مؤتمر سوتشي.. هل تمرر روسيا أجندتها بسوريا؟

زهير حمداني

تستعد روسيا لاختبار مقاربتها للحل السياسي في سوريا مع بدء أشغال مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، وفي وقت لا توجد فيه مؤشرات كبيرة على تحقيق النجاح الذي تأمله موسكو يدخل المؤتمر كعنوان آخر بارز لمسارات الحل لأزمة سوريا.

وقد عملت موسكو منذ فترة على حشد الجهود لإنجاح المؤتمر الذي تعول فيه على التنسيق مع إيران وتركيا (شريكيها في مسار أستانا) من خلال تفاهمات وترتيبات طالت -وفق بعض المحللين والمراقبين- الوضع الحالي في عفرين وعملية "غصن الزيتون".

والحضور التركي في موسكو -وفقا للمقاربة الروسية- يعادل أو يفوق حضور المعارضة السورية ذاتها، وذلك باعتبار الأوراق التي تحملها أنقرة في الملف السوري ودورها في إضفاء الشرعية على المؤتمر بقطع النظر عن نتائجه ومقرراته.

وتعول موسكو كثيرا على خارطة الحضور والغياب سواء على الصعيد المحلي السوري أو الدولي، باعتبار أن نجاح المؤتمر في فرض نفسه يستند إلى مدى قوة تمثيل هذه الأطراف وحجمها وفاعليتها في الملف السوري.

وبينما أكد منظمو مؤتمر الحوار الوطني أن المدعوين للمؤتمر يبلغ عددهم أكثر من 1600 شخصية يمثلون أحزابا ومكونات من المجتمع السوري وشخصيات وبعض الممثلين عن الفصائل المسلحة والشخصيات والأحزاب المعارضة، قررت الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة وقوى أخرى معارضة عدم المشاركة، وكذلك الإدارة الذاتية الكردية شمالي سوريا بسبب الهجوم التركي على منطقة عفرين.

شكوك مزمنة
ويأتي مؤتمر سوتشي بعد أيام من مؤتمر فيينا (جنيف 9) الذي لم يخرج بأي نتيجة، ورفض النظام الوثيقة الخماسية التي قدمتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمملكة السعودية والأردن للحل، معتبرا على لسان رئيس وفده أنها "لا تساوي الحبر الذي كتبت به".

ورغم عدم تجاهل المعارضة (الائتلاف السوري والهيئة العليا للمفاوضات) لدور موسكو، فإنها تشكك منذ البداية في النوايا الروسية الهادفة إلى إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة والالتفاف على مؤتمر جنيف والقرارات الدولية خاصة القرار رقم 2254 .

ويقول رئيس دائرة الإعلام بالائتلاف أحمد رمضان إن روسيا تحاول فرض حل أحادي في سوتشي، وإنه "لا يمكن  تمرير هذه الصفقة الروسية في سوتشي أو غيرها من خلال سحب البساط السياسي من جنيف إلى هناك" مشيرا إلى أن "موسكو تضع حلولا بالاستناد إلى مفهوم المنتصر والمهزوم في ظل غياب مشاريع دولية للحل السياسي".

ورغم تأكيدات دائمة لمسؤولين روس بأن سوتشي لن يكون بديلا لجنيف، يمكن قراءة الموقف الروسي من خلال التصريحات الأخيرة لمبعوث الكرملين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، وقوله إنه "لا مكان في سوتشي لمن يعارض بقاء الأسد في الحكم، وإن إعلان المعارضة الامتناع عن حضور المؤتمر ستكون له تبعات كثيرة على الأرض".

وذهبت المعارضة إلى أن المؤتمر الروسي لن يكون في غيابها سوى "كرنفال" للتسويق الدولي، رغم تخوفها من مشاركة المبعوث الأممي لسوريا ستفان دي ميستورا، حيث قال المعارض خالد خوجة إن هذه المشاركة ستفتح الباب أمام بوتين لفرض مفهومه للحل السياسي عبر تبني الأمم المتحدة لمقاربته.

ويشير معارضون آخرون إلى أن هذه المشاركة "الواسعة" من الأطراف السورية -رغم أن معظمها صنيعة النظام أو موال له وفق تقديرهم- ستكون لها تبعاتها المستقبلية في إدراج هذه الأطراف ضمن مخرجات الحل السياسي، وبالتالي تمييع الجسم الرئيسي للمعارضة.

الرهان الروسي
ورغم بحث موسكو عن حضور أكبر للمعارضة في سوتشي، فقد أكد الكرملين في بيان أن غياب "بعض عناصر المعارضة السورية" عن المؤتمر لن يقوض على الأرجح أهمية المؤتمر أو أعماله.

ويشير البيان بوضوح إلى أن موسكو تعتبر هيئة التفاوض مجرد جزء من المعارضة السورية، بما يشير إلى أن سوتشي ستكون بوابة لأطياف أخرى من المعارضة للولوج إلى عملية التسوية وتشكيل لجنة لإعداد الدستور، باعتباره أحد أهم أوراق المؤتمر.

ويشير مراقبون إلى أن روسيا كانت متحسبة لغياب المعارضة عن سوتشي، لكنها تعول على جمود المسارات الأخرى -وخصوصا جنيف- في دفع المعارضة إلى مقاربتها للحل، خصوصا وأن المؤتمر يتم برعاية أممية وبحضور دي ميستورا.

وترى موسكو أن دخول سوتشي ومقرراته على خط مسارات الحل السياسي للأزمة السورية يعد نجاحا في حد ذاته، كما أن الأطراف الحاضرة واللجان التي ستتشكل -ومعظمها مقرب من روسيا- ستكون الحامل الأساسي للمقاربة الروسية في الاستحقاقات القادمة.

وإضافة إلى تحقيق أهدافها في توسيع الجسم السوري المعارض ليشمل أطيافا متنوعة ومختلفة وبعضها لا وزن له -كما يقول مراقبون- بهدف تغييب المطالب الأساسية للشعب السوري وبينها رحيل النظام، تعمل روسيا على إحداث انقسامات في صفوف المعارضة ككيان أو شخصيات.

ويقول عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة فؤاد عليكو إن سوتشي قد يؤدي فعلا إلى إحداث شرخ في صفوف المعارضة، معتبرا أن موسكو تشترط على المعارضة تخليها عن مطلب رحيل الأسد مقابل إشراكها.

وهذا الرهان الروسي على انعقاد المؤتمر بقطع النظر عن نجاحه من عدمه يضع سوتشي -كما جنيف وفيينا والرياض وأستانا- ضمن وجهات المفاوضات والحوار في سياق الأزمة السورية، ويكرسه مسارا جديدا قد تطول رحلته، كما يقول متابعون.

المصدر : الجزيرة