هجوم مسجد لندن.. هل تواجه بريطانيا الإسلاموفوبيا؟

epa06036564 People leave a police cordon near Finsbury Park, after a van collision incident in north London, Britain, 19 June 2017. According to the Metropolitan Police Service, police responded on 19 June, to reports of a major incident where a vehicle collided with pedestrians in Seven Sisters Road, in north London. One man was pronounced dead at the scene and at least eight people were injured, police said. The driver of the van, a 48-year-old man, has been detained. An investigation into the circumstances of the incident is being carried out by the Counter Terrorism Command. The Muslim Council of Britain (MCB) commented on the incident saying that a van has run over worshippers outside the Muslim Welfare House (MWH), near the Finsbury Park Mosque. British Prime Minister Theresa May described the attack as a 'terrible incident.' EPA/FACUNDO ARRIZABALAGA
الشرطة تطوق محيط مسجد فينسبري بعد دعس يميني متطرف مسلمين بعد انتهائهم من صلاة التراويح الأحد الماضي (الأوروبية)

العياشي جابو-لندن

تمر بريطانيا بأسوأ عام منذ عقود من حيث المخاطر الأمنية وعمليات الإرهاب التي تواجهها الحكومة، بالإضافة لتحديات مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي ونتائج الانتخابات الهزيلة التي عادت بالوبال السياسي على حكومة المحافظين بقيادة تيريزا ماي.

وقد شهدت المملكة المتحدة أربع هجمات وصفت بالإرهابية في أقل من أربعة أشهر، وإحدى تلك الهجمات نفذها المتطرف اليميني دارن أوزبورن الأحد الماضي على جموع المصلين المسلمين بعد انتهائهم من صلاة التراويح في مسجد فينسبري بارك شمالي لندن، مما خلف قتيلا وتسعة جرحى.

وعانت حكومة ماي من ضغوط سياسية وأخرى شعبية فرضت عليها أن تتصرف بسرعة وتزور المسجد وتتحدث لأمنائه وتعدهم بالوقوف بجانبهم ودعمهم للتصدي لمخاطر مظاهر الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والاعتداء على المسلمين.

الإسلاموفوبيا تطرف
وقالت تيريزا ماي بصراحة لم تتضمنها قواميس السياسة الرسمية البريطانية من قبل "هذا اعتداء على المسلمين قرب مكان عبادتهم، وكل الأعمال الإرهابية مهما اختلفت أشكالها تشترك في هدف واحد، فهي تصبو لتقسيمنا وقطع أواصر التضامن والمواطنة التي نتشاطرها في هذا البلد، لكننا سنتصدى لها".

وبتصريحها هذا اعترفت رئيسة الحكومة البريطانية لأول مرة بأن الإسلاموفوبيا هي شكل من أشكال التطرف وينبغي التعامل معها ضمن إطار الفكر المتطرف والأيديولوجيات الهدامة التي تسعى لبث الفرقة وتقسيم المجتمع البريطاني.

قبل حادث مسجد فينسبري كان التركيز ينصب على محاربة "التطرف الديني الإسلامي" بحيث لم تكن جرائم الكراهية تلقى صدى كبيرا في الخطب السياسية، لكن خطاب ماي ورد فعلها السريع صبا في مصلحة الحفاظ على الأمن بالبلاد ومحاولة احتواء أي انزلاقات أمنية قد لا تحمد عقباها.

وعد بالدعم
ويرى عدد من المراقبين وصف حكومة ماي الهجوم على مسجد فينسبري بأنه إرهابي ضمن سياق تحليلي أوسع يتعلق بالمخاطر الأمنية والسياسية التي تواجهها الحكومة البريطانية، وتغافلها عن الشكاوى التي تقدمت بها جهات ومؤسسات بحثية تعنى بالإسلاموفوبيا، وأنه ليس من مصلحتها الاستمرار في إغفال الموضوع أكثر بعد تزايد جرائم الكراهية بنحو خمسة أضعاف في السنوات الأخيرة.

ويقول رئيس اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان في بريطانيا مسعود شجرة للجزيرة نت إن الاعتداءات على المصلين بمسجد فينسبري لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة لسياسات حكومية تغافلت عن شكاوى المسلمين وأهملتها، بينما لعبت وسائل إعلام يمينية دورا مساعدا في تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين وشيطنتهم.

وقد أبدت تيريزا ماي حين زارت المسجد تفهما مبدئيا لما يواجهه المسلمون من مظاهر الإسلاموفوبيا، ووعدت بتقديم الدعم الأمني لهم ومساعدتهم في مواجهة مخاطرها على المجتمع.

ويؤكد رئيس أمناء مسجد فينسبري محمد كزبر للجزيرة نت أن ماي وعدت بالتواصل أكثر مع الجالية المسلمة ومؤسساتها المختلفة، خصوصا بعدما سمعت منهم أنه ينبغي معالجة الأمر بحزم، وأن الإسلاموفوبيا تزداد تناميا، خاصة ضد المسلمات.

الشرطة في موقع دعس يميني متطرف لمسلمين بعد انتهائهم من صلاة التراويح بمسجد فينسبري شمال لندن
الشرطة في موقع دعس يميني متطرف لمسلمين بعد انتهائهم من صلاة التراويح بمسجد فينسبري شمال لندن

وفي السياق نفسه، أشار رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات في لندن الدكتور أنس التكريتي إلى أنه منذ سنوات عديدة دأبت أقلية من اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين والمغتربين بشكل عام على شن خطاب عنصري يدفع باتجاه سياسات في غاية القمعية باتجاه المهاجرين واللاجئين.

وقال للجزيرة نت إن "الحملة والاعتداءات تركزت في السنوات الأخيرة على المسلمين والمؤسسات المسلمة، ورصدنا تناميا كبيرا لمظاهر الإسلاموفوبيا".

وأضاف التكريتي "لقد كنا نخاطب السلطات البريطانية ونحذرها من تنامي هذه الظاهرة وتوسعها"، مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة رفضت التعامل مع إشكالية الإسلاموفوبيا، وكذلك فعل الإعلام البريطاني بشكل متعمد فازدادت الأمور تفاقما وباتت مخاطر ذلك تحدق بالمجتمع البريطاني ككل.

محفز للعلاج
قيادات المجتمع المسلم ببريطانيا ترى أنه لن يكون لحادثة مسجد فينسبري تأثير واسع على المسلمين ومؤسساتهم المختلفة في حال استجابت الحكومة البريطانية لمطالبهم وأشركتهم في اتخاذ القرار في قضايا كثيرة، بينها مواجهة الإسلاموفوبيا، بل إن تلك القيادات ترى أن حادثة المسجد رغم فجاعتها قد تكون محفزا لمعالجة أسباب الإسلاموفوبيا من جانب الحكومة.

وقد أكدت الشرطة البريطانية رسميا أن إحباط الكثير من المحاولات الإرهابية لم يكن ليتأتى لولا المساعدة الكبيرة للجالية المسلمة، وهذا من شأنه أن يكون عاملا إيجابيا تستطيع المؤسسات المسلمة استخدامه لطرق أبواب الحكومة للاعتناء بالإشكاليات التي تواجهها، خصوصا ما يتعلق باعتداءات الكراهية على أبنائها.

ويطالب ممثلو المؤسسات والمجتمع المسلم في بريطانيا الحكومة بمعالجة الأسباب التي تؤدي للتطرف حتى لا يشعر المواطن المسلم بأنه مواطن من الدرجة الثانية.

المصدر : الجزيرة