الأزهر بين خلع عمامة الدين وارتداء عباءة السلطة

القانون الجديد يجيز معاقبة شيخ الأزهر حد الإطاحة به.تصوير زميل مصور صحفي.مسموح باستخدام الصورة.
مشروع القانون الجديد يجيز معاقبة شيخ الأزهر بل والإطاحة به (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

يبدو أن الخلاف بين الأزهر والسلطة في مصر وصل إلى طريق مسدود؛ إذ يسعى محسوبون على السلطة إلى تقويض عمل المؤسسة الدينية عبر دعوة البرلمان لتعديل قانون عمل الأزهر والهيئات التي تتبعه.

ويتضمن مشروع تعديل قانون رقم 103 لسنة 1961-الذي طرحه النائب البرلماني المؤيد للسلطة محمد أبو حامد مذيلا بتوقيع 135 نائبا- استحداث مادة لمحاسبة شيخ الأزهر تجيز توقيع عقوبة عليه يقررها أقدم سبعة أعضاء بهيئة كبار العلماء، أقلها اللوم وأشدها البت بعدم صلاحيته للمنصب.

كذلك تحدد مسودة القانون فترة ولاية منصب شيخ الأزهر بست سنوات فقط، ويمكن انتخابه مرة واحدة فقط، ووقف إنشاء المعاهد الأزهرية 15 سنة، وتجريد المناهج مما وُصف بالتفاسير اللاإنسانية.

ويأتي طرح مشروع القانون وسط موجة هجوم شديد على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والمؤسسة الدينية من جانب وسائل إعلام وشخصيات محسوبة على السلطة؛ بدعوى تصدي الأزهر لتجديد الخطاب الديني.

والضوء الأخضر لدعوات تجديد الخطاب الديني بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ نحو عام ونصف عام، خلال الاحتفال بالمولد النبوي، حيث حمل مسؤولية تنفيذها للأزهر، وهو ما صار حاضرا في كثير من خطاباته، خاصة تلك التي تعقب عمليات عنف تشهدها البلاد.

وربما كانت جملة "تعبتني يا فضيلة الإمام" التي قالها السيسي للطيب خلال الاحتفال بعيد الشرطة في يناير/كانون الثاني الماضي، بمثابة الإعلان الرسمي لوجود فجوة عميقة بين مؤسستي الأزهر والرئاسة.

جانب من إحدى جلسات المؤتمر العالمي للإفتاء الذي عُقد في السابق(الجزيرة)
جانب من إحدى جلسات المؤتمر العالمي للإفتاء الذي عُقد في السابق(الجزيرة)

ولكن، يبدو أن الطيب استمر في إتعاب رئيسه برفضه دعوة السيسي لإلغاء الطلاق الشفهي -التي دعا لها خلال احتفال عيد الشرطة- فصدر بيان شديد اللهجة عن هيئة كبار العلماء يرفض فيها الدعوة، بل ويطلب من الداعين لها بالبحث عن سبل تيسير العيش الكريم للناس.

وكان الطيب طالب بعد مذبحة الحرس الجمهوري في الثامن من يوليو/تموز 2013 بالإفراج عن المعتقلين، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، ليعلن بعدها اعتكافه ببيته، ثم برّأ نفسه من مذبحة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، مؤكدا عدم علمه المسبق بإجراءات الفض.

تقويض الأزهر
وتعديل قانون تنظيم الأزهر يعد حلقة ضمن سلسلة إجراءات بدأت منذ وقوع الانقلاب العسكري بهدف تقويض نشاط المؤسسات الإسلامية، وفق رؤية عضو جبهة علماء الأزهر الشيخ محمد عوف.

وأضاف عوف للجزيرة نت أن تقويض الأنشطة الإسلامية يقابله سماح بنشر الأفكار الإلحادية والنيل من رموز الإسلام عبر وسائل الإعلام الموالية للنظام، وأردف معللا "السلطة العسكرية تؤمن بأن الفكر الديني لدى الشباب هو العدو الأول لاستقرار الحكم لها".

واعتراضات عوف كثيرة على القانون الجديد، منها أنها تنال من هيبة واستقلالية شيخ الأزهر، وتلحقه بوضعية الموظف الحكومي لدى النظام الحاكم.

أبو زيد: النظام الانقلابي يجفف منابع الدين (الجزيرة) 
أبو زيد: النظام الانقلابي يجفف منابع الدين (الجزيرة) 

وعن تداعيات تمرير مشروع القانون في ظل التوتر بين الأزهر والرئاسة، توقع الشيخ الأزهري أن يؤدي إلى الإطاحة بالطيب، الذي وصفه بأحد داعمي النظام، مذكرا بدعم الطيب للسيسي في الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي.

بدوره، فسّر الأمين العام للهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة الدكتور عثمان عبد الرحيم مجمل ما يحدث بمحاولة إجبار شيخ الأزهر على ترك منصبه.

وأسباب ذلك متراكمة، حسب رؤية عبد الرحيم، لكنها تتعلق بشخص الطيب وليس مؤسسة الأزهر، مذكرا بموقفه الرافض لتجديد الخطاب الديني إلى جانب خلافاته مع مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف.

وقال للجزيرة نت إن دلائل التمهيد للإطاحة بالطيب كثيرة؛ كتركه فريسة لغلاة العلمانية لانتقاده في وسائل الإعلام دون أن تظهر الدولة حماية له، وتابع "الدولة لم تعد راضية عن بقائه في منصبه، فأطلقت يد من يريد تصفية حسابه مع الأزهر، ولولا الحرج من قانونية عزله ومكانة شيخ الأزهر داخليا وخارجيا لفكرت في عزله".

هيكل: النظام يجد الطيب وسيلة لتمرير قانون الأزهر(الجزيرة)
هيكل: النظام يجد الطيب وسيلة لتمرير قانون الأزهر(الجزيرة)

لكن أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية الدكتور وصفي أبو زيد استبعد أن يكون قانون الأزهر الجديد له علاقة بالتوتر الحاصل بين المؤسسة الدينية والرئاسة.

وقال للجزيرة نت إن النظام الحاكم "لديه منهجية خاصة بتجفيف منابع الدين ومحاصرة كل ما هو إسلامي، وليس أدل على ذلك من تأميم وحرق المساجد واستفزاز مشاعر المسلمين في كل المناسبات الدينية".

ويرى الباحث الإسلامي محمد هيكل أن هناك خطة منظمة لتقليص دور الأزهر وتفريغه من كوادره الوسطية وإلغاء دوره المحوري في نشر الإسلام الوسطي.

وحسب تفسيره، فإن السيطرة على الأزهر توفر جهدا كبيرا في محاربة الإسلام المعتدل، وخلق بيئتين متضادتين "بيئة علمانية وأخرى متطرفة مصطنعة لتكون فزاعة لاستمرار ونجاح البيئة العلمانية".

وعلى خلاف الرؤى المطروحة، يجد الباحث الإسلامي في الطيب وسيلة للنظام "الانقلابي" لتمرير القانون الجديد بلا معارضة حقيقية توقفه.

المصدر : الجزيرة