صحف موريتانيا تعاود الصدور بعد أزمة الطباعة

الصحف الموريتانية
الصحافة الورقية ظهرت بموريتانيا في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولم يعد يصدر منها بشكل منتظم سوى نحو عشرين صحيفة (الجزيرة)

نواكشوط-الجزيرة نت

عاودت الصحف الموريتانية الصدور بعد نحو شهر من التوقف جراء تفاقم أزمة "أوراق السحب"، ونفاد مخزون المطبعة الوطنية من الورق، وعدم قدرتها ماليا على شراء المادة الأولية.

وظهرت صحيفتان مستقلتان: "الأخبار" العربية الأسبوعية، وصحيفة " لوكوتيديان دو نواكشوط" (يومية نواكشوط) الناطقتان بالفرنسية أمس الأربعاء في الأكشاك، وعادت للصدور والتوزيع قبلهما صحيفتا "الشعب" الحكومية ونسختها الفرنسية " أوريزون".

أسوأ أزمة
وكانت الصحف المستقلة توقفت بشكل مفاجئ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي للمرة الأولى في تاريخ الصحافة الورقية الموريتانية، ثم توقفت بعدها بأيام الصحف الحكومية.

وتقول مصادر مطلعة إن المطبعة الوطنية -وهي مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الاتصال- لم تعد قادرة على طباعة الصحف نتيجة تراكم ديون لها على المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة، وعجزها عن تسديد رواتب موظفيها منذ ثلاثة أشهر، لكن تدخل وزارة المالية وضخها موارد مالية مكن من تجاوز أزمة أوراق السحب ودفع أجور عمال المطبعة.

‪سيداتي: خسائر مادية ومعنوية لحقت بالصحف‬ (الجزيرة)
‪سيداتي: خسائر مادية ومعنوية لحقت بالصحف‬ (الجزيرة)

وقال مدير صحيفة الأخبار الهيبة ولد الشيخ سيداتي إن "خسائر مادية ومعنوية عديدة لحقت بنا بسبب عجز المطبعة الوطنية عن توفير الورق الضروري للسحب؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- أننا كنا ننفق رواتب العمال دون عمل، وضاعت منا فرص نادرة بإعلانات نادرة، هي الأخرى تزامنت مع هذا التوقف".

وأضاف سيداتي في حديث للجزيرة نت أن الأزمة كانت لها أيضا آثار معنوية تمثلت في الغياب عن الجمهور، وتأخر بعض الأعمال الصحفية التي كان مقررا إنجازها في نهاية العام.

الوسائط الحديثة
وشكل الإنترنت والوسائط الحديثة الملاذ بعد الأزمة، وقال سيداتي "عدنا لمنصاتنا التقليدية؛ فموقعنا الإلكتروني الأول من حيث التصفح في البلد، والأقدم وجودا في تاريخ الصحافة الإلكترونية في البلد"، لكن المشكلة كانت أكبر -حسب سيداتي- بالنسبة للصحف التي لا تملك مواقع إلكترونية أو أن "مواقعها أقل شهرة".

واستبعد مدير صحيفة الأخبار اختفاء الصحف بشكل نهائي، خاصة في بلد كموريتانيا رغم وجود أزمة عالمية متعددة الأبعاد تواجه الصحافة الورقية، لأن الولوج للإنترنت ما زال محدودا بموريتانيا.

وطالب ولد الشيخ سيداتي بالبحث عن حلول أكثر استمرارية، كالبحث عن مطابع جديدة، أو زيادة مخصصات المطبعة الوطنية، وتحديث معداتها، داعيا لضرورة إشراك المؤسسات التي تصدر صحفا ورقية في إعداد الحلول المرتقبة للأزمة.

تطوير
وحركت أزمة توقف طباعة الصحافة الورقية النقابات والمنظمات المهنية للصحفيين لإيجاد مخرج لأزمة الورق، وفي هذا السياق قال نقيب الصحفيين الموريتانيين محمد سالم ولد الداه للجزيرة نت إن تفادي تكرار الأزمة التي مرت بها الصحافة الورقية في بلادنا يتطلب من الجهات المختصة في البلد الاهتمام بمؤسسة المطبعة الوطنية، وتطويرها وتحسين أدائها حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات.

ونبه ولد الداه إلى أن توقف الصحف الورقية يترك انعكاسات سلبية على التعددية في ميدان الصحافة، وانعكاسات سلبية على سمعة البلد، مؤكدا أن مكانة الصحافة الورقية لا زالت محفوظة في كافة بلدان العالم، ولا يمكن تصور بلد بدون صحافة ورقية مهما تحدث البعض عن تراجع دورها.

‪ولد الداه: توقف الصحف يؤدي إلى تراجع تعددية المشهد الإعلامي بموريتانيا‬ (الجزيرة)
‪ولد الداه: توقف الصحف يؤدي إلى تراجع تعددية المشهد الإعلامي بموريتانيا‬ (الجزيرة)

كما شدد نقيب الصحفيين على أن تكرار توقف الصحف يسهم في تراجع تعددية المشهد الإعلامي وحريته، التي تعتبر من المكاسب المهمة التي حصلت في البلد، ويجب المحافظة عليها.

من جهته، أشار رئيس تجمع الصحافة الموريتانية موسى ولد صمب سي رئيس أكبر تكتل لناشري الصحف في البلاد إلى مشكلة غياب سوق الإعلانات، و"امتناع المؤسسات الحكومية عن الاشتراك في الصحف أو تقديم الدعم لها ".

ورغم الارتياح لاستئناف الصدور، فإن ولد صمب سي اعتبر أن ملاحقة القضاء الموريتاني لصحفيين بتهمة " تلقي الرشوة" ضمن قضية الشيوخ المتابعين قضائيا من شأنه تقويض حرية الصحافة والتضييق عليها.

وكان الدعم الحكومي موجها للصحف الورقية والإلكترونية قبل أن تبرز إلى الوجود خمس قنوات وخمس إذاعات خاصة، وينظر البعض إلى هذا الدعم بوصفه ارتهانا لحسابات ووجهة النظر الرسمية.

وفي هذا السياق، يقول عبد الله مامادو با المتابع لقضايا الصحافة الموريتانية، إن هذا الدعم "يجعل الخط التحريري لأغلب الصحف في موريتانيا خطا مائعا، ويميل غالبا إلى مساندة السلطة، ويحجب النظر عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه المجتمع الموريتاني".

يذكر أن الصحافة الورقية ظهرت في موريتانيا في بداية تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن كانت عشرات الصحف اليومية والأسبوعية تصدر بانتظام، لم يعد يظهر منها بشكل منتظم سوى نحو عشرين صحيفة.

المصدر : الجزيرة