جزيرة الوراق.. صراع يختلط فيه القانوني بالسياسي والتجاري

السلطة قررت إزالة المنازل السكنية على جزيرة الوراق بدعوى مخالفتها. (صورة تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي لبدء الازالات ـ 16 يونيو 2017 ـ جزيرة الوراق).
السلطات قررت إزالة المنازل على جزيرة الوراق بدعوى إقامتها على أراض للدولة (مواقع التواصل الاجتماعي)

عبد الله حامد ـ القاهرة

بات سيد الطفشان ليلته الأخيرة على جزيرة الوراق النيلية في القاهرة ليصير صباحا حديث مواقع التواصل الاجتماعي، التي اختلفت بشأن تقييم موته بين من قال إنه شهيد الأرض وآخر قال إنه قتيل الشغب.
 
فقد قضى سيد في اشتباكات عنيفة وقعت الأحد 16 يونيو/حزيران 2017 بين سكان الجزيرة والشرطة التي انتقلت لتنفيذ أوامر إزالة لمنازل، فاشتعلت المساجد بالتكبيرات وحثت الأهالي على الصمود.
وبعد ساعات من الاشتباكات، انسحبت الشرطة لتضرب حصاراً على الجزيرة، بمنع القوارب -وسيلة النقل الوحيدة- ووسائل الإعلام، من بلوغها.
 
حصار
وقال المرشح الرئاسي السابق خالد علي في تدوينة بموقع فيسبوك إنه "منذ الانسحاب والجزيرة محاصرة، فأصبح أهالي الجزيرة كالعالقين على حدود الدول المحتلة" متسائلا "أي سلطة غاشمة تلك التي قررت حصار مواطنيها على هذا النحو المجنون؟". ولاحقا خففت السلطات الحصار.
‪أنقاض منزل هدمته السلطات المصرية في جزيرة الوراق بدعوى إقامته على أراض تابعة للدولة‬ (الجزيرة)
‪أنقاض منزل هدمته السلطات المصرية في جزيرة الوراق بدعوى إقامته على أراض تابعة للدولة‬ (الجزيرة)

وأعلن بيان لوزارة الداخلية إصابة ثمانية ضباط وثلاثين مجندا، وأعلنت وزارة الصحة والسكان وفاة مواطن وإصابة تسعة عشر آخرين، وبالتوازي اقتحم الأهالي الغاضبون مستشفى الوراق، وحملوا جثة ضحية الاشتباكات، وساروا بها مرددين هتافات غاضبة.

ويقول أحد سكان الوراق اختار، وقد اسم "ماهر الحلو" اسما مستعارا له إن سيد الطفشان عمل نازح طرنشات (عامل صرف صحي)، وقد مات شهيدا مدافعا عن أرضه حتى لا تباع للإمارات، ونحن سنمضي على طريق الطفشان لا طريق السيسي".

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد قال بأحد لقاءاته قبل أسابيع "الجزر اللي في وسط النيل دي المفروض تبقى محميات وميبقاش فيها حد".

مخطط
ويبدو أن الوراق لن تكون الجزيرة الأخيرة المستهدفة بالإخلاء، إذ قالت مصادر حكومية رفيعة المستوى لصحيفة المصري اليوم القاهرية قبل شهر إن "رئاسة الجمهورية أصدرت تكليفات بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذى أعد في العام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق بالجيزة، لتصبح مركزا كبيرا للمال والأعمال".

ويربط توفيق عبده وهو من سكان الجزيرة بين هذه التصريحات الرسمية ومخطط عمراني نشره موقع مؤسسة عقارية إماراتية يتبين منه خطتها لتحويل الوراق إلى مركز مال وأعمال ضخم. ويضيف توفيق للجزيرة نت "الوراق ليست تيران وصنافير، لن نترك أرضنا رغم الحصار والإرهاب، وقطع الكهرباء وتعطيل شبكات الهاتف المحمول والإنترنت".

وتقول رقية فتحي للجزيرة نت وهي من سكان الجزيرة القدامى إنها لا تريد أن يلقى بها في أرذل العمر في الشارع، لكنها تتمنى "مقابلا عادلا تستطيع السكن به خارج الجزيرة"، فهي تدرك أن "الحكومة ستبيع أرضهم لمستثمرين خليجيين بمبالغ ضخمة".

الحكومة
وأكد بيان لمجلس الوزراء أن "الحكومة مستمرة في التعامل بكل حسم وقوة مع ملف التعدي على الأراضي المملوكة للدولة"، وقرر المحامي العام الأول لنيابات شمالي الجيزة أمس الاثنين حبس تسعة أشخاص 15 يوما بتهم الشغب والتعدي على الشرطة وحيازة سلاح أثناء اشتباكات الوراق.

في المقابل، يقسم شباب الجزيرة أنفسهم لفرق تختص بمراقبة شواطئ الجزيرة خوفا من هجوم جديد للقوات الأمنية، ومن ثم تنبيه السكان عبر المحمول وصفحات فيسبوك.

ويمارس سكان الجزيرة البالغ عددهم نحو ستين ألفا مهنا بسيطة كالزراعة والصيد، وتتبدى مظاهر الفقر بمعظم أنشطتهم الحياتية، في حين أن حجم الخدمات الحكومية المقدمة للسكان هزيلة، وتبلغ مساحة الجزيرة 1300 فدان وتشغل موقعا متميزا على نهر النيل.

القضاء
وأوضح الحقوقي عزت غنيم أن "محاولات بيع جزيرة الوراق لمستثمرين خليجيين ترجع لعشر سنوات مضت، وهو ما استدعى خوض الأهالي معركة قانونية لإثبات ملكيتهم للأرض، وفعلا حصلوا على حكم في القضية رقم 782 لسنة 62 ق بإلغاء البيع".

وتابع غنيم في حديثه للجزيرة نت "عاندت الحكومة لصالح المشتري الخليجي، وأصدرت قرارا باعتبار الجزيرة محمية طبيعية لتطرد الأهالي منها، ولكن طعن على الحكم، فأوصت هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية العليا بإصدار حكمها النهائي بإلغاء هذا القرار الذي اعتبر جزيرة وراق الحضر محمية طبيعية.

وأضاف الحقوقي أن هيئة مفوضي الدولة وصفت في تقريرها قرار تحويل الجزيرة إلى محمية طبيعية بأنه "يمثل فرض قيود على حق الملكية الخاصة المصون دستوريا، وأنه لم يكن سوى حلقة من حلقات محاولة نزع ملكية أراضي الجزيرة من قاطنيها ومحاولة للاعتداء على ملكياتهم الخاصة".

المصدر : الجزيرة