مخاوف بتونس من عودة "دولة البوليس"

جدل بشأن تمرير قانون يجرم الاعتداءات على قوات الأمن في تونس/العاصمة تونس/فبراير/شباط 2017
مشروع قانون يجرّم الاعتداء على قوات الأمن أحدث جدلا في تونس (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

يواجه مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلّحة الذي تنظر فيه لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي، معارضة شديدة من قبل منظمات حقوقية تعتبره مدخلا لإعادة إنتاج "دولة البوليس"، في حين تقول الجهات الأمنية إنه يضمن الحماية اللازمة للأمنيين "بكنف الدستور".

وطلبت عشرون منظمة محلية ودولية من البرلمان -أمس الأربعاء- سحب مشروع القانون الذي كانت قد طرحته الحكومة السابقة التي ترأسها الحبيب الصيد في أبريل/نيسان 2015، ثم بدأ البرلمان النظر فيه منذ أيام وسط ضغط نقابات الأمن بسبب تكرر الاعتداء على الأمنيين.

واستمعت لجنة التشريع العام بالبرلمان مؤخرا إلى وزير الداخلية الهادي مجدوب، الذي طالب بالإسراع في تمرير مشروع القانون من أجل حماية الأمنيين من الاعتداءات المتكررة عليهم.

ويحتوي هذا المشروع على عشرين فصلا تتضمن أحكاما مشددة بالسجن في تهم تتعلق مثلا بإفشاء أسرار أمنية أو محاولة الاعتداء على المقرات والمنشآت والتجهيزات الموضوعة تحت تصرف أو حماية قوات الأمن، أو الاعتداء على أعوان الأمن أو عائلاتهم ووسائل نقلهم ومساكنهم وغيرها.

‪البغوري مشروع القانون يخالف أحكام الدستور‬ (الجزيرة)
‪البغوري مشروع القانون يخالف أحكام الدستور‬ (الجزيرة)

رفض القانون
وعن دواعي رفض القانون، يقول رئيس نقابة الصحفيين التونسيين ناجي البغوري للجزيرة نت إنه "لا سبيل لتمريره لأنه يخالف أحكام الدستور التي تضمن الحقوق والحريات، ويناقض المواثيق الدولية التي تلتزم بها تونس كاحترام الحق في الحياة والحريات ومقاومة الاستبداد".

وكأمثلة عن الأحكام غير الدستورية، يوضح البغوري أن القانون يتضمن فصولا كثيرة تحد من حرية التعبير وتجرّم الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمبلغين عن حالات التعذيب وسوء المعاملة، على غرار الفصلين 5 و6 اللذين يفرضان أحكاما بالسجن عشر سنوات بحجة إفشاء أسرار الأمن.

ويقول الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني، للجزيرة نت، إن للحكومات الحق بتقييد تداول معلومات معينة من شأنها تعريض الأمن الوطني للخطر، لكن التعريف الفضفاض لأسرار الأمن قد يسمح للسلطات بتوجيه الاتهام لكل من يفضح الانتهاكات.

ويؤكد أن القانون يؤسس لـ"دولة البوليس" لأنه يكرس الإفلات من العقاب، حيث يتيح الفصل 18 لقوات الأمن استخدام القوة القاتلة في حالات غير ضرورية لا تشكل تهديدا على حياة الناس، ثم يعفيهم من أي تتبع جزائي، "وهذا يتناقض مع احترام الحق في الحياة ويمنع المحاسبة"، وفق تعبيره.

تنامي الاعتداءات
في المقابل، يقول الناطق باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي شكري حمادة للجزيرة نت إن النقابة تقدمت للبرلمان بمقترحات لتنقيح مشروع القانون وإفراغه من الفصول التي تتنافى مع أحكام الدستور، والتي تتعلق بإفشاء أسرار الأمن نظرا لوجود عبارات فضفاضة تفتح باب التأويل.

وشدد حمادة على ضرورة الإسراع بتمرير هذا القانون الذي يؤكد أنه يوفر الحماية اللازمة لقوات الأمن للقيام بنشاطاتهم بما تقتضيه أحكام الدستور.

ولفت إلى أن القانون من شأنه أن يردع الاعتداءات المتكررة التي تستهدف قوات الأمن وعائلاتهم وذويهم في ظل تنامي الجريمة المنظمة.

وبقطع النظر عن الاعتداءات المسلحة التي راح ضحيتها عشرات من رجال الأمن والجيش، شهدت البلاد في الأشهر الماضية أعمال عنف طالت ملاعب كرة القدم وأحياء شعبية، نتج عنها إصابات خطيرة وصلت حد مقتل رجال أمن، مما دفع نقابات الأمن للاحتجاج أمام البرلمان مطلع هذا الشهر.

‪حمادة: القانون يوفر الحماية اللازمة لقوات الأمن‬ (الجزيرة)
‪حمادة: القانون يوفر الحماية اللازمة لقوات الأمن‬ (الجزيرة)

تهويل
وبشأن رأي أوساط سياسية في القانون، يقول النائب عن حركة النهضة محمد بن سالم للجزيرة نت إن بعض فصول القانون فيها مبالغة وتهويل في حماية الأمنيين لدرجة أنها تنتهك حقوق المواطنين، معتبرا أن النقاش بين مختلف الأطراف في البرلمان سيعدل القانون نحو الأفضل.

من جانبه يقول النائب عن الجبهة الشعبية اليسارية نزار عمامي -للجزيرة نت- إن حزبه لن يصوت على هذا القانون بصيغته الحالية، باعتباره يؤسس إلى "دولة البوليس" ويتعدى على الحقوق والحريات، موضحا أن البرلمان سيستمع قريبا لمطالب المنظمات الحقوقية لأخذها بعين الاعتبار.

وقد يتجه البرلمان التونسي إلى إعلان دورة استثنائية في شهر أغسطس/آب المقبل عوضا عن الدخول في إجازة برلمانية، بسبب ترسانة مشاريع القوانين التي هو بصدد مناقشتها، ولعل أكثرها إثارة للجدل مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مع المتهمين بالفساد ومشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمن.

المصدر : الجزيرة