الاحتجاج بتونس.. غليان متواصل وحكومة صامتة

جانب من الاحتجاجات الشعبية في تونس/أمام المسرح البلدي/العاصمة تونس
احتجاجات تونس تطالب بالتنمية وتوفير فرص العمل وخفض أسعار السلع والخدمات (الجزيرة نت)
لا يبدو أن وتيرة الاحتجاجات في تونس ستنخفض في وقت قريب مع تمدد واستمرار المظاهرات والاضطرابات في مزيد من المناطق على خلفية الزيادات في الأسعار. وبينما تطالب أحزاب سياسية بتعليق العمل ببعض بنود قانون المالية الجديد، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد.

وتجددت أمس لليلة الثالثة على التوالي أعمال شغب شملت بنوكا ومراكز تجارية وعربات أمنية بمناطق متاخمة للعاصمة ومدن متفرقة.

ورغم حالة الاحتقان لم تفرض الحكومة حظر التجول ولم تطبق قانون الطوارئ الممدد، لكن قوات الشرطة ألقت القبض على مئات المتظاهرين ليلا بتهمة بث الفوضى والتخريب.

ويقول وزير المالية الأسبق والنائب عن حركة النهضة سليم بسباس إن عودة الهدوء "أمر ممكن بظرف وجيز"، لكن ذلك يبقى رهين إجراءات الحكومة، مبينا أن تفاعلها مع مقترحات الأحزاب لدعم القدرة الشرائية سيجنب البلاد الانزلاق نحو الأسوأ.

يشار إلى أن حركة النهضة شريك أساسي في الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب نداء تونس.

ويرى بسباس أن التراجع عن تنفيذ بعض بنود قانون المالية الجديد كما دعت إليه أحزاب معارضة ومنظمات نقابية "أمر ممكن" لامتصاص غضب المواطنين وتفويت الفرصة على المتربصين بالمسار الانتقال الديمقراطي الهش، قائلا "هناك أطراف داخلية وخارجية تحاول إثارة البلبلة وزعزعة البلاد".

شهر الثورات
ويلفت إلى أن شهر يناير/كانون الثاني اقترن تاريخيا في تونس بالاحتجاجات على غرار الأزمة بين اتحاد الشغل والحكومة عام 1978 واندلاع ثورة الخبز عام 1984 والإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011.

لكنه أبدى استياءه من تحريك الشارع من قبل الجبهة الشعبية اليسارية دون تأطير للاحتجاج "مما أدى لوقوع انفلاتات".

وقد تبادلت حركة النهضة والجبهة الشعبية الاتهامات بالوقوف وراء تغذية أعمال شغب. ويؤكد بسباس أن الجبهة دعت للاحتجاج عقب تصديقها على فصول من قانون المالية.

لكن النائب عن الجبهة منجي الرحوي قال للجزيرة نت إن كتلة حزبه في البرلمان (15 مقعدا) "رفضت رفضا كاملا هذا القانون المتسبب في تفجر الأوضاع". ولا يتوقع الرحوي أن تخمد الاحتجاجات في ظل الزيادات في الأسعار "التي لم تشهد لها تونس مثيلا".

وبيّن أن "كل المؤشرات تنبئ بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تسير نحو الأسوأ نتيجة فشل منظومة الحكم الحالية واستمرارها في اتخاذ إجراءات خاطئة إرضاء لسياسات صندوق النقد دون مراعاة ظروف الشعب".

وكانت الجبهة الشعبية دعت التونسيين للاحتجاج في الشوارع على قانون المالية بسبب إضعاف القوة الشرائية.

وعقب تصاعد الاحتجاجات وانحدار بعضها إلى أعمال الشغب والحرق والنهب، سارع قياديون في الجبهة لتجريم تلك الأعمال، واتهم بعضهم أطرافا بافتعال أعمال الشغب "لتشويه الاحتجاجات السلمية".

ولا يتوقع رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني أن تشهد الاحتجاجات تراجعا في المدة القريبة.

ويضيف "حتى وإن تقلص زخمها في بعض الفترات فإنها ستبقى مستمرة بأشكال أخرى مثل الاعتصامات وإضرابات الجوع وغيرها بسبب تواصل تردي الأوضاع الاجتماعية".

وسجل المنتدى المتابع للتحركات الاحتجاجية خلال السنة الماضية حوالي 10 آلاف احتجاج للمطالبة بالتشغيل والتنمية.

مؤشر الغضب
ويضيف أن هذا "مؤشر يعكس حالة الغضب والاحتقان وانعدام الثقة عقب مرور سبع سنوات على ثورة تمتع فيها التونسيون بالحرية وحق التظاهر لكن بقيت مطالبهم في التشغيل والتنمية معطلة تماما".

ويتوقع الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن تشهد تونس مرحلة ساخنة مع استمرار شعور المواطنين بوطأة الغلاء وتقلص فرص العمل وتعطل مشاريع التنمية.

ويؤكد سعيدان للجزيرة نت أن المستهلك التونسي خسر منذ عام 2011 قرابة 25% من قدرته الشرائية بسبب الزيادات المستمرة في الأسعار.

ويتوقع أن ترتفع نسبة التضخم خلال الربع الأول من العام إلى 8% مما سيكون له تأثير مباشر على الادخار الذي تقلص حجمه من 22% من الناتج الإجمالي الخام عام 2011 حتى بلغ مستوى 11% العام الماضي. وهو ما يترتب عليه ضعف قدرة المؤسسات المالية على تمويل الاستثمار والتوظيف.

وعلى الرغم من استمرار حالة الغليان بتونس، لم يفصح رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد في خطابه الأخير عن إجراءات جديدة تخفض منسوب الغضب الشعبي.

وفي المقابل يستعد نشطاء حملة "أفاش تستناو" (ماذا تنتظرون؟) لخوض احتجاجات جديدة خلال الأيام المقبلة للمطالبة بإسقاط قانون المالية 2018.

المصدر : الجزيرة