دعم الطبقات الفقيرة بتونس.. حل حقيقي أم ترقيع؟

استنفار أمني مع تزايد الاحتجاجات بالشارع التونسي
استنفار أمني رغم تراجع وتيرة الاحتجاجات بالشارع التونسي (الجزيرة)
خميس بن بريك-تونس

رغم إعلان الحكومة التونسية مؤخرا عن إجراءات لصالح الفقراء والعاطلين عن العمل لامتصاص غضب المحتجين على غلاء الأسعار، يرى مراقبون أنها محاولة "لذر رماد في العيون" ولن تحل المشكلة.

وتتمثل الإجراءات في توفير دخل أدنى ثابت لكل عائلة فقيرة، وزيادة منح العائلات المعوزة، ومضاعفة منحة الأطفال المعوقين من العائلات الفقيرة، ومساعدة محدودي الدخل على اقتناء مسكن لائق، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل 620 ألف عاطل عن العمل.

ومع أن الهدوء عاد عقب سلسلة احتجاجات رافقتها أعمال تخريبية، فإن الاستنفار الأمني ما زال قائما نتيجة استمرار حرق العجلات ليلا في أحياء فقيرة قرب العاصمة.

وتعود الاحتجاجات المتقطعة "لاستمرار السياسات الخاطئة وضعف أداء الحكومات المتعاقبة عقب الثورة"، بحسب جريح الثورة خالد بن نجمة الذي أصيب بشلل نصفي بعد تلقيه ثلاث رصاصات إبان ثورة 2011.

ويرى خالد -الثلاثيني الذي خسر عمله فلاحا في "رأس الجبل" (شمال شرق) بسبب الإصابة- أن الإجراءات الحكومية ليست سوى تضليل ومحاولة لامتصاص غضب الشارع، وأنها لا تنفع في إصلاح الأوضاع "المزرية".

وبعد وفاة والده كمدا على وضعه، يعيش خالد مع والدته العجوز معزولا في شقة بالطابق الثاني في عمارة متداعية، وقد فشلت محاولاته للظفر بمنزل خاص، كما أنه لم يتلق أية مساعدات وفق قوله.

ويوضح الشاب أنه حُرم كغيره من جرحى الثورة -رغم تدهور وضعهم الاجتماعي والصحي- من منحة قدمها لهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وأن القائمة الاسمية الرسمية بضحايا الثورة لم يتم توقيعها من الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي لإعادة الاعتبار والتعويض إليهم.

‪جريح الثورة خالد بن نجمة يشارك في الاحتجاج رغم إعاقته‬ (الجزيرة)
‪جريح الثورة خالد بن نجمة يشارك في الاحتجاج رغم إعاقته‬ (الجزيرة)

معاناة
ورغم إعاقته يشارك خالد في الاحتجاجات مع رفاقه الجرحى، لكن المواطن الخمسيني مراد سئم الخروج في الاحتجاجات وانعدمت ثقته في الحكومات، حيث بات يعاني من الاكتئاب نتيجة استمرار بطالته وعجزه عن تحمل نفقات أسرته.

وبصوت يطغى عليه التشاؤم، يقول مراد إنه لا ينتظر بطاقة علاج مجاني بقدر ما يحتاج إلى عمل يسترزق منه، متسائلا "أنا عاطل عن العمل وأعالج بالأعشاب الطبية، فهل ستمكنني بطاقة العلاج من الأكل واللبس والتنقل؟".

وينظر الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي إلى الإجراءات الحكومية بعدم الرضا، معتبرا أن هدفها امتصاص غليان الشارع التونسي، وأنها غير قادرة على تحسين أوضاع العائلات الفقيرة أو العاطلين عن العمل.

ويستغرب المغزاوي من عدم إدراج الإجراءات الحكومية في قانون المالية الجديد المتسبب في تفجر الأوضاع بسبب موجة ارتفاع الأسعار، معبرا عن خشيته من أن تكون الحكومة بصدد "بيع الأوهام للناس" لأنها تعاني من العجز ولا تقدر على تمويل الإجراءات.

‪حسن: الحكومة ستمول إجراءاتها بنفقات طارئة قدرها مئة مليون دولار‬ (الجزيرة)
‪حسن: الحكومة ستمول إجراءاتها بنفقات طارئة قدرها مئة مليون دولار‬ (الجزيرة)

حل اجتماعي
في المقابل، يقول محسن حسن المستشار الاقتصادي في حركة نداء تونس التي تقود الائتلاف الحاكم –للجزيرة نت– إن الإجراءات الحكومية تساهم في تخفيف وطأة ارتفاع الأسعار رغم أنها لا تحل المشاكل بصفة هيكلية.

وبشأن ما إذا كانت الحكومة ستقر مشروع قانون مالية تكميلي لتمويل الإجراءات المعلنة، يعتقد حسن أنها ستستعمل نفقات طارئة مقدرة بنحو مئة مليون دولار لتمويل الإجراءات، مؤكدا أن البلاد تحتاج إلى إصلاحات عميقة ورفع النمو.

ويرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن الإجراءات الحكومية لها طابع اجتماعي يساهم في تخفيف الاحتقان، لكنها لا تحسن الأوضاع الاقتصادية. وما يلفت انتباهه هو أن تلك الإجراءات لن تدخل حيز التنفيذ إلا في شهر مارس/آذار المقبل، بعدما تتم المصادقة على قانون مالية تكميلي.

ويؤكد أن الزيادة المتضمنة في قانون المالية الجديد بجميع الأداءات، إضافة إلى رفع سعر المحروقات، ليست سوى مقدمة في انتظار زيادات أخرى، مع اقتطاع نسبة 1% من الرواتب تحت عنوان "مساهمة استثنائية".

المصدر : الجزيرة