في الوقت ذاته مسؤولية رعاية والدته وباقي أفراد الأسرة.

منهجية جديدة
وحسب مصادر حقوقية، فإن اختفاء أكثر من فرد من عائلة واحدة قسريا بات منهجية جديدة للنظام المصري في استهدافه لمعارضيه.

وقد تزايدت حالات الاختفاء القسري الأسري مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث رصدت المصادر أكثر من عشر حالات ما بين إخفاء والد وابن له أو أكثر، أو أشقاء، أو أبناء عمومة.

ويشير مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عزت غنيم إلى أن هذا الأمر يتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في عدد المختفين قسريا حيث، وصل متوسط عددهم في اليوم الواحد إلى أربعة أفراد خلال الأيام الأخيرة، وهو ضعف ما كان عليه الحال عام 2017 الذي بلغ فيه عدد المختفين قسريا 762 حالة.

تزايد هذه الأعداد يضع النظام المصري في مراكز متقدمة عالميا في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، حسب مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف الذي يرى أن هذه الممارسات تأتي في إطار إصرار النظام على تحقيق مُبتغاه بشتى الوسائل أيا كانت.

ويصف عبد المنصف الاختفاء القسري بأنه "الشر الأول" في مصر، حيث "يتعرض له جميع من يوقعه حظه العاثر في يد الأجهزة الأمنية، ويشترك في ذلك من يظهرون في أوقات لاحقة على ذمة قضايا مختلفة ومن تتم تصفيتهم جسديا".

‪المنظمات الحقوقية تتهم الأمن المصري بترصد معارضي النظام والقبض عليهم دون إذن القضاء‬ (الجزيرة)
‪المنظمات الحقوقية تتهم الأمن المصري بترصد معارضي النظام والقبض عليهم دون إذن القضاء‬ (الجزيرة)

إرهاب المواطنين
وترى مسؤولة الملف المصري بمنظمة "هيومن رايتس مونيتور" سلمى أشرف أنه مع كل حدث كبير بمصر يبتدع النظام أسلوبا جديدا في إرهاب مواطنيه ومحاولته تحجيم معارضته، حيث "اعتمد مؤخرا منهجية الإخفاء الجماعي لأكثر من فرد بالأسرة الواحدة".

وتضيف سلمى في حديث للجزيرة نت أن الاعتقال بتصريح وإذن من النيابة العامة ومعرفة أماكن الاحتجاز التي يُؤخذ إليها المقبوض عليه، بات من "ذكريات الزمن الجميل التي يشير الواقع إلى صعوبة عودتها في ظل النظام القائم".

وتقول إن الاختفاء القسري بات آلية عادية في تعامل النظام المصري مع أي معتقل سياسي.

ومع صباح كل يوم، يُنَغّص أملَ الشاب عبد الله في معرفة أماكن احتجاز والده وشقيقيه، ورودُ أخبار عن تصفية عدد ممن سبق اختفاؤهم قسريا.

وقد بات منتهى أمله الاطمئنان على حياتهم، وأن تكون نهاية فصول هذا "الكابوس" إحالتهم إلى المحكمة "حتى إن افتقدت العدالة والنزاهة، فإنها تطيل أمد الحياة وتجدد أمل الحرية".

المصدر : الجزيرة