"القوة الأميركية" تخلط الأوراق بالشمال السوري
16/1/2018
زهير حمداني
تتجه منطقة الشمال السوري -خصوصا في إدلب– إلى مزيد من التصعيد بعد إعلان الولايات المتحدة خطة لإنشاء قوة أمنية بمشاركة فصائل كردية في المنطقة، وهي خطة استفزت الأطراف الفاعلة من النظام إلى إيران وروسيا وتركيا، وقد تعيد خلط الأوراق وإعادة صياغة التحالفات والأولويات.
وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على 30% من الأراضي السورية العماد الأساسي لهذه القوة التي ستتألف من ثلاثين ألف مقاتل، وبدأت واشنطن تدريب مئات المقاتلين منها في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وستنتشر القوة على طول الحدود السورية التركية في الجزء الواقع تحت سيطرة القوات الكردية والحدود العراقية باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات الذي يعتبر خطا فاصلا بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام السوري المدعومة من إيران وروسيا.
وتفتح الخطة الأميركية الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر في الشمال السوري بعد فترة هدوء نسبي شابته توترات محسوبة ضبطت بتفاهمات أستانا بين موسكو وطهران وأنقرة، وهي تؤكد فشل محاولات واشنطن التوفيق بين خططها في المنطقة مع الأكراد السوريين ومطالب حليفتها في الناتو تركيا.
إعادة التموضع
ويشير مراقبون إلى أن واشنطن حسمت أمرها بضرورة توسيع دورها بمجريات الأحداث ومسارات الحل والحرب في منطقة إدلب ومحيطها، وعدم تسليم الملف برمته لروسيا وإيران وتركيا، وقد عبرت في هذا السياق عن رفضها لمؤتمر سوتشي، كما بدأت تفعيل برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) لتدريب فصائل المعارضة وتسليحها وفق ما أفادت صحف أميركية.
وترى واشنطن أن لا طرف موثوقا بالنسبة لها في سوريا حاليا غير قوات سوريا الديمقراطية، حيث تراها بديلا علمانيا "معتدلا" ومؤيدا للغرب يمكن أن يكبح جماح التمدد الإيراني والنظام السوري، ويعوض فشلها في الرهان سابقا على تنظيمات مختلفة في سوريا "بعضها جهادية"، كما تؤكد صحيفة وول ستريت جورنال.
ويؤكد محللون أن الولايات المتحدة عادت إلى فكرة إقامة الكيان الكردي الذي سيقتصر الآن على سوريا وقد يمتد لاحقا من أربيل إلى البحر المتوسط قرب اللاذقية على الحدود التركية، وذلك رغم الضربة التي أصابت تجربة كردستان العراق للانفصال المدعومة أميركيا خلال العام الماضي، وهي تستثمر في هذا السياق الظروف السورية المختلفة والمخاض العسير لإعادة تشكيل الدولة وتزاحم الأجندات والمحاور ومشاريع الحلول.
وترى روسيا على لسان ووزير خارجيتها سيرغي لافروف أن واشنطن تعد العدة من وراء تشكيل هذه القوة الأمنية لتقسيم سوريا، وأن الجيش الذي يجري التخطيط له (حرس الحدود) "هدفه بالأساس ألا تبقى سوريا دولة بحدودها الحالية"، وهي المقاربة نفسها التي تبنتها طهران، في حين أكدت خارجية النظام السوري "عزيمة الجيش السوري على إنهاء أي شكل للوجود الأميركي على الأراضي السورية".
وفي هذا السياق، يشير محللون إلى أن هدف واشنطن والبنتاغون من وراء إنشاء هذه القوة هو مواجهة النفوذ الروسي في سوريا ومنع التمدد الإيراني، ووضع النظام تحت دائرة التهديد الدائم، ورجحوا أن تسمح واشنطن بعملية محدودة للجيش التركي في عفرين لتحقيق إستراتيجيتها الكبرى.
ويؤكد هؤلاء أن عين أميركا بالأساس على المناطق الشاسعة والثرية في الحسكة والقامشلي ودير الزور والرقة وشرق الفرات وعلى الحدود العراقية السورية، وعلى الخطر الإيراني، وأن تركيا تبقى حليفة لواشنطن وعضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مهما تصاعد الخلاف بينهما.
حسابات تركيا وأوراقها
وترفض تركيا بشدة الخطوة الأميركية، واعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان هذه القوة "جيشا إرهابيا هدفه مهاجمة تركيا"، وتعهد بالقضاء عليه قبل أن يولد، في تصريحات تشي بتصعيد قد يكون الأخطر بين واشنطن وأنقرة.
لكن كبير الباحثين في قضايا الأمن القومي بمؤسسة أميركا الجديدة دوغلاس أوليفنت نفى أن تكون الولايات المتحدة تستهدف تركيا، مشيرا إلى أن هناك خلافا جوهريا لواشنطن مع أنقرة يتمثل في أن الأتراك يعتقدون أن وحدات حماية الشعب الكردية هي امتداد لـحزب العمال الكردستاني التركي خلافا لواشنطن التي تعدهم حلفاء للسيطرة على الأرض في سوريا.
وإذا تمسكت تركيا بـ"تطهير" المناطق السورية المحاذية لها من القوات الكردية -خصوصا في منطقة عفرين– فإن ذلك سيفتح صداما مباشرا بين الأميركيين والأتراك في شمال سوريا، وهو ما يعتبره أوليفنت "أمرا مستبعدا، وسيكون كارثيا وسيدخل واشنطن وأنقرة إلى أزمة فريدة من نوعها".
من جهته، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ابن خلدون التركية برهان كور أوغلو أن هدف واشنطن من إنشاء القوة المذكورة ليس محاربة تنظيم الدولة الإسلامية لأنه انتهى في سوريا، مشيرا إلى أن هذه القوة ستقسم سوريا وستعمل لمصلحة إسرائيل وستطرد العرب والتركمان من المناطق التي يعيشون فيها في شمال سوريا، على حد قوله.
وتوقع أوغلو أن تغادر القوات الأميركية -التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية– المنطقة كي لا تحدث مواجهة مباشرة وغير محمودة العواقب بين الجنود الأتراك والأميركيين.
وتتفاقم المخاوف التركية من جعل الحزام الكردي على حدودها أمرا واقعا بحراسة أميركية، وتتزايد أيضا هواجسها من هجوم قوات النظام مسنودة بالإيرانيين والروس -طرفا تفاهمات أستانا معها- والتقدم الكبير والمفاجئ لهذه القوات في أرياف إدلب وحلب، مما يهدد أحد أهم استثماراتها وأوراقها في الأزمة السورية كما يقول محللون، وينسف الاتفاقات مع طهران وموسكو ويجعلها وحيدة أمام المشروع الأميركي في سوريا.
وباعتبار أن الخطر الكردي هو الهاجس الأكبر بالنسبة لها، وفي ضوء الخلاف الحاصل مع واشنطن بشأن هذه المسألة فإن أنقرة ما زالت تحتاج إلى الحليفين الروسي والإيراني اللذين يتفقان معها في تفاهمات أستانا، وفي رفض الخطوة الأميركية بإنشاء "جيش كردي"، خصوصا في المواجهة السياسية لهذا المشروع.
وفي هذا السياق، فإن متابعين يتوقعون أن تقبل أنقرة "بتنازلات موجعة" في ملف إدلب ومعاركها المستعرة، خصوصا مع روسيا وربما اتجاه النظام السوري للحفاظ على هذا الحلف نظرا لصعوبة وقوفها منفردة سياسيا أو عسكريا في وجه المخطط الأميركي، ولتشكيل ضغط أكبر على الإدارة الأميركية التي رهنت مشروعها في سوريا والمنطقة بالجانب الكردي.
وفي وقت يستبعد فيه المراقبون الصدام العسكري المباشر بين تركيا والولايات المتحدة في سوريا على خلفية تضارب المصالح والرؤية للملف الكردي فإنهم يرون أن صراعا طويلا يراوح بين السياسي والعسكري الأمد سينشأ بين أطراف تفاهمات أستانا ضد واشنطن لإحباط فكرة "الكانتون الكردي" والسيطرة الكاملة لقوات سوريا الديمقراطية على الحدود وبالتالي إجهاض فكرة تقسيم سوريا.
المصدر : الجزيرة + وكالات