الإمارات.. هستيريا الأمن

انطلاق شرارة انتفاضة الشعوب العربية مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، أشعر عدة أنظمة عربية بالخوف من رياح التغيير، منها دولة الإمارات التي استعدت جيدا لإفشال أي مطالب شعبية فعمدت إلى زيادة جرعة التأهب الأمني، وشنت حملات أمنية واسعة داخل البلاد وخارجها.

قبضة أبو ظبي الأمنية تعززت منذ وقت مبكر، فقد كشفت وثائق ويكيليكس المسربة أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أعرب صراحة عن أكثر آرائه إثارة للجدل بخصوص قواته المسلحة في يناير/كانون الثاني 2007، وذلك خلال لقاء جمعه ووزير خارجيته عبد الله بن زايد مع نيكولاس بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس، والسفير جيمس جيفري بحضور السفيرة الأميركية لدى أبو ظبي آنذاك ميشيل ساسون.

محمد بن زايد قال إن "من بين 60 إلى 80% من القوات المسلحة الإماراتية -البالغ عددها 60 ألف جندي- سيستجيبون لأول نداء من أحد مشايخ مكة"، مضيفا أنه لو كان صريحا أكثر مما ينبغي في بعض المواضيع لرجمه الإماراتيون بالحجارة.

عمدت الإمارات مبكرا إلى توظيف جنرالات وجنود أجانب ضمن صفوف قوات أمنها الداخلي وحرسها الرئاسي

أمن مستورد
عمدت الإمارات مبكرا إلى توظيف جنرالات وجنود أجانب ضمن صفوف قوات أمنها الداخلي وحرسها الرئاسي، إذ عينت الجنرال الأسترالي مايك هندمارش عام 2009 ليستكمل تشكيل الحرس الرئاسي الإماراتي، فجند مرتزقة من دول عدة أبرزها باكستان ونيبال وبنغلاديش وبنما والصومال وكولومبيا، بالإضافة إلى مجندين من أفريقيا دورهم يتمثل في حماية المنشآت الحيوية والإشراف على السجون.

كما عملت أبو ظبي على إيواء شركات متعددة الجنسيات مختصة في جلب وتدريب مرتزقة من أفريقيا وأوروبا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية، أشهرها "ساراسن إنترناشيونال" المتعاقدة مع مؤسس شركة "بلاك ووتر" إريك برنس.

ورغم متابعته جنائيا في أميركا فإن برنس تمكن من نقل عمله إلى أبو ظبي، وأسس شركة أخرى تدعى "ريفلكس ريسبونس" تملك الإمارات 51% من أسهمها، وتنحصر مهمتها في تدريب المرتزقة القادمين من أوروبا وأفريقيا.

وتتراوح مرتبات مرتزقة أبو ظبي بين 2800 و18000 دولار شهريا للمرتزق الواحد، مقابل حراسة القصور ومنشآت النفط وتعذيب المعارضين، بالإضافة إلى خوض الحرب في ليبيا واليمن.

حمى التجسس
تفردت إمارة أبو ظبي بربط شبكات تجسس رقمية لتعقب تحركات الجميع، فأنشأت أنظمة مراقبة لا تستثني أحداً من أفراد ومؤسسات ومبان وشوارع، أشهرها نظام "عين الصقر" الذي أنفقت عليه بسخاء لترسيخ العبارة المتداولة "الإمارات بلد الأمن والأمان".

كما جلبت أبو ظبي شركات أمن أجنبية واعتمدت على خبراء من مختلف أنحاء العالم؛ مختصين في أمن المعلومات وتكوين جيوش إلكترونية بارعة في قرصنة المواقع التابعة لدول أخرى، أشهرها "دارك ماتر".

تفردت أبو ظبي بربط شبكات تجسس رقمية لتعقب تحركات الجميع، فأنشأت أنظمة مراقبة لا تستثني أحداً من أفراد ومؤسسات ومبان وشوارع

وقد كشف موقع "ذا إنترسبت" الإلكتروني في تقرير للكاتبة جينا ماكلفين أن شركة "دارك ماتر" تسعى لتجنيد خبراء إلكترونيين في مجال القرصنة للعمل لحسابها من أجل مراقبة حواسيب الإماراتيين وحساباتهم بشكل جماعي.

كل هذا من أجل محاولة ضبط إيقاع المجتمع الإماراتي بالتجسس على المواطنين والمقيمين، وحماية نظام الحكم في الدولة.

إمبراطورية تجسس
كشفت مجلة "فورين بوليسي" أن موظفين إماراتيين جددا يتلقون دورات في مبادئ وأدوات حرفة التجسس على يد خبراء غربيين في موقع قريب من وسط مدينة أبو ظبي يسمى "الأكاديمية"، مجهز كليا بميادين الرماية والسياقة والثكنات.

وأوضحت المجلة أن هذه الدروس والمنشآت جزء من مساعي الإمارات لإنشاء أطر استخباراتية محترفة على شاكلة المخابرات الغربية.

واستعانت أبو ظبي بمدربين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أبرزهم لاري سانشيز المسؤول عن إطلاق برنامج شراكة بين الوكالة الأميركية وشرطة نيويورك لمراقبة المسلمين في الأماكن العامة، وريتشارد كلارك مستشار ولي عهد أبو ظبي والرئيس التنفيذي لشركة "غود هاربور" لإدارة المخاطر الأمنية.

وهكذا تلتحف الإمارات برداء الحداثة والتجارة والأمن لتخفي وراءه دولة بوليسية تراقب الجميع وتقمع كل من سولت له نفسه الخروج عن السرب.

المصدر : الجزيرة